الرئيسية / مقالات / ما بعد داعش، مرحلة النضج السياسي

ما بعد داعش، مرحلة النضج السياسي

السيمر / الجمعة 21 . 10 . 2016

عبد الصاحب الناصر

منذ النظام الملكي، ثم ثورة تموز المجيدة ، و الى هذه الأيام كان يحسب اي تطلع وطني لأي من الناس فيسبغ هذا الانسان بالسياسي . هذا في رأي المتواضع خطأ نقع فيه جميعا ، و هذا ما حصل بعد التغيير و الغاء النظام الشمولي البعثي، و ربما سيستمر لأجيال قادمة .ففي زمن النضال الوطني كانت كل الجهود محترمة و مكرمة ، لكن و من اجل الاستقرار الاجتماعي في اي بلد ناشئ يتطلع للبناء و التطور ، يحب فرز الحالات و عزل الاهداف و حتى التطلعات. لا باس بمواصلة الحس الوطني عند كل الناس المخلصين ، و هذه ستبقى كدرع و جدار يحمي البلد و مستقبله . لكن التطلعات للعمل السياسي يجب ان يستقر على خطة واضحة و ان يكون لمن يريد العمل كسياسي ذو استراتيجية واضحة و مبادئ تتوخى البناء القادم لهدا البلد الكريم . سنحتاج الى عقود من الوقت قد تصل الى ثلاثة او اربعة اجيال لتبرز قيادات سياسية جديدة . و لاننا لا نعرف حاليا اي نظام احسن او ارقي من النظام الديمقراطي بديلا. فالديمقراطية تربية و تعليم و اصالة و عفة، بالاضافة الى الحس الوطني . والشعور بالانتماء للوطن، و قد يكون الحس الوطني في اسفل مستلزمات و طبقات البناء الديمقراطي، لان الديمقراطية تربية عائلية و محلية و مدرسية، ومجتمعية، و تنمو مع الاختلاط الذي يؤسس للاعتراف بالآخر مع تقبل كل الاختلافات في الاراء و الاتجاهات والانتماءات الثانوية .
دخل الامريكان و احتلوا العراق بعد طرد جرذ ابن العوجة وهم لا يملكون اية خطة بعد الاحتلال لتطوير العراق او لبناء الديمقراطية التي يتبجحون بها ، فاول ما اسسوا ما سمي بمجلس الحكم فشكله من تجمعات عرقية و طائفية ، واستمر الى هذه الايام ، بل استحسنه الكثير ممن لم يكن عندهم او في حسبانهم اي تطلع سياسي قيادي . حتى الاحزاب السياسية لم تهيئ من قياديها رجال مرحلة البناء الديمقراطي كسياسيين و كقادة دولة، و اكثر من استغل هذه المرحلة هم ذوي الانتماء الديني، و من كل الاطراف سنية و شيعيه و كردية .كذلك لم تهيئ الاحزاب العلمانية رجال سياسة و قادة دولة ، بل صبغت من تبقى من اعضائها على قيد الحياة ليكون رجل سياسه و بناء في نفس الوقت .و جعلت الكتل السياسية قياديها من اعضائها بغض النظر عن ملاءمتهم او معرفتهم بالعمل السياسي جعلت منهم قادة لبناء البلد ، ناهيك عن القادة المتوارثين قيادتهم عن ابائهم و عوائلهم . مثلا مسعود و عمار و مقتدى و حتى النجيفي و العيساوي . الا اياد علاوي. وهذا الرجل ذو هوس باسترجاع التنظيم البعثي ليقود العراق بقيادته كبديل عن حزب البعث الصدامي، و لأنه اخطأ كما يخطئ دائما لانه تصور ان اعضاء حزب البعث ذو مبادئ اشتراكية و حرية وحدوية . كان عليه ان يعرف ان صدام امتلك الحزب و غيره من خارطة الانتماء الحزبي الي انتماء عائلي ثم عشائري و انتها بالانتماء الطائفي .
اما السياسيين من الكتل الاسلامية وغير الاسلامية و من غير اتباع العوائل ، فانهم اعتمدوا على الطائفة و المذهب و الدين، ثم العرق ليحتموا بهم و ليحكموهم .لذلك نرى العراق متشتت و متناقض ، و متنافس فيما بين ابنائه بعض النظر عن عائديتهممن هنا اتت الحاجة لحكونة ” تكنوقراط ” .
ثم جاء الاحتلال الفاشي الداعشي المتطرف لقسم كبير من الارض العراقية . و جاءت معه الدعوة المقدسة التي اطلقتها المرجعية الحكيمة، و استجابت لها الالاف من ) المتطوعين ( بدون اي مقابل ، فقلبت عليهم كل حساباتهم و تغيرت كل الاوضاع السياسية ، هي حركة تأسست على الحس الوطني الصادق ، حركة مباركة لم تكن متوقعا و بهذه السرعة . و لكن و مع كل الاسف ، رافقت دعوات الحشد الشعبي، دعوات اقل ما يقال عنها أنها دعوات احترازيه مريبة متخوفة و متعاكسة مع الحس الوطني . فتباعدت الاهداف الوطنية التي يحملها الحشد الشعبي عن الاهداف التي يحملها كثير من السياسيين” القدماء” المخضرمين تاريخيا ، فوصلت الى النكران ، اي نكران الاخر ، بل وصلت حتى الي التخوف من ذكر اسم ” الحشد الشعبي”. كما كتب قيادي سابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، ينتقدني لاني لمته لعدم تسمية الحشد الشعبي ضمن التشكيلات الوطنية التي تقاتل الارهاب الداعشي في العراق، و تحجج بانهم ، و لا اعرف ان كان يتكلم ) باسم الحزب الشيوعي (و بانهم !