الرئيسية / مقالات / هـل سنشهد تحالفا أمريكيا – سوريا لسحق الإرهاب في المنطقة؟..

هـل سنشهد تحالفا أمريكيا – سوريا لسحق الإرهاب في المنطقة؟..

السيمر / الخميس 07 . 01 . 2016

أحمد الشرقاوي / مصر

في تطور مفاجئ، أعلنت الخارجية الأمريكية الأربعاء، وفق ما أوردته قناة الميادين في شريط الأخبار، جملة مواقف واضحة وغير مسبوقة تتعلق بالأزمة السورية، جاءت كالتالي: أولا، توقيت رحيل الرئيس الأسد ليس محدداً ضمن الرؤيا الأميركية.. ثانيا، نؤيد رؤية حكومة سورية من صنع السوريين أنفسهم.. ثالثا، يجب الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وإجراء انتخابات ضمن المرحلة الانتقالية.
هذا التطور الجديد، يعني بالعربي الفصيح:
* أولا: أن واشنطن لا ترغب في الانقلاب على الإتفاق الذي عقدته مع موسكو حول الحل السياسي في سورية..
* ثانيا: من غير المسموح لـ”السعودية” زعزعة أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط من خلال إشعال فتنة طائفية تحرق الجميع وتجر أرجل العالم إلى حرب كونية لا يرغب فيها أحد..
* ثالثا، أولوية الإدارة الأمريكية في المرحلة المتبقية من عمر الرئاسة الحالية هي محاربة “داعش” الذي أصبح يمثل خطرا على العالم أجمع، وأصبح الأمن هو الشغل الشاغل للرأي العام الأمريكي والأوروبي، وبالتالي، ليس من مصلحة أوباما التضحية بحظوظ حزبه في الرئاسيات المقبلة، والانقلاب على وعوده، وهو الذي التزم بإنهاء الحروب وعدم إرسال جيش بلاده لبؤر النزاعات في أي مكان من العالم، وحدد أولوية إدارته في هدفين رئيسين: الأول، إنجاز الإتفاق النووي.. الثاني، هزيمة تنظيم “داعش”.
رابعا: ليس في وارد حسابات الرئيس الأمريكي الانقلاب على الإتفاق النووي التاريخي الذي عقده بمعية المجتمع الدولي مع إيران، والانسياق وراء جنون ‘آل سعود’ في حرب مفتوحة مع طهران يؤكد من خلالها أنه أخطأ في خياراته فتراجع عنها قبل نهاية ولايته، هذه ستمثل ضربة قاضية لتاريخه ولحظوظ حزبه في الوصول إلى البيت الأبيض.
خامسا: وعكس كل التكهنات، يبدو أن “السعودية” تصرفت من وراء ظهر أمريكا، ورفضت العمل بنصيحتها التي أكدتها لها أكثر من مرة بعدم الإقبال على إعدام الشيخ نمر باقر النمر، لأنه إنسان له كرامة أولا، ومواطن سعودي له حقوق ثانيا، ومعارض سياسي مسالم لا إرهابي ثالثا.. وذلك قبل أن يكون شيعيا.
سادسا: أن أوباما سبق وأن حذر “السعودية” في أكثر من مناسبة، من أن المخاطر الحقيقية التي تتهددها قد تأتي من الداخل بسبب عدم احترامها لحقوق الإنسان، وعدم اهتمامها بالتنمية المستدامة لاستيعاب الشباب الذي لا يجد مخرجا من وضعه المأزوم غير الالتحاق بالمنظمات الإرهابية نتيجة الفكر التكفيري السائد في المناهج الدراسية والثقافة الوهابية الدينية.
سابعا، أن إيران قوة إقليمية كبيرة، ودولة عقلانية تدافع عن مصالحها ولا تشكل أي تهديد لجيرانها، كما أنه لم يثبت أن الإرهاب يمتح من الإديولوجية الشيعية، ولم تستطع واشنطن إثبات مزاعم “السعودية” بأن طهران تدعم الحوثيين في اليمن بالمال والسلاح باعتراف أوباما نفسه، اللهم إلا الدعم المعنوي والسياسي، وهذا أمر مشروع ومقبول.
ثامنا، أن إعدام الشيخ النمر كانت له تداعيات كبيرة وخطيرة على مستوى العالم، سواء من خلال تصريحات مجلس الأمن والحكومات الغربية، أو التداول الإعلامي الدولي، أو المظاهرات والاحتجاجات التي عمت عواصم العالم، وأحرجت الإدارة الأمريكية، وأظهرتها بأنها غير مسؤولة، وتقف مع نظام رجعي ينتهك حق الإنسان المقدس في الحياة ويدعم الإرهاب، وهذا لم يعد مقبولا لدى الرأي العام الأمريكي والغربي الذي سيدفع الحكام في الغرب ثمنه باهظا من سمعتهم ومستقبل أحزابهم السياسي إن سمحوا لـ’آل سعود’ العبث بأمن واستقرار المنطقة والعالم.
تاسعا، أن السعودية بإعدامها للمعارض السياسي الشيخ النمر ضمن زمرة من الإرهابيين، برغم الشكوك الدولية التي تحوم حول إجراءات محاكمته غير العادلة باعتراف الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية، لم تكت تسعى لتمرير اغتياله بصفته إرهابي، بل العكس هو الذي تبين، حيث سعت “السعودية” لإعدام شخصيات بارزة في قيادة تنظيم “القاعدة” الإرهابي بالتزامن مع إعدام الشيخ النمر، في رسالة تقول لـ”القاعدة” أنك لست المستهدفة، وأن المهلكة لم تغير موقفها منها ولا ترغب في إعلان الحرب عليها..
وهذا أمر صادم جدا، كشفه أخ الشهيد الشيخ نمر النمر، وأدركت خطورة تداعياته الإدارة الأمريكية حين صدرت مواقف عن “القاعدة” تهدد بالانتقام من “السعودية”، ما يبشر بمرحلة عصيبة من التفجيرات التي قد تعرفها الساحة الداخلية في المملكة وفي الخارج أيضا، خصوصا ضد أمريكا الداعمة لنظام ‘آل سعود’، وتحارب “القاعدة” في أفغانستان واليمن.. وأوباما غير راغب في عودة بيانات تهديد “القاعدة” للصدور بعد أن أعلن رسميا للأمريكيين أنه قضى عليها ولم تعد تشكل خطرا على بلاده.
وبهذا المعنى، نحن نشهد ولأول مرة في تاريخ أمريكا، وكما سبق وأن أشرنا في مقالة سابقة، أن الإدارة الأمريكية لن تكون بطة عرجاء في الفترة المقبلة، وأن محاولة “السعودية” زعزعة استقرار المنطقة لخلط الأوراق لإفشال التسويات السياسية التي تعمل عليها إدارة أوباما مع روسيا، وعبرها مع إيران بطريقة غير مباشرة، سواء في سورية أو العراق أو اليمن أو لبنان..
ومعنى المعنى، أن أوباما بحاجة لإتمام الملف النووي الإيراني، تبيّن ذلك بوضوح عندما تراجع عن اتخاذ عقوبات جديدة ضد طهران بسبب برنامجها الصاروخي بعد تجربة صاروخ “عماد” الباليستي، وتهديد طهران بنسف الإتفاق النووي في حال أصر أوباما على قراره، ما يؤكد أن إيران دولة قوية، تفهم السياسية الأمريكية والغربية بعمق، وتُتقن فنّ اللعب بالأوراق الحاسمة في الأوقات المناسبة التي تخدم خياراتها الإستراتيجية، من دون التفريط في عزتها وكرامة شعبها ومكانتها الإقليمية والدولية التي استحقتها بجدارة، وبدأنا نرى عواصم الغرب تخطب ودها وتتزاحم على أبوابها لنيل بعض مما قد تتفضل عليهم به من استثمارات.. فمتى سيفهم العرب الدرس؟..
بل أكثر من ذلك، هناك معلومات مؤكدة تقول أن الوزير جون كيري عرض على الوزير محمد ظريف وساطة أمريكية لرأب الصدع بين طهران والرياض بعد تصعيد الأخيرة وقطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن طهران رفضت انسجاما مع قرار الإمام الخامنئي الذي اعتبر التفاوض مع أمريكا في غير الملف النووي خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه، ما دامت أمريكا منخرطة في قتل الأبرياء في فلسطين وسورية واليمن، ودعم الإرهاب في المنطقة..
