السيمر / الجمعة 29 . 04 . 2016
ناصر الثعالبي
الوصول
استقبلتني ساحة المرجة في دمشق بضجيج باعتها ،وبحركة ناسها الحيوية وبساطتهم وبياض بشرة نسائها وكلمة تتردد كثيرا على شفاه باعتها (امعوضين عمي) في هذه المدينة كل شئ متوفر وباسعار متواضعه، اثار انتباهي قطعة كبيرة خطت بشكل انيق (فندق القاهرة الكبير) صعدت السلم لتواجهني قطعة اخرى (السعر 6 ليرات) استأجرت غرفة واذا بي وجها لوجه مع رفيقي (ابواحسان) سكنّا سوية بها، لم يكن الدكتور الذي استلمت اشارة الاتصال به يعرفني ولم استطع الاستدلال اليه الا بواسطة سائق سيارة اجره (سازوكي وهي من السيارات رخيصة الاجره) الذي ارشدني اليه في ركن الدين.صعدت السلم لتواجهني عيادته ،الفتاة التي تعمل معه استفسرت مني وسجارتها عالقة بزاوية فمها عرفت اخيرا انها زوجة احد الرفاق!استقبلني الدكتور مرحّبا وقدم ورقة قائلا الاسم العنوان . رجعت الى الفندق ولم اخرج منه الا للضروريات ، لم يأت احد من الرفاق!! رجعت ثانية احمل مخاوف البريد الحزبي . تذكرت انني كتبت للدكتور اسمي الصريح، ولم اكتبه مثلما مسجل بالفندق !جررت هواجسي متجها الى الدكتور ثانية بدت لي لحظات الانتظار مركبا مجهول الاتجاه ، فاجأني الدكتور (شو مفي الك اسم في الفندق؟؟) وحين اخبرته بانني سجلت اسما اخرا، ضحك قائلا (شو رفيق كله عمل سري؟؟) كيف بدنا انعرفك؟ تمت الصلة الحزبيه وسلم البريد وانزاح هم حملته بكل نبضة قلب . جاءت مجموعة من الرفاق من مدينة البصرة كلفني الحزب ان يكون ارتباطهم بي .امر الحزب ان افاتحهم بالالتحاق في معسكر خاص للتدريب ومن ثم الالتحاق بكردستان الحبيبه. حين اخبرتهم تناثروا طلبا للرزق في مختلف البلدان العربيه . الجزائر والمغرب اخذتا حصة الاسد ومن ثم ليبيا. لم يذهب سوى (ابو احسان) وانا وكلانا لا يزال يعاني من اثار التعذيب لفاشيي العراق. هؤلاء الرفاق بعد بضعة سنين التحقوا في الانصار واصبح بعضهم قادة ميدانيين. وجدت نفسي في معسكر تدريب لقوات خاصه ووجدت معي رفاقا قدموا من موسكو بعد انتهاء دراستهم الحزبيه. التدريب لم يلائم لياقتي البدنيه اذ انني فقدت خلال الاعتقال والاضراب عن الطعام ثلاثين كيلو غرام . بدت المرحلة صعبه ولكن الامل تغلب عليها. اكملت الدورة . ذهب الرفاق الى كردستان الا انا، فليس لدي وثيقة سفر ولم يكن الطريق مشيا قد فتح بعد ! بقيت في مغارة معزولة لوحدي . كل اسبوع ترمي اليّ سيارة المعسكر بالاشياء المعلبه. مللت الاكل المتكرر . كانت المغارة قريبة من دير للراهبات لمحتني احدى الراهبات، وبعد ثلاثة ايام استلمت قنينة من العسل وقطعة جبن وخبز خفيف (نطلق عليه في بلدنا خبز اركاك) اعتذرت ولكنها اصرت . لم يمض وقت طويل حين سلمني الرفاق جوازا اردنيا باسمي الصريح . سافرت مع مجموعة من الرفاق الى حلب ليتم العبور الى تركيا، كانت نقطة فحص الجوازات في منطقه تسمى ( باب الهوى). في هذه النقطة الحدوديه اكتشف ضابط الجوازات الجواز الاردني المزور! طلب سائق السيارة التي تقلنا من الضابط عبوري ويدفع له ما يحمله رفاقي من نقود فلم يرض؟ اقتادتني سيارة الشرطة الى سجن ادلب. كنت مصرا انني تاجر جنطه فلسطيني. كان سجن ادلب باردا رطبا ليس في الغرفة ذات الارضيه الاسمنتيه شيئا يمكن الجلوس عليه. دخل غرفتي رجل عرف اسمه ب(ابو الجماجم) – فاتحة خير ان شاء الله – تكلم بلهجة بدويه (منوين الاخ فلسطيني) كان خبري قد سبقني اجبت نعم من الخليل من (يطه) لا ادري لماذ علقت براسي طرفة عن الخلايله (ان احدهم اراد ان يثقب حائطا ولكن المثقب لم يستطع النفوذ الى الجهة الاخرى ، وحين استعلم الامر وجد في جهة الحائط الثانيه راس رجل خليلي) جلب الرجل لي فراشا وطالبني بثلاث ليرات ثمن النوم على فراش اقرب منه الى العفن. جاء صوت حرس السجن ان احمل حقيبتي واذهب الى ادارة السجن، في باب السجن وقفت سيارة بها ثلاثة شرطه ورجل مدني .المنظر لا يوحي بالاطمئنان، ثمة شئ غير طبيعي. الى اين ؟ سألت العريف الذي قادني. الى دمشق قال متجهما ، تنفست الصعداء انني سأكون قريبا من الرفاق.
انطلقت السيارة جنوبا ، في الطريق طلب المدني ان تقف سيارة الشرطة قبالة مطعم اشار اليه يمينا ، في الزاوية المقابلة للسيارة يشمخ مطعما منفردا تهيأ لي انه يحفظ اسرار كل المسافرين! اكلنا ودفع المدني للجميع، وتم استبدال العملة التركية بالدولار امام انظار الشرطه . في الطريق همس احد افراد الشرطة لصاحبه وكان يقصدني (يخرب بيتك شو بخيل قالك تاجر قال .. ما يعطينا تعبنا) لم يكن لدي انذاك غير (75 دولار اعطوني اياها الرفاق الذاهبين الى الانصار بعد وداع لازالت مرارته عالقة بجسدي فقد استشهد اثنان منهم ولم يمض طويل وقت! … من المطعم اخبرت الرفاق انني معتقل.
انزلتني السيارة امام باب لم يكتب عليه شئ، ثم انزلوني قبوا . كان في انتظاري صفا طويلا من شباب لا تبدو على سماتهم المروءه ..انهالوا علي ضربا حتى دون ان يسألوا لماذا انا هنا… وماهي قضيتي؟؟
كان جسمي الدامي وقميصي الممزق يثيران القرف. بعد ثلاثة ايام نودي علي ، اقتدت لمكتب كان حاضر فيه رجل خمنت انه جاء من اجلي ، يجلس قبالة رجل اخر ملأت غطرسته المكتب. لم يصدق الرجل ما رأه على جسدي . قال منفعلا يخاطب الرجل المتغطرس (شو خيو هذا البني ادم اسرائيلي .. جاسوس.. هذا زلمه كعيان يدور رزقته) عرفت انه من الجبهة الديمقراطيه لتحرير فلسطين .
التصق القميص بجسدي بقوة، كأنه يستغيث به من الهراوات ، فاستقبلته جروحي بمودة العارف بالخوف، رطبته بنزيز ماء وانتفاخات.
اعتذر المتغطرس لسلوك هؤلاء الصبيه (شو بدنا انساوي دول شباب دمهن حامي!!)
لم اجد تفسيرا لأماكن الهراوات التي تناولت جسدي ! هي نفسها التي تناولتها هراوات الفاشيون في بلادي ، غريب هذا التصادف المتطابق !أهموا من مدرسة واحده؟عرفت اخيرا ان اصدقاءنا بل رفاقنا الالمان الشرقيين دربوا الجميع . فمن يعتب على من؟؟
انا الان في النصف الثاني من العقد السابع ولازالت الالام تطوق عمودي الفقري والركبتين.
اصطحبني الرفيق الفلسطيني الى مقر الجبهة ، وكان خاليا الاّ من الحرس .
بودابست 1990