السيمر / الأحد 09 . 04 . 2017
أحمد الشرقاوي / مصر
لا نريد العودة إلى تصريحات الأزهر ومواقفه من رفض تكفير “داعش”، والانقلاب على بيان مؤتمر غروزني الذي اعتبر أن الوهابية ليست من السنة، في حين كفر الشيعة واعتبرهم يمثلون تهديدا داهما على المسلمين السنة، وصمت على معاهدة الخيانة مع الصهاينة واعتبرها تشبه صلح الحديبية بالرغم من الفرق الكبير القائم بينهما..
لأن الصلح التكتيكي الذي عقده الرسول صلى الله عليه وآله مع اليهود كان من أجل هدنة محددة في الزمن تمكن المسلمين من تجميع قواهم لمواجهة أعدائهم، ولم تكن تنازلا عن حق للمسلمين ومقدساتهم بأي شكل من الأشكال كما هو الحال مع معاهدة كامب ديفيد المشؤومة التي تدفع الأمة العربية والإسلامية اليوم تداعياتها الكارثية.
كما لا نريد العودة لموقف هذه المؤسسة الكهنوتية من الحرب على العراق وليبيا والمؤامرة على سورية، ولا الجرائم البشعة التي يرتكبها ‘آل سعود’ اليهود في حق الشعب الشعب اليمني العربي المؤمن والمظلوم حيث برر وباركها الأزهر باعتبارها “دفاعا مشروعا” عن شرعية مفقودة، شرعية حاكم عميل ومستقيل ضد شعب خرج بالملايين في أكثر من مناسبة يدين خيانته ويرفض عودته على دبابات ‘آل سعود’..
هذه وغيرها كثير، حيث أصبحت من المواقف المعروفة التي شكلت وصمة عار في جبين الأزهر، وتصنف في خانة الردة الإسلامية في زمن الانحطاط الذي تعيشه الأمة العربية بسبب طغيان السياسي وتحكمه في الديني كما هو معلوم.
والأزهر في هذا ليس مطالبا بمواقف سياسية تخدم الحكام الخونة والفجرة، بل فقط بمواقف دينية لا تحابي أحدا ولا تراعي حرمة ولا مكانة إلا لله مالك الملك، فتظهر الحق من الباطل وتنير للناس طريق الخلاص في الدنيا قبل الآخرة، وذلك من خلال تفعيل النصوص وفق المعيار القرآني والمحمدي الذي يميز بين الكفر والإيمان بوضوح شديد لا لبس فيه، خصوصا بالنسبة للذين لا يقدسون الحق في الحياة ويستهترون بالأرواح البشرية ويعيثون في العباد استبدادا وفي البلاد فسادا.
لذلك قلنا في أكثر من مناسبة، أن الأزهر فقد شرفه ولم يعد يستحق أن يمثل الطائفة الشافعية التي بنى على اجتهاداتها إديولوجيته المغلقة، فأحرى المسلمين من بقية التيارات والمدارس والمذاهب.. وبهذا المعنى لا يمكن أن يكون مؤسسة دينية تمثل الإسلام وتعنى بشؤون المسلمين.
هذه ليست دعوة مفتوحة للتكفير، بل لقياس مواقف وتصرفات المجرمين بميزان القرآن والسنة الصحيحة، ووصفهم بما يصفهم الله تعالى لا أكثر ولا أقل، وهذا دور العلماء الربانيين.
ولتوضيح الأمر نقول، قارنوا بين مؤسسة الأزهر الكهنوتية وموقف الكنيسة الكاثوليكية مثلا من الرئيس ترامب الذي يعتبر نفسه سيد العالم، فترامب يقول أنه رجل مسيحي مؤمن، لكنه يمنع المواطنين من دول عربية وإسلامية من دخول بلاده لأسباب عنصرية تتعلق بكرهه الشديد للإسلام والمسلمين سنة وشيعة دون تمييز، وقد سبق وأن أعلن صراحة خلال حملته الانتخابية أن “المسلمين هم أعداء أمريكا الحقيقيين”. لكن ليس كل المسلمين طبعا، بل فقط الفقراء والمجاهدين منهم الذي يرفضون الولاء لأمريكا ويصرون على الولاء لله ورسوله والمؤمنين، أما الأغنياء المنافقين كحكام مشيخات الخليج أو ديكتاتور مصر وعاهر الأردن، فهم من المسلمين الجيدين الذين يفرش لهم ترامب السجاد الأحمر ويعتبرهم معتدلين وحلفاء مخلصين.
