الرئيسية / مقالات / شكر وتحية لشعب جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية
الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

شكر وتحية لشعب جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية

السيمر / الخميس 20 . 04 . 2017

محمد ضياء عيسى العقابي

لا أريد هنا تقييم هذا النظام أو ذاك. كل الذي أقوله هو أن كوريا الشمالية، وإسمها الرسمي “جمهورية كوريا الديمقراطية”، لم تعتدِ ولم تهدد أحداً بل أنتجت ما يحمي أمنها وسيادتها. وإن كان إنتاجها هذا مخالفاً للقرارات الدولية، فبالإمكان اللجوء الى الأمم المتحدة دون ضجيج ووعيد وإستعراض عضلات وإستفزاز وإهانة وتهديدات وخرق للقانون الدولي.
وإذا أراد أحد التحذلق بالتقدم والتحضر وغيرها من الكلمات الطنانة لمؤازرة الجانب الأقوى ضد الآخر فأقول إن التقدم والتحضر أول ما ينبغي أن يعنياهما هما العدالة الإجتماعية وصون كرامة الإنسان؛ وإن القوة العالمية التي تحمي نظاماً عالمياً يملك فيه 1% من سكانه أكثر من مجموع ما يملكه 99% من سكان الأرض، وإن 63 عائلة من عوائل تلك القوة العالمية تمتلك 50% من ثرواتها الوطنية – فلا أعتبر تلك القوة متقدمة وحضارية إلا بقوة عضلاتها.
للأسف لجأت إدارة ترامب الى جميع تلك الوسائل السيئة المذكورة لا السبيل الصحيح وذلك لإستكمال جملة إجراءات ظنت أنها كانت سترعب العالم وتخضعه لمشيئتها وهي تحديداً: إرعاب حكام السعودية والخليج العربي المخصيّين أصلاً، الإعتداء الصاروخي على قاعدة الشعيرات السورية دونما تحقيق أو إذن من الأمم المتحدة، إستعراض العضلات بإلقاء “أم القنابل” على داعش في أفغانستان، تهديد كوريا الشمالية؛ ولما إستعصت كوريا على ذوي الرؤوس الحامية من السياسيين والعسكريين الأمريكيين ممن يتوق الى لعب دور “شرطي العالم” في وقت ما عادت البلطجة فيه تنفع كثيراً وشعروا بمأزقهم – لجأوا الى تفجير قنبلة نووية تكتيكية في صحراء نيفادا.
ولكن الجعجعة الكورية إنخفضت “لدراسة الخيارات وإن كافة الخيارات مطروحة على الطاولة” و “نريد الصين أن تتعاون معنا لحل القضية”.
فككت كوريا الشمالية، في مواجهتها الأخيرة هذه مع إدارة ترامب، عقدةَ الإبتزاز التي أنشأها وتحصّن بها النظام الرأسمالي المتوحش (على حد وصف بابا الفاتيكان فرنسيس) الذي آل الى النظام الإمبريالي العالمي المولِّد والحارس لأبشع النظم وأبشع التنظيمات كالكولونيالية والنازية والفاشية والإرهاب بجميع مراحله بضمنها مرحلة الإرهاب التي حاربت الحركة النقابية والعمالية في الولايات المتحدة نفسها في أوائل القرن الماضي.