، يعتمدون مصطلح ” المتطوعين” لانه الاشمل لكل القوات التي تقاتل داعش، حسب إدعائه . فوقع الاخ في ورطة من صنعه ،لانه تناسى ان في دعوتهم للاستعداد لتحرير الموصل و في السطر الاول و في صدر المقال ، قد ذكروا مع كلمة ” المتطوعين ” ذكروا كل المشاركين ، مثل ابناء العشائر و البيشمركة و حتى قوات التحالف الدوليإالا اسم الحشد الشعبي؟.انقل عبارة الأخ مفيد الجزائري حرفيا :-
) تحرز قواتنا المسلحة و القوى والتشكيلات الداعمة لها من المتطوعين والبيشمركة وابناء العشائر والتحالف الدولي ( .
و علل ذلك هكذا:-
)” فاننا نرى ان كلمة “المتطوعين” ادق تعبيرا، لانها تشمل منتسبي التشكيلات المنضوية تحت لواء مؤسسة الحشد، كما تشمل منتسبي التشكيلات التي بقيت خارجه، مثل “سرايا السلام”.( .
و هذا ما اكتب عنه و اسميه ،) بعدم النضح السياسي ( لان الاخ مفيد الجزائري كان عضو سابقا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي .فاذا كانوا قياديين يتصرفون بهذا المستوى ضد مصالح احزابهم ، اذ ما الضرر من ذكر كلمة الحشد الشعبي ، حتى لو مجاملة أو تبجحا او استرضاء .
كذلك الوضع عند بعض قادة الاحزاب الاسلامية . مثلا السيد النائب على العلاق ، القيادي في حزب الدعوة و قائد حملة تنصيب السيد العبادي .
يقول العلاق انهم في كتلة دولة القانون اعطينا المالكي ثمان سنوات ليبين مقدرته الادارية . و اقول للعلاق: اين اصوات الناس الذين انتخبوا المالكي إذاً ؟. ليس دفاعا عن المالكي فعنده من نفس الاخطاء ما اوقعته في اشكالات بسبب من يحيطون به ، لكن المناصب يعطيها الشعب في عملية انتخاب ديمقراطية و ليس كرما منك ومن رجال الدين ، مهما كانت مكانتهم الدينية ، لانها لا تعلوا علي اصوات الشعب ، بل لن تعلوا ابدا .
كتبتُ عن هذين المثالين ليس للانتقام من احد او للتسقيط ، حاشا ، بل للإشارة إلى عدم النضج السياسي عند كثير من السياسيين العراقيين و حتى من هم في مواقع القيادة، الامر الذي نحتاجه بعد تحرير الموصل وطرد الدواعش، و في بناء عراق حر ديمقراطي يفتخر به ابناءه و يفتخر الوطن بابنائه .
ثم قضية اقليم كردستان العراق و الذي هو جزء عزيز من العراق مهما حاول الآخرون فصله بعملية جراحية أو قصابية. و عن سيطرة عائلة ال برزان و ال زيباري ، كانت مرحلة مقاتلة النظام السابق ربما تتطلب الاستعانة بأبناء العشائر تلك ، لكن الاقليم استقل تقريبا منذ سنة ٩١ .و يمكن بناء بلد ما في ) ال ٢٥( سنة الماضية ، لا ان تنهب الاموال بحيث لم يبقى مال لتسليح البيشمركة او لدفع رواتب الموظفين . بماذا سيحتج السيد مسعود بعد تحرير الموصل و العراق من الدواعش؟. هل سيترك لقادة الحزب الديمقراطي الكردستاني من غير ابنائه ليديروا امور الاقليم بالمساهمة مع بقية الاحزاب الكردية ؟ ام سيبقي برلمان الاقليم موصود الابواب، و حكومته متشردة لا تعقد الا لمن هم من عائلة ال برزان ؟.
المستقبل في رأي المتواضع ايضا ، هو بيد الشباب العراقي ممن هب و ساند و اشترك و تطوع ضمن القوات العراقية التي قاتلت الدواعش من ابناء الحشد الشعبي و ابناء العشائر و البيشمركة و من فصائل الشباب التركمان و الشباب المسيحيين و من المتطوعين الإيزيديين والشبك .هؤلاء هم قادة العراق القادم ، سيتطلب الامر الى وقت طويل، لكن المسيرات تبدأ بالخطوات الاولى، و ليس بمن تخمرت عندهم الصورة المشوهة للوطنية ففسدت و فسدوا معها .
حتى نحن ) القدماء ( من نكتب عن الوطنية و عن الديمقراطية و عن العراق العزيز، علينا ان نشجع و نستحسن ما سيقوم به شباب العراق لأنهم هم اعرف بلدهم من الداخل وعلينا ان نشجعهم ، و لا باس من ابداء الاراء فقط لنعطيهم الثقة بالنفس و ليس بالكتابه لتهبيط العزائم . لان هؤلاء الشباب قد خلقوا لزمان غير زماننا .

عن الامام على عليه السلام
:-“لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”

اترك تعليقاً