السيمر / الاثنين 06 . 06 . 2016
كاظم فنجان الحمامي
كان رحمه الله من النخبة البحرية المنتخبة، التي أخذت على عاتقها مسؤولية النهوض بمستوى التعليم البحري المهني نحو سقوف الإبداع والتفوق، وربما كان كتابه الموسوم (مبادئ الفنون البحرية) الذي انجزه بالتعاون مع الراحل (الكابتن طارق عبد الصمد النجم)، من أروع المراجع التي ظلت تتبوأ مراكز الصدارة في المكتبات العربية حتى يومنا هذا. أكمل الراحل دراسته التمهيدية في العراق، ثم توجه إلى ألمانيا الغربية ليتلقى علومه الملاحية العالية، عاد بعدها للعمل في الموانئ العراقية، ثم أصبح من أعضاء الكادر التدريسي في المدرسة المهنية البحرية، وأسهم في تطوير مناهج أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية، ثم انتقل للعمل البحري الميداني في المملكة العربية السعودية، وتدرج في مهنته حتى أصبح هو المدير العام لميناء (جبيل) السعودية. كان يجيد اللغات الألمانية والانجليزية إلى جانب العربية التي كانت سلاحه في التصدي لبعض المتطفلين على أعمدة الحكمة والتعقل، واشهرها مقالته، والتي خصصها للرد على شطحات المستشرق الصهيوني برنارد لويس:
وهذا هو النص الكامل لمقالته: (في كتابه (أين كان الخطأ – What Went Wrong ) يذكر برنارد لويس قصة تراجع الشرق الاسلامي وتخليه عن موقع الصدارة التي تربع عليها ردحا من الزمن ويضرب لذلك مثلاً بفنجان القهوة, التي كان مصدرها الاساس من الحبشة وكانت تنقل من على سواحلنا على البحر الاحمر عبر الجزيرة العربية او مصر الى بلاد الشام ثم الى تركيا ومن ثم تصدر الى اوروبا. اما السكر فقد كان ينتج في الهند وبلاد فارس ليمر ايضا عبر بلاد العرب الى اوروبا وكان كلا المنتجين ومنتجات اخرى مصدر رخاء وبحبوحة من العيش .ولكن عندما اكتشفت اوروبا امكانية زراعة البن والسكر في مستعمراتها الجديدة وبصورة ارخص (مزارع العالم الجديد كانت تستخدم الرقيق لذلك) بدأ الاوروبيون تصدير القهوة والسكر الى بلدان الشرق الاسلامي , ومع نهاية القرن الثامن عشر كان العربي او التركي يحتسي فنجانا من القهوة المحلاة بالسكر. فالاحتمال الاكبر هو ان البن جاء من جاوة الهولندية او أمريكا اللاتينية. اما السكر فمن جزر الهند الغربية المستعمرة من قبل بريطانيا او هولندا ولم يبق في قهوتنا الا الماء الساخن كمنتج محلي. ومع بداية القرن التاسع عشر والقرن العشرين اصبح هذا الجزء من القهوة (الماء الساخن) يأتي من محطات تنقية المياه المملوكة لشركات اجنبية دخلت الشرق الاسلامي واثرت نتيجة لذلك ويصح هذا المثل على كثير من السلع والخدمات التي تحولت من التصدير والرخاء الى الاستيراد واستنزاف الثروة. لقد كان الكاتب يتحدث عن تراجع الشرق الاسلامي عن موقع الريادة. وقد اصاب كبد الحقيقة عندما دلل بهذا المثل وبغيره. ان توقف الامم عن الانتاج والتصدير يعني فعليا نهايتها المحتومة, لذا فان اقامة ندوات تعنى بموضوع التصدير يجب ان يحتفل بها وان يرحب بها كما تستحق. وقد سعدت بطلب مراسل جريدة (اليوم) في الجبيل الاخ عطية الزهراني المساهمة في الترحيب بهذه الندوة التي تقام في الرياض لبحث هذا الموضوع الهام. وعندما يذكر التصدير والاستيراد تذكر الموانئ تلقائيا. فالموانئ هي المنفذ الرئيس لكلا النشاطين في جميع أنحاء المعمورة. وعندما أتذكر الموانئ السعودية لا تغيب عن بالي صورة تمثال (فينوس دي ميلو) المحفوظ في متحف اللوفر في باريس , رمز الجمال عند قدماء اليونانيين ومن ثم الرومان. فبالرغم من جمالها الأخاذ إلا أنها بلا ذراعين وهذا حال موانئنا للأسف الشديد فهي كفينوس التي لو دبت بها الحياة لاضطرت لاستعارة ذراعين حتى لو من خشب لانجاز أي عمل .إن عدم امتلاك موانئنا السعودية لأذرع تنفيذية خاصة بها ككثير من موانئ العالم القريبة والبعيدة والاعتماد على مقاولين مؤقتين لإنجاز الخدمات التي يحتاج إليها المصدرون والمستوردون لها سلبيات كثيرة منها عدم الاستمرارية واختلاف المصالح. فالمقاول يحاول تحقيق اكبر ربح في اقصر مدة ( ومن يلومهم على ذلك ؟) والتصدير والاستيراد يحتاجان إلى من يخدمهما لأهداف اكبر بكثير من تحقيق عدد من المقاولين للأرباح او زيادة ايرادات الخزينة ببضعة ريالات. كما لا يخفى على احد أن السعودة لا تنسجم مع تحقيق الأرباح السريعة غالبا لأنها ببساطة مكلفة والسعودة أصبحت ضرورة أمنية في الموانئ بالإضافة إلى كونها ضرورة اقتصادية.
أما الناحية الجمالية فان تزويد موانئنا بأذرع خاصة بها لا يقل اهمية (عن تزويد تمثال فينوس بأذرع حقيقية) ولكن يقال ان الجمال تقيسه عين الناظر وبالتالي قد تبقى “فينوس” بلا اذرع.