وقضية من هذا النوع والحجم كانت تستحق إدانة شديدة من الأزهر، أقله كشهادة لله والتاريخ من موقع واجبهم الديني والمسؤولية الملقاة على عاتقهم كشهداء لله يوم القيامة حتى لا يبعثهم بوجوه سوداء وينالهم منه ما يستحقون من عذاب دائم مقيم لخشيتهم الحكام بدل الله، والله يقول (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر:28، ويشبههم بالحمير على سنة اليهود لقوله تعالى: (مثل الّذين حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) الجمعة: 5.
نقول هذا لأن الأزهر وبرغم إساءة ترامب للإسلام والمسلمين واعتبارهم أعداء بلاده، وبرغم زعمه حمل القرآن وسنة نبي الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، التزم صمت القبور ولم يدافع عن الإسلام والمسلمين الذين يقول أنه يمثلهم ويدافع عن قضاياهم في العالمين.
وطبعا علينا أن لا نتوقع موقفا من الفاتيكان يدافع عن المسلمين لأنه لا يمثلهم ولا سلطة دينية له عليهم ليعتبرهم من رعاياه، وهذا أمر مفهوم لا لبس فيه.
لكن، بمجرد أن أعلن ترامب عزمه استبدال الأسلاك الشائكة بين بلاده والمكسيك بسور عظيم يمنع المهاجرين من التسلل طلبا الرزق حتى خرج البابا فرانسيس عن صمته، معلنا على الملأ أن الملياردير الأمريكي دونالد ترامب “لا يعد مسيحيا”، لأنه “شخص يريد بناء جدران لوقف تدفق المهاجرين” موضحا ذلك بالقول: “إن شخصا يريد بناء جدران وليس جسورا لا يعد مسيحيا، وهذا غير وارد في الإنجيل”.
البابا فرانسيس بهذه الفتوى أكد حكما شرعيا مستمدا من نصوص الإنجيل، ولا يعتبر ما قاله رأيا سياسيا لأنه لا شأن له بالسياسة، وبهذا المعنى، فالدين يهمن على السياسة ويوجهها الوجهة الأخلاقية الصحيحة التي يجب أن تكون عليها بعكس ما يحدث في عالمنا العربي حيث يخضع الدين للسياسة بفضل فقهاء منافقين لا يخشون الله ولا هم لهم سوى خدمة الحاكم الظالم الفاسد مقابل مغانم وامتيازات دنيوية فانية.
هذه الفتوى وفق العقيدة المسيحية تطرد ترامب من الكنيسة ومن ملكوت السماء، لأن الخلاص وفق المسيحية كما هو معلوم لا يمكن أن يكون من خارج الكنيسة، وبذلك أصبح ترامب مرتدا خارجا عن الدين مثله كمثل البغدادي وغيره من زعماء التنظيمات الإرهابية، ولا نستثني كذلك الحكام الفجرة الذين تلطخت أياديهم بدماء المسلمين.
لذلك ومن أجله، نعتبر مواقف الأزهر السالف الذكر مواقف مخزية تفقده شرعيته الدينية التي يتلبس بها زورا ونفاقا، ونعتقد أنه آن الأوان ليثور الشرفاء من أبناء الأمة على هذا النوع من الفقهاء الجهلة (مع استثناء الشرفاء منهم)..
لأن هؤلاء الكهنة بتحالفهم مع الحكام الخونة وتسخيرهم للدين في خدمة السياسة هم من أوصلوا الأمة إلى ما هي عليه الآن من تخلف وانحطاط.
بانوراما الشرق الاوسط