أخبار عاجلة
الرئيسية / ثقافة وادب / الطيب تيزيني: «داعش» مولودة ما قبل الإنسان العاقل

الطيب تيزيني: «داعش» مولودة ما قبل الإنسان العاقل

السيمر / الأربعاء 16 . 12 . 2015

صقر ابو فخر / فلسطين

لمع الطيب تيزيني في سبعينيات القرن المنصرم بكتاباته النقدية وأفكاره التنويرية، ونال كتابه «مشروع رؤية جديدة للفكر العربي» شهرة كبيرة في ذلك الزمن. وكان، إلى ذلك، أحد أبرز أساتذة جامعة دمشق، واكتسب شهرته في العالم العربي كله كمفكر قومي عربي يساري ديموقراطي. ومنذ تلك الحقبة جرت مياه كثيرة لوّثت الأنهار والأفكار معاً، فلا القومية العربية بقيت على مكانتها، ولا اليسار حافظ على نضاليته بل كاد يندثر، وصعدت القوى الدينية لتحتل المنابر والإعلام والميادين، وأدت هذه العملية التفاعلية إلى ظهور «الإرهاب الديني» الذي روّع المجتمعات العربية أيما ترويع. وفي معمعان هذه الوقائع اشتعلت مناقشات كثيرة حاولت أن تفسر ما يجري. لكن معظم تلك المناقشات فشل في اكتشاف الجذور العميقة لهذه الآفة الجديدة ـ القديمة، أي ثلاثية التفسيق والتبديع والتكفير، ثم القتل براحة ضمير.
في بيروت تكوكب عدد من المثقفين اللبنانيين والعرب حول الطيب تيزيني القادم من مدينة حمص الجريحة، واستمعوا، في قاعة مؤسسة الإمام الحكيم، إلى كلام مختلف عن «داعش» وانقسام العالم.
وفي «السفير» عرض تيزيني وقائع الأحوال في سوريا، وبكى مراراً قهراً على بلاده، وعلى دمشق التي كانت درة مدائن الشرق، وعلى حلب أعظم مدائن سوريا، وعلى حمص مدينة ديك الجن الحمصي وخالد بن الوليد معاً. إنها الشام التي قال عنها سعيد عقل بصوت فيروز:
«شآم ياذا السيف لم يغبِ
يا كلامَ المجد في الكتبِ
قبلُك التاريخُ في ظلمة
بعدك استولى على الشهبِ»
تحدث الطيب تيزيني كفيلسوف، ومزج التاريخ بالانثروبولوجيا بالسوسيولوجيا ليخلص إلى القول إن «داعش» حدثٌ قَلَب العالم كله. وهذا الحدث لا يمكن تأريخه من لحظة تأسيس هذه المنظمة، بل من لحظة سحيقة في التاريخ الإسلامي. وعاد إلى مرحلة ما قبل الإنسان العاقل (هومو سابيان) الذي ظهر جراء ثلاثة عوامل: انتصاب القامة والمقدرة على استخدام الأصابع، والعقل. وهكذا بدأت رحلة الإنسان العاقل من الوحشية إلى البربرية فإلى الحضارة. وهنا راح الطيب تيزيني يبحث في الأسباب التي جعلت الإنسان المسلم اليوم يفتتح مرحلة العودة إلى ما قبل الإنسان العاقل، أي العودة إلى الوحشية المفتوحة كما تجسدها «الدولة الإسلامية ـ داعش». وأضاف: إن الهجرات البشرية التي نشهدها اليوم، خصوصاً هجرة الشبان العرب، تفاقمت مع النظام العولمي الذي جعل السلعة بديلاً من المطلق القديم، أي الله. والهجرة إما أن تكون إلى داخل الإنسان، وغايتها الراحة، أو إلى الغرب الرأسمالي حيث يصبح الفرد مستعداً للابتلاع، أو إلى السماء. والعودة إلى التدين هي الهجرة إلى السماء، فيما داعش هي ضحية التاريخ والقاتل معاً، وهي نشأت في مرحلة موت الإنسان، أي في مرحلة العولمة التقنية، أي أنها وليدة الثورة التقنية والعولمة، وفي الوقت نفسه هي عدوة للغرب الذي أنتج العولمة التقنية. فالعولمة هي الشيطان الجديد الذي يبسط قبضته على العالم كله، وداعش تعتقد أنها مكلفة القضاء على هذا الشيطان. وفي النتيجة، ها نحن نعيش اليوم في ظل المرحلة التي أوصلنا الغرب إليها. غير أن الانتقام من الغرب، كما تفعل داعش، يدمر الشرق أيضاً. ونحن في مرحلة الخراب العربي الذي يتمثل في العودة إلى التوحش.
سوريا الجديدة
ما برح الطيب تيزيني، على الرغم من ثمانينياته، يحاضر هنا وهناك: البارحة في طنجة، واليوم في بيروت، وغداً في دمشق، وهو يعتقد أن أفكار ابن خلدون، ولا سيما في جدلية العمران والبداوة، هي الأكثر قدرة على اكتشاف حاضرنا.
ويعتقد تيزيني أن سوريا الجديدة بدأت تظهر رويداً رويداً في خضم تحولاتها الدموية، وهو يدعو إلى إعادة النظر، بصورة جذرية، في المناهج الاستشراقية، ويستعد لتأسيس مركز دراسات سورية في حمص هذه المرة. وفي هذا السياق أسس مجلساً للحكماء، وهذا المجلس الاستشاري التطوعي أصدر ميثاق شرف يتضمن ثلاث لاءات: لا لتقسيم سوريا، لا للطائفية، لا للثأر. ومن أجل ذلك لن يترك حمص البتة، مع أنه ترك في بيروت ابنته التي تدرس الماجستير في علم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية، ليعود إلى مدينته ويتابع التفكير والعمل.

السفير

اترك تعليقاً