السيمر / الخميس 09 . 06 . 2016
نــــــــــزار حيدر
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}.
فأَينَ، اذن، أَثرهُ في حياتِنا؟ لماذا لم يغيّر من واقعنا شيئاً؟ لماذا نتقهقر ونتراجع الى الوراءِ يوماً بعد آخر؟ لماذا لم نجد فيه حلولَ مشاكلنا والرُّؤية المستقبليّة؟ لماذا لم يغيّر من سلوكنا وأخلاقِنا، سواء على الصّعيد الفردي او على صعيد المجتمع؟!.
هذا يعني انّنا لم نقرأ فيه {أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} وانّما حوّلناه بقراءاتِنا وفهمنا الأعوج وتعاملنا المنحرف الى [أَسوَأ الْحَدِيثِ]!.
كيف؟!.
انّ قُرّاء القرآن الكريم والمتعلّمين على انواعٍ شتّى؛
*فمنهُم من يقرأهُ ويتعلّم علومهُ وفنونهُ وتفسيرهُ ليتباهى بذلك أَمام النّاس ويفتخر، فلقد جاء أَحدهم الى آخر ليخبرهُ بانّهُ أَكمل حفظ القرآن بالكامل! فردّ عليه صاحبهُ قائلاً؛ ثمّ ماذا؟! لقد زادت في السّوقِ نُسخة!.
هذا النّوع من النّاس يصف حالهُ القرآن الكريم بالقول {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
إِنّهم يحملون القرآن ولكنّهم لا يتأثّرون به أَبداً، فهو بالنّسبة لهم فخرٌ وتفاخرٌ ليس أكثر من هذا!.
يقول رسول الله (ص) {قُرّاء القرآن ثلاثة؛ رجلٌ قرأَ القرآن فاتّخذهُ بضاعةً فاستجرَ بهِ الملوك واستمال بهِ النّاس، ورجلٌ قرأَ القرآن فأقامَ حروفهُ وضيّعَ حدودهُ، كثر هؤلاء من قرّاء القرآن لا كثّرهمُ اللهُ تعالى}.
امّا الامام جعفرُ بن مُحَمَّدٍ الصّادق عليهِ السّلام فيصفهُم بقولهِ {انَّ من النّاسِ من يتعلّم ليُقال فُلان قارئ، ومنهُم من يتعلمهُ ويطلب بهِ الصّوت، ليُقال فلانٌ حسَن الصَّوت، وليس في ذَلِكَ خَيْرٌ}.
*ومنهُم من يتعلّمهُ ليُلقيه مُحاضرات ودروس على الآخرين، وكأنّهُ نزلَ لغيرهِ، يُحاججُ به الآخرين ويُرائي القوم، من دون ان يتركَ أثراً على شخصيّتهِ، وما أكثر هذا النّوع من القرّاءِ والحَفَظَةِ! فالآية بالنّسبة لهم للاحتجاج على الاخرين وليس على نَفْسهِ وعلى ذاتهِ، كذاك الذي سُئلَ عن رأيهِ بالموت؟ فقالَ هُوَ حقٌّ ولكن على جيراني! انّ حالهُ بذلك كما يصفهُ أَمير المؤمنين (ع) {تَقُولُ وَيَقُولُونَ}.
انّهم مصداق قول الله تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
*ومنهم من يتعلّمهُ للعلمِ فقط، وهو العلمُ الذي قالَ عَنْهُ أَمير المؤمنين (ع) في وصيّتهِ لابنهِ الحسَن السّبط الزكيّ (ع) {وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي عِلْم لاَ يَنْفَعُ} وهو العلم الذي لا يعمل بهِ صاحبهُ، والذي لم يستقرّ عادةً، كما يقول امير المؤمنين (ع) {الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ ارْتَحَلَ}.
*ومنهم من يتعلّمهُ ليُبرّر به خطأَهُ وانحرافاتهُ وتقصيرهُ وفشلهُ وكلُّ ما هو سلبيّ في حياتهِ وممارساتهِ اليومية، بل و (جرائمهِ) كما يفعل اليوم الارهابيّون الذين يتعمّدون حفظ المتشابِهات من الآيات لاسقاطِ المُحكمات تبريراً لأفعالهِم الدَّنيئة، كما وصفهُم ربّ الْعِزَّة بقولهِ {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}.
هذا النّوع من القرّاء، وهو الأخطر على الإطلاق، هو الذي قالت عَنْهُ الآية الكريمة {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} والآية الأُخرى التي تصفهم بالقول {ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
انّهم يعرفون الآيات جيداً {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} الا انّهم يتعمّدونَ التَّبعيض فيتداولونَ ما يضنّونَ انّهُ يخدم أجنداتهم وأهدافهم الخاصّة، ويتغاضون عمّا لا تميل اليهِ أهواءَهم، ولذلك فهم لا يتنازلون عن فهمهم الأعوَج مهما حاججتَهم بالمنطق والعقل والسّيرة الحسنة لرسولِ الله (ص) كما يقول القرآن الكريم {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ}.
انّهم، اذن، يتّبعون أهواءهم، فالآيات بالنّسبة لهم أدوات يُشرعنون بها خُططهم مهما تناقضت مع الصِّرَاط المستقيم، لازال القرآن الكريم {حَمَّالٌ ذُو وُجُوه} كما يصفهُ الامام عليٍّ (ع) فليس القرآنُ قائدهم، وانّما هم قادةُ القرآن! حتى اذا اضطرّوا لليّ عنق الحقيقة وتغيير معاني الآيات، او حتّى كُتمانها كما يحدّثنا القرآن الكريم عن ذلك بقوله {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} انّهم يبيعون ويشترونَ بالقرآن {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقوله {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.
ولقد حذّر رَسُولُ الله (ص) من أمثال هؤلاء (القرّاء) بقولهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ {أَكثرُ ما أَخافُ على أُمَّتي مِن بَعدي رَجلٌ يتأَوّلُ القرآن يضعهُ على غيرِ مَوضِعِهِ}.