السيمر / الأربعاء 13 . 04 . 2016
كاظم فنجان الحمامي
وهل يخطر على بال الجن الأزرق أن يأتي اليوم الذي تتحول فيه المستشفيات في البلدان النفطية الغنية بالثروات إلى بنوك وأكشاك متخصصة باستيفاء المبالغ المترتبة على علاج المرضى ومداواتهم ؟ وهل يخطر على بال سكان الكواكب الأخرى في مجرة (درب التبانة)، أو في المجموعة الشمسية أن تتعامل مستشفيات أرض الميزوبوتاميا بلا رحمة مع الموتى، ولا تسمح بتسليم جثثهم إلى ذويهم، ما لم يقوموا بتسديد نفقات ترحيلهم إلى العالم الآخر ؟.
أمس، وبينما كنت منشغلا بمتابعة برنامج (خواطر)، من إعداد وتقديم فاعل الخير (أحمد الشقيري)، لفت انتباهي موضوع الحلقة الأخير، وكانت تتمحور حول تنافس المستشفيات الأوربية فيما بينها لتقديم الخدمات الصحية المجانية للمرضى والمصابين في الحوادث، ولفتت انتباهي جملة قالتها طبيبة بريطانية، في ردها على سؤال وجهه إليها مقدم البرنامج. قال لها: كيف تستوفون أجوركم من المرضى ؟، هل يدفعون لكم بالآجل أم بالعاجل، فامتعضت الطبيبة من سؤاله. وقالت له: نحن يا سيدي نعمل في مستشفى يرعى الناس، ويهتم بصحتهم، ولا ننتمي إلى البنوك الربحية، التي تتعامل مع الناس بلغة الارقام والصكوك والفوائد والفواتير.
المضحك المبكي في هذا الشأن إن البلدان الواعية ومنظماتها الإنسانية الكبيرة، تسعى ليل نهار لإرسال فرقها الطبية إلى الغابات الاستوائية بغية انقاذ الناس من ويلات الأمراض المستوطنة، بينما أصبحت قضية العلاج تشكل عندنا في العراق هاجساً وقلقاً للفقراء وذوي الدخل المحدود، ولسنا مغالين إذا قلنا: إن العلاج تحول هذه الأيام إلى تجارة رائجة ورابحة، تتحكم بها المستشفيات الحكومية والأهلية، في مخالفة صريحة لدستور منظمة الصحة العالمية، الذي ينص على (التمتع بأعلى مستوى صحي أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان بلا تمييز أيا كان).
صار الاستشفاء عندنا مكلفاً جداً، ومرهقاً إلى أبعد الحدود، بل أصبح من أعقد المعضلات التي يواجهها المواطن، خاصة في ظل غياب ضمان شامل يطال الجميع، وفي ظل تورط وزارة الصحة باستثمار نظام الرعاية الصحية ونظام الضمان الاجتماعي، وتورطها بفرض الرسوم والضرائب على العلاج والأدوية. آخذين بنظر الاعتبار جشع بعض المستشفيات، ودورها في التلاعب بفواتير الاستشفاء، وبالاتجاه الذي يجعل المريض يدفع علناً ثمن علاجه أضعافاً مضاعفة.
لم يعد هنالك فرقاً بين المستشفيات والبنوك، أو بينها وبين هيئات الضرائب، فالرسوم المالية تفرض حصارها على الناس في كل مكان تقريباً.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين