السيمر / الأربعاء 29 . 03 . 2017 — هؤلاء الكلاب ينسون أن من المستحيل أن تواصل ضرب الإنسان إلى الأبد. ففي يوم ما، سوف يتعلم هذا الإنسان استخدام السوط، وسوف يرد ويضرب بشدة حتى يمنح روحه بعض الراحة وبعض العزاء» .
ب. ترافن: ثورة المشنوقين
سيف دعنا / فلسطين
هل يقود ضباط صهاينة العدوان الهمجي على اليمن من غرفة عمليات آل سعود؟ هذا، كما يبدو الآن، هو التفسير الأكثر منطقية للبيانات المتوافرة.
فهناك حاجة إلى أكثر بكثير من عاملي «بهيمية» آل سعود المعهودة وبربرية غوغاء الوهابية المتوحشة (من قطع الرؤوس وصلب الأجساد إلى احتقار الإنسان والحياة) لتفسير البيانات المتوافرة بين أيدينا، وتفسير ما جرى ويجري في اليمن من وحشية وهمجية منهجية منذ آذار ٢٠١٥. وهناك حاجة، أيضاً، إلى أكثر بكثير حتى من عوامل الدعم والمشاركة الأميركية والأوروبية للعدوان الهمجي على اليمن لتفسير وفهم الاستهداف المنهجي والمنظم والمقصود للمدنيين العزل وللأهداف المدنية الواضحة في اليمن بالطريقة المتوحشة التي يتبعها آل سعود. الاستناد إلى هذه العوامل وحدها، منفردة أو مجتمعة، لا يساعد كثيراً حقاً في تفسير ما يتوفر الآن من بيانات حول طبيعة أهداف العدوان خلال العامين الماضيين.
البيانات والأخبار التي تراكمت منذ بداية العدوان البربري على اليمن عن طبيعة الأهداف التي تم قصفها ومكانها وزمانها لا تؤكد الاستهداف المنهجي والمقصود والمنظم للأهداف المدنية فقط، بل ترجح كذلك تفسيراً واحداً على كل ما عداه من احتمالات: الحملة العدوانية لآل سعود تتبنى وتنفذ «عقيدة الضاحية» العسكرية الصهيونية في اليمن، وهي العقيدة الفاشية نفسها التي أعلنها رئيس أركان الجيش الصهيوني غادي آيزنكوت حينما كان قائد المنطقة الشمالية، وطُبقت في العدوان على غزة في كانون الثاني ٢٠٠٩ وما تلاها من حروب في ٢٠١٢ و٢٠١٤.
لكن، بما أن التقديرات المهنية والموضوعية المتوافرة حول كفاءة جيش آل سعود وقادته (بناءً على أدائهم الفاشل) تشهد بعدم أهليّتهم رغم إنفاق عشرات مليارات الدولارات على تسليحهم وتدريبهم، وبما أن العلاقات الصهيونية مع آل سعود خرجت إلى العلن بعد عقود من السرية على أساس أنهم يتشاركون الأعداء والأصدقاء والمصالح (انتقدها وعارضها بشجاعة أهلنا في الجزيرة العربية ببيانهم المناهض للتطبيع)، وبما أن الكيان الصهيوني شارك آل سعود فعلياً في حربهم السابقة على اليمن في الستينيات (ما عرف بـ«عملية النيص» أو “Operation Porcupine”)، فإن السؤال يصير حقاً ومشروعاً: هل يقود ضباط صهاينة، أو على الأقل يشاركون في، العدوان على اليمن من غرفة عمليات آل سعود؟ هذا يبدو استنتاجاً منطقياً جداً لأي قراءة موضوعية ومحايدة للبيانات المتوافرة منذ بداية العدوان كما سنرى.
في البداية: ماذا يقصفون؟
من بين ٨٦٠٠ غارة جوية شنتها طائرات آل سعود بين آذار ٢٠١٥ حتى نهاية آب ٢٠١٦ وتم توثيقها (شارك في كل واحدة منها أكثر من طائرة واحدة واستُهدف في كل منها أكثر من هدف واحد)، استهدَفَت ٣٥٧٧ (٤١٪) غارة أهدافاً عسكرية، فيما استهدفت ٣١٥٨ (٣٦٪) غارة أهدافاً غير عسكرية/ مدنية.
