السيمر / الثلاثاء 13 . 06 . 2017
حسين أبو سعود
عندما رأيت الدين وقد تحول الى مهنة ومصدر للرزق وجسرا لتحقيق الأغراض الذاتية ألزمت نفسي بالعمل المتواضع لإزاحة الغبار عن بعض الحقائق بالدعوة الى تجديد النظر في مسائل دينية وفقهية وتاريخية من خلال تصحيح الخطأ والمفاهيم وتبني مقولات مختلفة باعتماد التحليل الموضوعي للحوادث التاريخية على ان هذه المحاولة يجب ان لا تثير الحساسية السلبية لدى البعض.
اذا كانت السلفية تعني العودة الى السلف الصالح فلن نجد بيننا سلفية حقيقية لا عند السنة ولا عند الشيعة، وقد أفصح السلفيون السنة عن عقائدهم من خلال ممارساتهم وخطاباتهم وأدبياتهم ، ولست هنا بصددهم في شيء ولكني صرت اسمع في الآونة الاخيرة نغمة جديدة باسم السلفية الشيعية، يريدون بذلك المتشددين من الشيعة او بعبارة أوضح وافصح ( الغلاة) حتى قيل جهلا بان كل من يمارس التطبير واللطم والزحف عند مراقد الأئمة وضرب السلاسل واللعن هو سلفي شيعي وهذا الفهم الخاطئ للأمور هو خطر كبير فهؤلاء وبكل بساطة هم غلاة الشيعة وليسوا بالسلفية ، ومن يضع عالما كبيرا مجتهدا مثل السيد محمد حسين فضل الله في خانة السلفية الشيعية فهو مخطئ، فالسيد فضل الله كان ضد التشدد وضد الغلو، و هو الذي يدعو الى التأسي بالسلف الصالح من حيث التسامح والتعايش والتآخي وتجاوز الخلافات بالتي هي احسن ، وان السلفي الحقيقي لا يرتبط بحالة الكراهية للآخرين وازدراءهم، فالسلفي الحقيقي لا يتحمل معنى اخر غير الصفاء والنقاء والطيبة والتسامح، وأما الممارسات التي يرتكبها العامة والخرافات والخزعبلات التي احاطت نفسها بها لا يمكن انصافا ان تنسب الى السلفية الشيعية على ان السلفية الشيعية الحقيقية لم تأت بعد وأنها ستأتي ولكن على أيدي المثقفين الشيعة وهم كثر ممن يَرَوْن ضرورة التأسي بالإمام علي بن ابي طالب في كل الأمور وتبني نظراته الصائبة الى كل المشاكل وهم اقرب الى الاعتدال منه الى التطرّف وعندهم الجرأة الكافية لمناقشة الروايات وتصحيحها متخذين بعض المراجع مثلا اعلى لهم مثل السيد محسن الأمين العاملي والسيد فضل الله والسيد محمد باقر الصدر وغيرهم وان الساحة لا تخلو في زمن من الازمان ممن هم امثالهم من العلماء العاملين الذين يهمهم وحدة الاسلام والمسلمين.
والسلفية في نظري تعني إعمال الفكر وإعادة النظر والتدبر كما فعل ابن عباس مع الخوارج عندما خرج إليهم ودعاهم الى اعادة النظر في الآراء والمواقف فأعاد عدة آلاف منهم الى صفوف الشرعية.
السلفية تعني العودة الى ما قبل عصر التدوين وحشو مئات الألوف من الموضوعات والاكاذيب في احاديث الفريقين على حد سواء وصارت الأمة تعاني منها على مدى قرون ، والسلفية اذا كانت تعني العودة للسلف الصالح فهو شرف وان كان غير ذلك اي التكفير والذبح فهو انتحال وسفه وضياع ، وقد اعجبني قيام الزيدية بتطوير وتحوير مذهبهم ليكونوا اقرب الى أهل السنة والجماعة وانا ارى بان على السنة والجماعة ان يقابلوا ذلك بالمثل وكذلك الشيعة عليهم ان يحوروا ويغيروا ويبدلوا ( في الأمور الشكلية الظاهرية) ليكونوا اقرب الى اخوانهم المسلمين حتى تسير القافلة بوئام وصفاء وإلا فان هناك اخطار حقيقية تنتظر المسلمين ككل وليس الشيعة او السنة او الزيدية، فالسلف الصالح ليس عندهم التشدد الموجود لدى سلفية اليوم، وهذا هو الخليفة الثالث عثمان بن عفان يصرف المدافعين عنه حتى لا تراق دماءهم وكذلك الامام الحسين يدفع مناصريه الى التخلي عنه ليلة عاشوراء واتخاذ الليل جملا حرصا على حياتهم، وهذه صور رائعة من التسامح والحرص على الدماء، اذن فهناك خطأ كبير في فهم السلفية ، ثم ان السلف ليس كله صالحا فبعض السلف قد ارتد ومنهم من انقلب على عقبيه ومنهم من اثار الفتن وأضرم نيران الحروب وقُتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين وتم نفي ابي ذَر الغفاري وضرب ابن مسعود وغير ذلك من الأمور ، ولكن السلف الصالح يعلمنا ان نقول عن البغاة ( اخوة لنا بغوا علينا) ويعلمنا ان احد أطراف القتال في الجمل عندما رأى خصمه صريعا وقف عند راْسه وصار يكنيه ويعاتبه بلغة الاسى الشفيقة ، والسلف الصالح يوصي بقاتله خيرا ومن السلف الصالح من يقول ( قوموني اذا رأيتم فيّ اعوجاجا) والسلف من كان فيهم مثل عمر بن عبد العزيز ومالك الأشتر وسلمان الفارسي وهم آيات عظام في التحلي بالصبر والحلم والتحمل والإنسانية .
وعليه فان السلفية الشيعية لا تعني الغلو والغلاة ، والتشيع الحقيقي لا يعني اللعن ابدا ويكفينا في ذلك حادثة عمرو بن الحمق وحجر بن عدي حيث نهاهما الامام علي بن ابي طالب عن اللعن فرضخوا لهذا النهي وعملوا به وفي العصر الحاضر نرى جهود السيد فضل الله ومرتضى العسكري والخامنئي في تحريم اللعن وقد تجاوز السيد السيستاني كل روايات الكراهية فقال عن أهل السنة والجماعة: لا تقولوا عنهم اخواننا بل قولوا أنفسنا.
والحق هو ان لو تخلص بعض الشيعة من آفة اللعن والسب وعادوا الى السلف الصالح لاجتاحوا العالم بالمحبة والتسامح وهي مبادئ دعا اليها أهل البيت على مر العصور ولا سيما انهم الامتداد الطبيعي للرحمة العالمينية المحمدية.
وفي النهاية أقول ان السلفية سلفية والغلاة غلاة ولا يجوز الخلط بينهما تحت اي ستار.