لا نعتقد أن “الشيطان الأكبر” سيقبل بالشروط الإيرانية ويتوب على يد الإمام الخامنئي ليتحول إلى ملاك أبيض.. هذا أمر غير وارد، لكن البراغماتية الأمريكية تقتضي، ضرورة التأقلم مع المتغيرات وتغيير البوصلة حين تصبح الرهانات خاسرة، حفاظا على مصالحها، وحفظا لماء وجهها، وسعيا للتحالف مع الأقوياء بدل الضعفاء الفاشلين حتى لو تطلب ذلك مزيدا من الوقت لتدليل العقبات وتجاوز الصعوبات، خصوصا في منطقة لم يعد النفط فيها يشكل أولوية لأمنها القومي تستحق إراقة دماء جنودها من أجل الشركات، وبعد أن تبين أن إسرائيل ذاهبة نحو الانتحار، والشعب الأمريكي لم يعد يقبل بقتل شعوب المنطقة من أجل صهاينة تل أبيب الذي يرفضون السلام ويذبحون الشعب الفلسطيني الأعزل صباح مساء.
هذه ليست صحوة ضمير، بل حسابات الربح والخسارة التي تقتضيها المصالح العليا لنظام رأسمالي مأزوم، لم تعد الحروب تشكل حافزا لإنعاش الاقتصاد بعد الذي تبين من حرب أفغانستان والعراق، وها هي سياسة الفوضى الخلاقة ترفع الدين العام العام الأمريكي من 17 تريليون دولار في بداية عهد أوباما إلى 20 تريليون دولار في نهاية ولايته، وهو الذي وعد بتحسين الوضع المالي والاقتصادي من خلال تغيير السياسات..
وبالتالي، قد نشهد فترة نشاط استثنائي في المرحلة المتبقية من ولاية أوباما، لعل مفتاح التغيير فيها سيكون قبوله بالتحالف مع الروسي لمحاربة الإرهاب في سورية، لدعم الجيش العربي السوري على الأرض..
نقول هذا، بناء على ما كشفه الصحفي ‘تيري ميسان’ في مقالته الأخيرة عن خلاف بين البنتاغون والبيت الأبيض حول سورية، وإقدام القيادة العسكرية الأمريكية في واشنطن على تمرير معلومات حساسة عن مواقع الإرهابيين في سورية إلى دمشق عبر روسيا، ولا نستبعد أن يكون اغتيال الإرهابي ‘زهران علوش’ جاء في هذا السياق، وهو ما أغضب “السعودية” فقررت خلط الأوراق في المنطقة بإعدام الشهيد النمر ضدا في تحذيرات الإدارة الأمريكية.
كما وأن تصريح الخارجية الأمريكية حول الرئاسة والجيش والشعب والانتخابات في حال تأكدت صحته، معناه، أن الأمريكي سبق وأن حضّر لهذه الاستدارة الكبيرة من خلال الزيارة السرية التي تم الحديث عنها قبل أيام لمبعوث أمريكي كبير قدم لدمشق، واجتمع مع القيادة السورية، وتدارس معها التعاون في محاربة الإرهاب وأفق العلاقة الأمريكية السورية مستقبلا..
هذا تحول كبير، قد يفسر الغضب “السعودي” من الصفقة الروسية الأمريكية التي أتت بالقرار 2254 في مجلس الأمن، وانقلاب جون كيري على بيان مؤتمر الرياض، ومحاولة آل سعود خلط الأوراق وتفجير حرب طائفية انتقاما من إدارة أوباما بتحريض من المحافظين الجدد وصهاينة تل أبيب..
وبالتالي، جاء إعلان الخارجية الأمريكية اليوم ليكشف المستور، ويفشل العبث “السعودي”، الأمر الذي سينعكس على مسعى الرياض لإقامة جبهة عربية وإسلامية سنية ضد طهران التي تبدو واثقة من نفسها، غير معنية بالعبث “السعودي”، ولا تعطي لخطواتها التصعيدية المسعورة وزنا ولا قيمة.
وفي حال تأكدت هذه المعلومات، فسنشهد استدارة أمريكية في اليمن لجهة فرض وقف إطلاق النار والبحث عن حل سياسي مع إيران عبر روسيا، وهو ما قد ينعكس إيجابا على الوضع في العراق ولبنان أيضا.
لأنه عندما يتوافق الكبار، يتراجع الصغار ويصبح كل شيئ ممكنا.. ومن لا يعجبه الأمر يشطب من الجغرافيا ويلقى به في مزبلة التاريخ، وهذا هو المصير المتوقع لـ”آل سعود” وفق ما تؤكده دروس التاريخ وسنن الله في الخلق.

بانوراما الشرق الاوسط

اترك تعليقاً