أما الأهداف الـ ١٨٨٢ (٢١٪) الباقية فسجلت تحت فئة «غير معروف» لدى «مشروع بيانات اليمن» الذي يشرف عليه أكاديميون وباحثون وناشطو حقوق إنسان مستقلون يعملون على توثيق الغارات الجوية على اليمن. ولأنه لا يوجد فئة ثالثة يمكن استهدافها في حالة الحروب (غير المدنية والعسكرية)، فيمكننا ببساطة، بناءً على طبيعة الأهداف المعروفة، أن نفترض أن قسماً كبيراً من الفئة الأخيرة أيضاً مدني (على الأقل بنسبة الثلث). فمن بين ٣١٥٨ غارة على أهداف مدنية بين آذار ٢٠١٦ حتى آب ٢٠١٦، قصفت الطائرات السعودية ٩٤٢ منطقة سكنية، و٢٥٣ مدرسة، و٢٦ جامعة، و٥٨ مشفى، و١١٤ مسجداً، و١٣٢٣ هدفاً اقتصادياً وبنية تحتية، ومئات الأهداف المدنية الأخرى، وبعضها أكثر من مرة.
إذاً، لم يكن عنوان «الغارديان» في السادس عشر من أيلول الماضي «واحدة من كل ثلاث غارات جوية سعودية على اليمن تصيب أهدافاً مدنية» دقيقاً، لأنه قد يوحي للقارئ بأن باقي الغارات، أو ٦٦٪ منها، أصابت أهدافاً عسكرية. وهذا طبعاً غير صحيح حسب البيانات المتوافرة التي تشير إلى أن الأهداف العسكرية المؤكدة هي ٤١٪ فقط. لهذا، كان يمكن للعنوان أيضاً أن يكون «أربع فقط من كل عشر غارات جوية سعودية على اليمن تصيب أهدافاً عسكرية»، أو «غارتان فقط من كل خمس غارات سعودية على اليمن تصيب أهدافاً عسكرية».
لكن هذه الأرقام، وبرغم ما توحي به من بربرية وهمجية وانتهاك للقوانين الدولية وقوانين الحرب، لا تشكل إلا قسماً يسيراً من القصة التي تؤكد أن ما يجري هو تطبيق حرفي لـ«عقيدة الضاحية» الصهيونية. فطبيعة الأهداف المدنية من جهة، وارتباط صعود مؤشر البيانات وهبوطه بحالة العملية السياسية كلها من جهة أخرى، يؤكدان أن قصف الأهداف المدنية منهجي ومنظم ومقصود ويشير إلى أنهم يحاربون ويقصفون بـ«قذارة»، كما وصف تقرير لـ«جيروزاليم بوست» منطق «عقيدة الضاحية» في ٢٨ تشرين الأول ٢٠١٠.
ماذا تقول البيانات؟
في الأشهر الستة، ما بين بداية تشرين الأول ٢٠١٥ حتى نهاية آذار ٢٠١٦، كان عدد الأهداف المدنية التي قصفتها الطائرات العسكرية السعودية في اليمن أكثر من الأهداف العسكرية في خمسة من بين هذه الأشهر الستة (كان عدد الأهداف المدنية والعسكرية على التوالي: تشرين الأول ٢٩١-٢٠٨، تشرين الثاني ١٢٦-٣٤، كانون الأول ١٣٧-٦٢، شباط ٢٩٢-١٣٩، آذار ١٢٢-٨٠). أما الشهر السادس، كانون الثاني ٢٠١٦، والوحيد فقط من بين هذه الأشهر الستة الذي كانت الأهداف العسكرية فيه أعلى من المدنية، فكان شهر هدنة (حتى إن كانت غير مستقرة)، وهو ما يفسر ببساطة اختلافه عن باقي الشهور. طبعاً، ليس اختيار الأشهر الستة هنا كنموذج مصغر للحرب عشوائياً أو انتقائياً، بل يتبع منهجية تصنيف تميز بين ما يمكن أن يعتبر مراحل مستقلة ومتميزة بعضها عن بعض للعدوان. هذه الأشهر الستة تشكل مرحلة مستقلة بذاتها من مراحل العدوان يمكن تمييزها عما سبقها وما لحقها: فهي أعقبت ما يمكن وصفه بأكثر الأشهر دموية وعنفاً (أيلول ٢٠١٥) من ناحية عدد الغارات (تقريباً ٥٠٠ هدف عسكري و٣٥٠ هدفاً مدنياً؛ من بينها قصف حفلة عرس في قرية الحويجة في تعز راح ضحيته ١٣٥ شهيداً) وانتهت بالهدنة التي بدأت في نيسان ٢٠١٦.
وبرغم أن الهدنة في المرحلة اللاحقة استمرت لثلاثة أشهر، لا تشير البيانات إلى خلو أي شهر خلالها من قصف للأهداف المدنية طول الهدنة. على العكس، ففي نهايتها (تموز وآب ٢٠١٦) كان عدد الأهداف المدنية وحدها قد قارب ٣٠٠ هدف. هذه المرحلة، الأشهر الستة، التي تشكل ربع زمن العدوان تقريباً، تصلح كنموذج مصغر لفهم طبيعة الحرب والأهداف، ثم الاستنتاج بأنها تتبع وتنفذ العقيدة الصهيونية العسكرية التي ابتدعها غادي إيزنكوت.
نموذج آخر مماثل للحرب يمكن استنباطه من حالة محافظة صعدة التي أعلنها تحالف آل سعود «منطقة عسكرية»، معتبراً أن كل هدف فيها هو هدف عسكري، ما جعلها أكثر المناطق عرضة للقصف (تقريباً ١٠٦٨ غارة حتى آب ٢٠١٦). في هذه الحالة، في صعدة، كانت نسبة الأهداف المدنية للعسكرية منذ البداية حتى أواخر آب ٢٠١٦ هي بنسبة ٣-١ (أي أن ٧٥٪ من الأهداف كانت مدنية بحتة)؛ من بينها ٣٩ سوقاً شعبياً، ٤٥ مصنعاً ومزرعة ومكان عمل، ٣٩ مدرسة، ٢٤ سيارة مدنية، ٣٩ مركز خدمات، و١٠٨ مراكز اتصالات ومواصلات، ومئات الأحياء السكنية. الجميع يذكرون المدرسة التي قصفتها طائرات آل سعود في مديرية حيدان/ قضاء صعدة في ١٣ آب وأسفرت عن استشهاد ١٠ طلاب، جميعهم تحت سن الخامسة عشرة.
صعدة كعينة أيضاً تصلح للبناء عليها وتركيب صورة عن طبيعة العدوان، فبرغم تميزها بكثافة العدوان على الأهداف المدنية فإن المناطق الأخرى أيضاً أظهرت استهدافاً منهجياً للأهداف المدنية. في تعز مثلاً، كانت نسبة الأهداف المدنية للعسكرية ٣٧٪ -٤١٪ (أو ٤٣٩ هدفاً مدنياً ـ ٤٩٣ هدفاً عسكرياً)، في حين أن الباقي، ٢٦٧ هدفاً (٢٢٪) تم تصنيفها تحت فئة غير معروف. إنها العقيدة الصهيونية نفسها. ثمة نموذج ثالث لتعمد استهداف المدنيين والأهداف المدنية يمكن قراءته في تعمد تكرار القصف للهدف المدني نفسه حتى بعد التأكد من حقيقته المدنية بعد القصف الأول (لو افترضنا عامل الخطأ في المرة الأولى، فما مبرر القصف المتكرر لاحقاً؟). مثلاً، تم قصف سوق العند في سيحار خمس مرات، فيما تعرض سوق شعبي في سروة في مديرية مأرب للقصف ٢٤ مرة، ومطار تعز ١٦ مرة، وميناء المخا ١٨ مرة. وفي مديرية ذوباب في تعز، تعرضت إحدى المدارس للقصف ٩ مرات. هذه الأرقام والأهداف ليست إلا عينة لما يحدث من تكرار مقصود ومنهجي لقصف ذات الأهداف المدنية منذ البداية ويقود إلى الاستنتاجات نفسها التي قادت إليها الحالتان السابقتان: قصف الأهداف المدنية وقتل المدنيين مقصود ومنهجي ويستند إلى عقيدة الضاحية الصهيونية.
ماذا تخبرنا أيضاً طبيعة الأهداف والغارات عن استهداف المدنيين؟ يؤكد تقرير نشرته الغارديان في ٧ أيلول ٢٠١٦، استناداً إلى بيانات «مشروع بيانات اليمن»، أن أهداف أكبر ست غارات في عام ٢٠١٦ فقط كانت كلها مدنية بامتياز وهي على التوالي: استشهاد ١٥ مدنياً وجرح ٢٥ في قصف لقرية بلاد الروس جنوب صنعاء في ١٣ كانون الثاني، و٤٠ شهيداً و ٣٠ جريحاً في قصف سوق شعبي في مديرية نهم في صنعاء في ٢٧ شباط، و٩٧ شهيداً؛ بينهم ٢٥ طفلاً في قصف لقرية المصطبة في مديرية حجة في ١٠ آذار، و١٠ شهداء في قصف لمصنع لرقائق البطاطس في مديرية النهضة/ صنعاء في ٩ آب؛ أحدهم عامل كان في يومه الأول، و١٠ شهداء جميعهم تحت سن ١٥ عاماً في مدرسة في حيدان/ صعدة في ١٣ آب، و١١ شهيداً في قصف مستشفى أطباء بلا حدود في مديرية حجة/ قضاء عبس في ١٥ آب/.
