السيمر / السبت 11 . 06 . 2016
نــــــــــزار حيدر
وأَخيراً؛ نصل الى نوع القراءة التي يأمرنا بها القرآن الكريم نَفْسَهُ وصاحب الرّسالة السّماوية العظيمة وأئمّة أهل البيت عليهم السلام، وهي القراءة التي يقودنا بها القرآن الكريم الى برّ الأمان بعيداً عن كلّ انواع التّوظيف السيّء والخطير للنصّ، من جانبٍ، وأقرب ما تكون الى الواقع الزّمكاني، من جانبٍ آخر، انّها القراءة التي تعتمد معنى الآية الكريمة {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا}.
يَقُولُ رسول الله (ص) {…ورجلٌ قرأ القرآنَ فوضعَ دواءَ القرآن على داءِ قلبهِ فأشهرَ به ليلهُ واضمأَ به نهارهُ، وقاموهُ في مساجدهِم وحنّوا بهِ تحتَ برانسهِم، فهؤلاء يدفعُ الله بهمُ البَلاء، ويزيلُ مِنَ الأعداءِ ويُنزل غيثَ السّماء، فوالله لهؤلاءِ من القُرّاء أعزّ مِنَ الكبريتِ الأحْمَرِ}.
وفي حديثٍ آخر يقول (ص) {…وقارئٌ قرأَ فاستتر بهِ تحت برنُسهِ، فهوُ يعملُ بمحكمهِ ومُتشابههِ، ويقيمُ فرائِضهُ، ويُحلُّ حَلالهُ، ويُحرِّمُ حرامهُ، فهذا ممّن يُنقذهُ اللهُ من مضلّاتِ الفتن، وهوَ من أَهْلِ الجنّةِ، ويشفعُ فيمن يَشَاءُ}.
وفي أَروعِ حديثٍ عنه (ص) يقول {انت تقرأ القرآن ما نَهاك، فاذا لَمْ ينهكَ فلستَ تقرأهُ} وكذلك {ليسَ القرآنُ بالتّلاوة ولا العلمُ بالرّواية ولكنَّ القرآنَ بالهدايةِ والعلمَ بالدّرايةِ}.
ويصفُ أَمير المؤمنين (ع) إخواناً لهُ فارقوا الدّنيا بقولهِ {أَوْهِ عَلَى إِخْوَانِي الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ، وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ} ويقول {أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الاِسْلاَمِ فَقَبِلُوهُ؟ وَقَرَأُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ؟}.
هذه القراءة هي التي يستوعب فيها الانسان وصف الامام (ع) للقرآن بقوله {فَالْقُرآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ، حُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِيثاقَهُ، وَارْتَهَنَ عَلَيْهِ أَنْفُسَهُمْ، أَتَمَّ نُورَهُ، وَأكْرَمَ بِهِ دِينَهُ، وَقَبَضَ نَبِيَّهُ(صلى الله عليه وآله) وَقَدْ فَرَغَ إِلَى الْخَلْقِ مِنْ أَحكَامِ الْهُدَى بِهِ.
فَعَظِّمُوا مِنهُ سُبْحَانَهُ مَا عَظَّمَ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْفِ عَنْكُمْ شَيئاً مِنْ دِينِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيئاً رَضِيَهُ أَوْ كَرِهَهُ إِلاَّ وَجَعَلَ لَهُ عَلَماً بَادِياً، وَآيَةً مُحْكَمَةً، تَزْجُرُ عَنْهُ، أَوْ تَدْعُو إِلَيْهِ، فَرِضَاهُ فِيَما بَقِيَ وَاحِدٌ، وَسَخَطُهُ فِيَما بَقِيَ وَاحِدٌ}.
قليلونَ هُمُ الذين يتعلّمون القرآن الكريم ويفهمونهُ ليعملونَ به ويهتدون بهداهُ، ولتترك آياتهُ أَثراً على سلوكهم اليومي، سواءً على الصّعيد الفردي أَو على صعيد المجتمع.
وهو النّوع الذي يمثّل القرآن بالنّسبةِ لهُ كما يصوّرهُ أمير المؤمنين (ع) بقوله {كِتَابُ اللهِ تُبْصِرُونَ بِهِ، وَتَنْطِقُونَ بِهِ، وَتَسْمَعُونَ بِهِ، وَيَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْض، وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلى بَعْض، وَلاَ يَخْتَلِفُ فِي اللهِ، وَلاَ يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اللهِ}.
كيف؟!.
١/ عندما نقرأَهُ بعقولِنا وليس بأَهوائِنا.
٢/ عندما نفهم مقاصدهُ العظيمة واهدافهُ البعيدة فلا نتعثّر بالجزئيّات التي نتمنّاها تميلُ كما نُريد لا كما هي.
٣/ عندما نفهمُ انّهُ ينبض بالحياة في كلّ لحظةٍ، فهو حاضرٌ ومستقبلٌ كما انّهُ ماضٍ، فعن الامام الرّضا عن أبيهِ عليهما السّلام انّ رجلاً سأَل أبا عبد الله (ع)؛ ما بالُ القرآن لا يزدادُ على النَّشر والدَّرسِ الا غضاضةً؟ فقال؛ لانّ الله تباركَ وتعالى لم يجعلهُ لزمانٍ دونَ زمانٍ، ولا لناسٍ دونَ ناسٍ، فهو في كلّ زمانٍ جديدٍ، وَعِنْدَ كلّ قومٍ غضّ الى يَوْمِ القيامةِ.
٤/ عندما نقرّرُ العملَ بهِ والاهتداء بهديهِ، وهيَ وصيّةُ أمير المؤمنين (ع) للحسنِ والحسينِ عليهما السّلام عندما ضربهُ المجرمُ ابْن مُلجم في محراب الصّلاة في مسجدِ الكوفة قائلاً {وَاللهَ اللهَ فِي الْقُرْآنِ، لاَ يَسْبِقْكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ}.
وصدقَ رَسُولُ الله (ص) الذي وصفَ القرآن الكريم بقولهِ {مَن أرادَ علمَ الاوّلين والآخِرين فلْيقرأ القرآن} طبعاً شريطة ان يكون قد قرّر انْ يتعلَّم مِنْهُ!.
وفي قولهِ تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} قالَ رَسُولُ الله (ص) {يتّبعونهُ حقَّ اتِّباعِهِ}.
٥/ وأخيراً، ان نقرأَهُ حقّ قراءتهِ كما وصفها رَسُولُ الله في تفسيرهِ لقولهِ تعالى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} {بَيِّنهُ تِبياناً ولا تنْثرهُ نثرَ الرَّملِ ولا تهذُّهُ هذَّ الشِّعرِ، قِفوا عِنْدَ عجائبهِ وحرِّكوا بهِ القلوبَ ولا يَكُونُ همَّ أَحدِكُم آخِرَ السّورة} وهي القراءة التي يتحقّق فيها قولُ الله تعالى {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}.
انّها القراءة التي تقودُ صاحبها الى الفلاحِ؟ كيف؟ بوعي الآية الكريمة {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.