السيمر / السبت 12 . 03 . 2016
عبد الباري عطوان / فلسطين
بعض النظر عن انتخاب السيد احمد ابو الغيط المرشح المصري الوحيد لتولي منصب امين عام الجامعة العربية او غيره، فان العمل العربي المشترك، وكل مؤسساته بات في النزع الاخير، والجامعة العربية احد ابرز رموزه باتت احد ادوات التقسيم الطائفي، والتفتيت الجغرافي والديمغرافي للامة العربية، واداة طيعة لتنفيذ المخططات الامريكية و”العربية” للأسف.
السيد ابو الغيظ آخر وزير في عهد الرئيس حسني مبارك، دخل تاريخ “الدبلوماسية” عندما توعد بكسر ايدي وارجل كل فلسطيني من ابناء قطاع غزة المحاصرين المجوعين، يدخل الاراضي المصرية بحثا عن علبة حليب يشتريها لارضاع اطفاله، من عرق جبينه، ولا نفهم لماذا تتمسك به الحكومة المصرية كمرشح وحيد لها لهذا المنصب؟
***
سجل الجامعة العربية في العقود الثلاثة الماضية كان حافلا بالنقاط السوداء، فقد “شرّعت” التدخل العسكري الامريكي عام 1990 الذي ادى الى تدمير العراق، وقتل المليون من اطفاله جوعا، تحت حصار ظالم انتهى باحتلال هذا البلد العربي، وتمزيقه الى كانتونات طائفية وعرقية، وحل جيشه ومؤسساته، واغتيال معظم علمائه، وشنق رئيسه يوم عيد الاضحى المبارك.
نستغرب موقف اولئك الذين يطالبون “بتدوير” منصب الامين العام بين الدول العربية، وعدم اقتصاره او حصره في المرشحين المصريين فقط، تحت ذريعة ان مصر دولة مقر، انه “تدوير” للفشل والتآمر وترسيخ قيم العبودية والاستسلام لامريكا وحليفتها اسرائيل، ومباركة الاحتلال للمقدسات وجرائم الحرب التي ترتكب ضد المحاصرين المجوعين في غزة.
واذا كان الامين العام السابق للجامعة السيد عمرو موسى بارك تدخل حلف الناتو العسكري في ليبيا وتحويلها الى دولة فاشلة تسودها الفوضى الدموية، فان امين عامها الحالي السيد نبيل العربي سيدخل التاريخ من الباب نفسه، عندما طالب بتدخل امريكي عسكري مماثل في سورية، وجمد عضويتها في الجامعة، وهي الدولة المؤسسة، واعطى مقعدها للمعارضة المسلحة بدعم خليجي، وهو ما لم تفعله الامم المتحدة، وعندما اراد اصلاح هذا الخطأ متأخرا في صحوة ضمير نادرة، ورحب بلقاء السيد وليد المعلم وزير خارجيتها في اي مكان يختاره، تراجع عن هذا الموقف استجابة لاملاءات من عاصمة خليجية بعد اقل من 24 ساعة.
انتخاب السيد ابو الغيط، او اي مرشح مصري آخر، لن يغير من هذا الواقع الاليم والمخجل، بل ربما يزيد من سرعة التدهور الحالي في المجالات كافة، لان هذا المنصب فقد هيبته واهميته، لان المؤسسة الحاضنة له، فقدت اهميتها مثلما فقدت هيبتها، وكان السيد العربي في قمة الحكمة والتعقل وبعد النظر، عندما قرر التقاعد لانقاذ ما تبقى له من سمعة وكرامة انسانية وشخصية، والانتقال الى عالم النسيان، تكفيرا عن اخطاء كارثية ارتكبها وجامعته في السنوات الخمس الماضية، عمر ولايته.
لقد احسنت السلطات المغربية صنعا عندما رفضت عقد القمة العربية على اراضيها، وستكون نظيرتها الموريتانية ابعد نظرا، واكثر احتراما لنفسها، اذا ما فعلت الشيء نفسه، وتخلت عن هذه المهمة غير المشرفة، المربكة، لها ولاهلها العروبيين الوطنيين. ماذا ستفعل القمة العربية المقبلة في دورة انعقادها. الصاق تهمة “الارهاب” بثقافة المقاومة ورجالاتها، مثلما فعل اجتماع وزراء الداخلية العرب الاخير في تونس؟ ام توفير المنبر للسيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي للتهديد بتغيير هذا الرئيس العربي، او ذاك، سلما او حربا، وكأنه تشرتشل، او الجنرال مونتغمري، قائد جيوش الحلفاء الذي اطاح بالنازية في الحرب العالمية الثانية؟
***
مؤتمرات القمة السابقة، وآخرها قمة شرم الشيخ في آذار (مارس) الماضي اقتصرت على الجلسة الافتتاحية فقط، وبعدها، بل وقبل انتهائها، غادر المشاركون القاعة الى المطار، ومنها الى عواصمهم، فاي قمم هذه، فأي زعماء هؤلاء؟ وايادي معظمهم ملطخة بدماء الابرياء سواء بالمشاركة او الصمت.
رحم الله القمم العربية التي كان محورها دعم المقاومة للاحتلال الاسرائيلي، وانتفاضات الشعب الفلسطيني، واصدار اللاءات لكل انواع الذل والاستسلام والتطبيع تحت مسميات الصلح مع الاعداء، وكان زعماؤها رجالا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
اتحدى ان نجد كلمة “عدو” في اشارة الى اسرائيل في اي من بيانات القمم العربية الاخيرة، او حتى اجتماعات وزراء خارجيتها؟ او اي كلمة دعم واحدة لانتفاضة الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال بكل الوسائل المشروعة، وانهاء الحصار الظالم عن قطاع غزة، وقبلها في العراق.
في ظل هذا الوضع البائس ليس مهما من يتم انتخابه امنيا عاما لجامعة ليس لها من اسمها نصيب.