خاتمة: خيبة آيزنكوت
في لقائه مع «يديعوت أحرونوت» وعرضه عقيدته العسكرية، غير الجديدة حقاً، قال آيزنكوت إن نتيجة الحرب المقبلة «يجب أن تحسم بسرعة وبقوة ومن دون الالتفات إلى الرأي العام العالمي». حسناً، بعد عامين من تجربة العقيدة في اليمن واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين والإيغال في القتل والدمار وارتكاب الجرائم (لم يكن آخرها ما شاهدناه في مجزرة العزاء)، أيضاً بعد عامين من تجاهل الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية من «اليونيسيف»، إلى «أطباء بلا حدود»، فـ«منظمة العفو الدولية»، إلى البرلمان الأوروبي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وحتى أعضاء في الكونغرس الأميركي وغيرهم الكثير، أين الانتصار السريع الذي تعد به عقيدة آيزنكوت؟
كل ما أنجزه آل سعود وحلفاؤهم في عامين يمكن قراءته في البيان الصحافي لـ«اليونيسيف» (١٢ كانون الأول ٢٠١٦) أو تقرير وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والإغاثة والطوارئ، ستيفن أوبراين، لمجلس الأمن (٢٦ كانون الثاني ٢٠١٧) حول الأوضاع في اليمن: «طفل يمني يموت كل عشر دقائق من أسباب يمكن الوقاية منها»، وقد كان العنوان الذي تناولته وسائل الإعلام آنذاك. لكن قراءة التقارير المذكورة، وغيرها الكثير، عن اليمن هي كقراءة قصص الرعب. في محافظة صعدة وحدها (لمن يتهم «أنصار الله» بالمسؤولية عن بعض ما يحدث)، وعدا «سوء التغذية الحاد» و«سوء التغذية الحاد الوخيم» الذي يضرب آلاف الأطفال (٢.٢ مليون في اليمن)، يعاني ٨ من ١٠ أطفال (٨٠٪) من التقزم. هذه الأرقام المرعبة برسم كل عربي يظن أن لديه ذرة من الحس الإنساني، حتى لا نقول شيئاً عن الكرامة والشرف.
هوامش
١- تأخرت كتابة هذا النص بانتظار نشر بيانات «مشروع بيانات اليمن» التي صارت متوافرة الآن (بعد الطلب المتكرر)، لكنها لا تزال بحاجة إلى جهد كبير لترتيبها للمزيد من الدراسة. هذه المقالة تستخدم عيّنة من ستة أشهر يمكنها أن تجمل صورة الحرب الدائرة منذ عامين. هذه دعوة إلى كل المهتمين لدراسة البيانات على:
http://www.yemendataproject.org/ydp.csv
٢- مفهوم «البهيمية» بالمعنى المقصود هنا مقتبس من كتاب الراحل ممدوح عدوان «حيونة الإنسان».
٣- عقيدة الضاحية: إعلانها جاء في لقاء لغادي آيزنكوت، قائد المنطقة الشمالية في الجيش الصهيوني آنذاك، مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» في ٣ تشرين الأول ٢٠٠٨. بعد أيام، في ١٥ تشرين الأول، أرسلت السفارة الأميركية لدى تل أبيب تقريراً عن اللقاء (ولقاءات أخرى لقائدي المنطقة الجنوبية والوسطى) إلى وزارة الخارجية وسفارات أميركا في المنطقة سرّبته «ويكيليكس» لاحقاً ويتضمن تفاصيل العقيدة:
https://wikileaks.org/plusd/cables/08TELAVIV2329_a.html
٤- البيانات عن أهداف القصف في اليمن تم تجميعها عبر «مشروع بيانات اليمن» ونشرت «الغارديان» بعضها في تقارير استندت إليها المقالة، ومنها:
1- Ewen MacAskill and Paul Torpey. One in three Saudi air raids on Yemen hit civilian sites, data shows. The Guardian. September 16, 2016.
http:// www.theguardian.com/world/2016/sep/16/third-of-saudi-airstrikes
2- Saeed Kamali. Six major Saudi-led coalition attacks in Yemen in 2016 – timeline. The Guardian. September 7, 2016.
http://www.theguardian.com/world/2016/sep/07/six-major-attacks-in-yemen
3- Paul Torpey, Pablo Gutiérrez, Glenn Swann and Cath Levett. What is happening in Yemen and how are Saudi Arabia›s airstrikes affecting civilians – explainer. The Guardian. September 16, 2016
http://www.theguardian.com/world/ng-interactive/2016/sep/16/how-saudi-a
٥- البيان الصحافي لـ«اليونيسيف» عن أطفال اليمن
http://www.unicefusa.org/press/releases/malnutrition-amongst-children-y
٦- تقرير وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والإغاثة والطوارئ
http://www.unocha.org/top-stories/all-stories/yemen-child-under-age-five
الاخبار اللبنانية