العقدة التي أعنيها هي التالية:
بعد الحرب العالمية الأولى وتشكيل الإتحاد السوفييتي وتأسيس عصبة الأمم، ولّى وقت إبادة وإضطهاد الشعوب كالهنود الحمر سكان الأمريكتين الأصليين والأفارقة والآسيويين. ولما تعاظم دور الشعوب بعد الحرب العالمية الثانية وظهر المعسكر الإشتراكي وتعاظمت حركات التحرر الوطني وتأسست منظمة الأمم المتحدة بديلاً عن عصبة الأمم، لجأت الإمبريالية الى إتباع أسلوب “ألإبتزاز” في التعامل مع شؤون العالم.
تَمثَّلَ الإبتزاز بإنتهاج إستراتيجية “شفا الهاوية”. دعونا نستمع الى شروحات مبتدع هذه الإستراتيجية جون فوستر دالاس، وزير خارجية الولايات المتحدة في عهد الرئيس آيزنهاور، عن ماهية هذه الإستراتيجية. في مقابلة له مع مجلة (لايف) الأمريكية عام 1955 شرح دالاس هذه الإستراتيجية بالقول:
تتدافع مع عدوك عند حافة الهاوية حتى تتحطم أعصابه فيستسلم لك.
سؤل دالاس: وإذا وقعتما في الهاوية؟
أجاب: لدي الحذاقة الكافية لتحطيم أعصاب الخصم قبل أن نسقط.
في الحقيقة، إن الكلام عن “الحذاقة” ما هو إلا الإبتزاز والإستهتار بمصير البشرية لا غير. فخصوم الإمبريالية الذين إمتلكوا ويمتلكون قوة نووية صاروخية قادرة على تدمير أمريكا وحلفائها بنفس القدر الذي تتدمر هي فيه على يد أمريكا مثل الإتحاد السوفييتي سابقاً وروسيا والصين اليوم – لا تتحطم أعصابهم بل أن “شعورهم بالمسؤولية” حيال سلامة البشرية هو الذي يجعلهم لا يردون على التحدي الإبتزازي الإستهتاري بعمل عسكري مباشر بل تجري محاصرته بجملة إجراءات سياسية – عسكرية وقائية تحرم الإبتزاز من بلوغ مآربه. فبعد الإعتداء على سوريا، مثلاً، توالت الإنتقادات والإدانات للعدوان الأمريكي داخل مجلس الأمن وخارجه لعدم التحقيق أولاً وقبل الفعل، كما تمت تقوية الدفاعات الجوية السورية بما يعني إطلاق يدها في إستخدام منظومة الصواريخ إس-300 و إس-400 الكاسرة لـ”التوازن” في المنطقة وهي قادرة على ضرب الطائرات والصواريخ على بعد 400 كم إذا دخلت الأجواء السورية وقد تم بالفعل إسقاط طائرة إسرائيلية معتدية قبل العدوان على قاعدة الشعيرات.
إن مجمل إستعراضات القوة المذكورة من جانب أمريكا كانت تهدف الى فرض نفسها القطب الأوحد والأول في العالم ويليها الآخرون. إلا أن ذلك لم يتحقق.
أشعر أن أغلب سكان الأرض لا تشفي هكذا إجراءات مسؤولة حضارية هادئة غليلَه الذي ولدته العنجهية الظالمة للطبقات الرأسمالية في الدول الإمبريالية وعلى رأسها أمريكا وأن تلك الأغلبية تحب أن تُهان تلك الطبقات المتغطرسة إنتقاماً للحيف الذي لحق بها وهو “أضعف أشكال الرد”.
طالما رفضت أمريكا، خلال فترة الحرب الباردة، المقترحَ السوفييتي المتكرر والداعي الى “إلتزام الطرفين بعدم البدء بالضربة النووية الأولى”. إن هكذا إلتزاماً كان من شأنه أن يلغي عنصر الإبتزاز وهو ما لم ترده الإمبريالية المأزومة في نظامها الإقتصادي فتلجأ الى إستراتيجية الإبتزاز المجنونة.
باشرت أمريكا استفزازاتها ضد كوريا الشمالية ظناً منها أنها قد أرعبت حكام وشعب كوريا بأفعالها العدوانية في الشرق الأوسط سلفاً وبما فيه الكفاية، وظناً أنها قد حيّدت الصينيين، حلفاء كوريا الشمالية، بإبتلاع الوعيد والتهديدات المبطنة التي وجهها ترامب للصين منذ أشهر أثناء وبعد الحملة الإنتخابية. غير أنه لا الصين ولا كوريا الشمالية قد تزحزحتا خطوة واحدة حتى لمنح أمريكا مكسباً إعلامياً بسيطاً أو تراجعاً مع حفظ ماء الوجه.
أوقع الامبرياليون المتغطرسون الأمريكيون أنفسهم في موقف حرج جداً يختلف نوعياً عن جميع المواقف التي سبقت. إنهم قد إصطدموا بقادة أشداء صلبين جداً لقوة صغيرة ليست عظمى لكنها أحسنت تقدير الموقف وحساب موازين القوى المادية والمعنوية وقادرة على إيقاع أذى بالغ بأمريكا وهيبتها لدرجة تمريغها بالتراب والتسبب بتداعيات سياسية خطيرة داخل أمريكا على مصير الرئيس ترامب وذلك عبر ضرب القواعد العسكرية الأمريكية في كل من اليابان وكوريا الجنوبية وضرب القصر الجمهوري للأخيرة، في حالة قيام أمريكا بإعتداء لا يمكن إلا أن يكون محدوداً على كوريا الشمالية. لا تستطيع أمريكا أن تلجأ الى ضربة قوية قاصمة غير محدودة لأن ذلك سيغضب الحليف الصيني والجار الروسي وكلاهما إنتقدا الطرفين، أمريكا وكوريا الشمالية، ولكنهما لم يسمحا لأمريكا بالتصرف المنفرد خارج مجلس الأمن ضد كوريا. إنه موقف مسؤول وغير إستفزازي لأمريكا من جانب الصين وروسيا مما سيؤلب على القادة الأمريكيين، الشعبَ الأمريكي وشعوب الأرض قاطبة ويجبرها على الإمتناع عن أي عمل عسكري واسع ضد كوريا الشمالية.
أغلب الظن أن أمريكا ستتراجع عن المواجهة بخذلانٍ سيكلف ترامب ومساعديه ثمناً سياسياً باهضاً داخل أمريكا وخارجها.
وهناك إحتمال ضئيل بأن يركب ترامب ورهطه رؤوسهم ويحاولون الهرب نحو الأمام ويتسببون بحرب عالمية لا تبقي ولا تذر.
وفي كل الأحوال يفرض الواجب الإنساني على الجميع حكومات ومنظمات مجتمع مدني أن تدرك خطورة الموقف وتتصرف بشجاعة وتدعو حكام أمريكا الى التعقل والتصرف بمسؤولية والكف عن الإستهانة بالآخرين ومحاولة فرض الذات شرطياً على العالم.

اترك تعليقاً