السيمر / الخميس 21 . 01 . 2016
معمر حبار / الجزائر
يسألني عن الفرق بين قراءة الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، وأيهما أحسن وأنفع للقارئ والمجتمع. وقد سبق أن طرح نفس السؤال عبر الصفحة، فكانت الإجابة والتوضيح..
عبر قرون وأهل المغرب العربي يحفظون القرآن الكريم عبر اللوح. ويقر المسلمون جميعا وعبر الكرة الأرضية، أن أفضل وسيلة لحفظ القرآن الكريم وتثبيته وتعليمه هي مايتبعه أهل المغرب العربي جميعا ومنذ 15 قرنا المتمثلة في اللوح الذي يحفظ عبره الطفل القرآن الكريم والمتون منذ الصغر.
إن الوسائل الحديثة في حفظ وتثبيت القرآن الكريم، وإن كانت مفيدة إلى حد معين ولا يمكن نكران دورها، فإن للوح عبق ورائحة يشمها الحافظ، وتتسرب إلى روحه عبر حياته كلّها، فتبقى تلك الرائحة ترواده وتدفعه إلى كل ما هو أفضل وأحسن.
كانت فيما مضى الجريدة ذات حجم كبير، وأتذكر جيدا حين كان أبي رحمة الله عليه، يفترش جريدة EL MOUDJAHID، وأفترش بجواره جريدة “الشعب”، وأنا طفل صغير في الابتدائي، نتبادل الجديد ونتنافس حول أينا يسبق الآخر في قراءة المعلومة وتقديمها. وما زال الطفل يحن لمعانقة الجريدة ذات الحجم الكبير، ويفترش أرضا ليسبح عبر صفحاتها.
والآن أمست كل الجرائد صغيرة الحجم، لاتملء عين الطفل، ومازال يستصغر حجمها، ويسترجع تلك الأيام الخالدة، وهو يفترش الأرض لقراءة “الشعب”، وحين يتصفحها بين يديه، تحجب عنه كل شيء، فلا يرى شيئا من حجمها الكبير.
يسترجع الطفل الآن تلك الأيام الزاهية وهو يحتضن المذياع ليلا، ويتجول عبر مختلف الإذاعة الجزائرية الوحيدة، والبرامج السياسية للإذاعة البريطانية، والإذاعية الفرنسية الأولى. يتنقل الطفل ليمع الجديد ويقف على المفيد، فتربت الأذن على ماسمعته من الإذاعة يومها. وقد رافق المذياع كافة مراحل الطفل الدراسية، مذ كان طفلا في الابتدائي إلى طالبا في الجامعة.
إن وسائل الاتصالات المتطورة الآن، وذات الجودة العالية والسهولة في تقديم المعلومة، وتعدد أسمائها وأشكالها، وفائدتها التي تعدت الأقطار وفي ظرف ثواني معدودات، لايمكنها أن تغير لدى الطفل ذلك العشق الذي مازال يسكن سمعه، حين يركن للمذياع وهو يعيد أيامه عبر السمع للمذياع. ويكفي أني أكتب الآن وعبر أحدث وسيلة، وأنا أسمع للإذاعة المحلية الجزائر. فالاستماع للمذياع كما كان يفعل الطفل في الصغر، يعين على الكتابة كما يفعل الآن وعلى المباشر وهو في الخمسين من عمره، حين تداعب يديه لوحة المفاتيح العصرية الحديثة.
أما فيما يخص قراءة الكتاب، فيكفي القول أن الطفل مازل وسيظل يتصفح الكتب ويعانقها ويحدثها وتحدثه، ويسألها وتسأله، ويختار لها أعلى الأماكن، ويشتري لها مايرفعها ويحفظها، ويهديها للعزيز الغالي، ويقتطع من جيبه ليزورها ويقتنيها، وكلما زار دولة أو بلدة، إلا وزار مكتباتها ليقتني ماأمكن إقتناءه. ومازال يلخص الكتب ويعلق عليها، ويستشهد بما جاء فيها من حكم غزيرة ومعلومات جديدة مثيرة مفيدة.
هذه الحالة الوجدانية التي نمت وترعرعت مع الطفل وهو يعانق الصفحات، لم تستطع الوسائل الحديثة المتمثلة في قراءة الكتاب عبر شاشة الحاسوب أو المحمول، أن تنافسه قدر شبر، وإن كانت الوسيلة الحديثة مفيدة في سهولتها وسرعتها وتوفر كم هائل من الكتب المتعددة والمختلفة العناوين والتخصصات وعبر عدة لغات.
وما يجب لفت الانتباه إليه، أن المسألة لا علاقة لها بالمقارنة بين القديم والجديد، فلكل عصروسيلته، ولكل مرحلة من مراحل الحياة وسيلتها التي السائدة يومها والرائجة حاليا، لكنه عشق القديم الذي يسكن الأضلع، وتهفو إليه الأنفس.