الرئيسية / مقالات / الأحزاب الإسلامية والاستثمار السياسي للدين

الأحزاب الإسلامية والاستثمار السياسي للدين

السيمر / الاثنين 02 . 04 . 2018

جاسم العايف

يحتل التطرق للمسألة الدينية وللإسلام السياسي في العراق، وغيره من البلدان العربية – الإسلامية ، أهمية قصوى في الوقت الراهن ، فالتيارات الإسلامية – السياسية بكل أنواعها واتجاهاتها تسعى إلى السلطة ، وتستخدم الدين كأيديولوجية للوصول للحكم ،من خلال استثمارها للدين الإسلامي وتراثه المتعدد و نظرتها الأحادية في التعامل معه وتجيره لمشروعها السياسي – الدنيوي، و باتت في بعض البلدان الإقليمية، ومنها العراق بعد التغيير، ذات حضور مؤثر في الحياة الاجتماعية – السياسية ، وتطرح توجهاتها وبرامجها وخطاباتها من خلال الدمج بين الإسلام كعقيدة وعبادات وقيم إيمانية – وجدانية للربط بين مشروعها السياسي والدين، وعلى وفق تصوراتها البشرية وأجنداتها الخاصة وسعيها المتواصل في احتكار التراث الإسلامي المتنوع – المتعدد بصفتها الوريث الوحيد له،مع كثرة اختلافاتها الفقهية المتعارضة، وتوجهاتها السياسية – الدنيوية المتمثلة بـ”الدولة الدينية”، حسب تصوراتها المتناقضة ، ففي العراق تسعى لاعتماد أسس الشريعة الإسلامية كـ”مصدر وحيد للتشريع”،في بلد متعدد الأديان والطوائف والأعراق ، وينحو مشروعها الدنيوي – السياسي لخلق هوية أسلامية للدولة وأسلمت المجتمع ، عبر فرض أنماط معينة للسلوك الاجتماعي وطرق الحياة المعيشية الفردية للحياة اليومية للناس ، مستندة في رؤاها هذه على الهويات – الدينية والقناعات الإيمانية فقط ، و هو صراع اجتماعي يتجلى عبر احتكار وفرض الهوية الإسلامية للأغلبية في العراق ، والتي في حقيقتها ومراميها هوية شعبية – متدينة فطرياً ووطنية ايجابية وجدانياً ، أكثر من كونها هوية سياسية – دينية ، وذلك لأن الوعي الديني الشعبي وتجلياته في الممارسة الدينية – الطقوسية ، لا تُفسر بعوامل الإيمان فقط ، بل تتجوهر في عوامل اجتماعية – سياسية ،متغيرة. إن المسار المعقد والملتبس للعلاقات الاجتماعية المتشابكة مع المصالح الفئوية يقود بالضرورة للبحث في العوامل الكامنة تحت سطح العلاقات الاجتماعية ، لأن عوامل الصراع عبر التاريخ على المصالح الاجتماعية ، ولا تنحصر مظاهره الفعلية في الانحياز من أجل مشاريع سياسية آنية – مختلفة – متضادة ، وهو في واقعه صراع ، شرس ومرير، مادته (الماضي)، إلا انه في مراميه الفعلية يتعلق بالحاضر لغرض الإمساك بـ(المستقبل) ، فماضي المجتمعات – الإنسانية، عموماً، يمكن دراسته وفهمه لكنه غير قابل للتكرار، وما جرى فيه جزء من تكوينها وبنيتها ، غير انه ليس بديلاً عن مستقبلها ، ويمكن الاستدلال على إن المصالح المتغيرة(زمكانياً)، تؤدي إلى البحث في النص الديني المقدس للّيّْ عنقه تلبية للإرادات العارمة والمصالح البشعة لرجال السلطة السياسية في تداول ذلك النص، وخضوع بعض رجال الدين لتأسيس أنظمة من الرؤى والأحكام الفقهية البشرية وبما يلبي طموحات الحكام، وأدى ذلك إلى وقوعهم تحت ضغوط دائمة سلطوية تطالب وتسعى من اجل (صناعة) الفقه وتفسيره واستنباط الأحكام منه لخدمتهم ورغباتهم وشراهتهم الدائمتين للتحكم في رقاب الرعية . ولا يمنع ذلك من وجود بعض علماء الدين ، ممن تمسكوا بإراداتهم الحرة ومفاهيمهم الإنسانية ساعين بجد وإخلاص نادرين ، لتأسيس فقه ديني يتفق مع (الإرادة المتعالية) التي خلف (النص الديني) لغرض الحياة اللائقة للإنسان، دون تمييز في الأرض باعتباره ، وحسب المفهوم الديني ظلاً لتلك الإرادة،لذا ثمة تفاوت في النظر إلى (الظاهرة الدينية – المتحزبة) والدين ذاته ، فالبعض يريد أن يتعامل مع الدين ، و لكن بعد إعادة قراءته و تأويله بشكل ثوري، ويرى أن الدين ليس له تفسير واحد، و يخضع كأي ظاهرة إنسانية أخرى لمقتضيات وتاريخية الوضع الاجتماعي الكامن خلف النص الديني. الباحث “هادي محمود” في بحوثه ومقالاته (1) يحدد ما هو مشترك في أطروحاته، أولها المنهج العلمي الذي اعتمده، وثانيها الحقل المتخصص الذي يعمل عليه، والباعث لديه هو إلقاء الضوء على العلاقة التي تربط الفكر الديني بالعمل السياسي، ويحدد رؤيته كيساري- ديمقراطي من خلال تجنب النظرة العدمية للتراث ويسعى لدفع الأمور باتجاه عقلاني تقدمي منفتح على منجزات الفكر البشري وعلى استيعاب الديمقراطية كقيم وممارسة حضارية في الحياة اليومية للبشر، وعدم التعامل مع مفهوم الديمقراطية كآليات أو اختزالها في مفهومي الأكثرية والأقلية. ولغرض الفهم المتفاعل – المتجدد للظاهرة الدينية ،خاصة في مجتمعنا ، يؤكد الباحث ان (الماركسية) كانت ولا تزال تشكل عقبة وتهديداً مباشراً لمصالح الفئات والطبقات المستغِلة ومراكز قراراتها فذهب ممثلوها إلى معاداة الفكر الماركسي وتشويه مقولاته بوسائل شتى وطرائق مغرضة لوضع حواجز نفسية – اجتماعية تقف وتمنع التواصل بين (الماركسية) والأوساط الاجتماعية التي تعد الأداة الفاعلة والمحركة في عملية التغيير الاجتماعي – الثوري، ولعل أهم الاستغلال الذي اعتمد في تلك المواجهة وخاصة في منطقة الشرق العربي هو الاستغلال البشع لمقولة (كارل ماركس) “الدين أفيون الشعوب”.نلاحظ بان هذه المقولة اقتطعت من عبارة (ماركس) أن الدين هو زفرة الإنسان المضطهد والمظلوم، وهو بمثابة إنسان يعيش في عالم وبشر خالية من القلوب والرحمة لظلمها واستغلالها للدين في تبرير أعمال الطغاة ، وإن مقولة (الدين أفيون الشعوب) تم استغلالها من خلال اتهامات لا عد أو حصر لها ، من قبل الذين يستخدمون الدين لتبرير الظلم وديمومة الانتهاكات في الحياة الإنسانية، خاصة من قبل مَنْ انتدب نفسه للدفاع عن الحكام وسلطتهم الشرهة في استغلال الناس، والنص نشر في مؤلف ماركس “مقدمة لنقد فلسفة الحق عند هيغل”. وإن هذه المقولة استثمرت من قبل أعداء الشيوعيين للتشنيع بهم ومحاربتهم، مع محاولات متواصلة لغرض القضاء عليهم ، و النص هو كالتالي: ” الدين زفرة الإنسان المسحوق، روح عالم لا قلب له، كما أنه روح الظروف الاجتماعية التي طرد منها الروح، إنه أفيون الشعوب”. ولم تلاقي هذه الفقرة الكاملة اهتماماً كبيراً وتم اقتباسها جزئيا،واستغلالها بشكل بشع خاصة في العالم العربي – الإسلامي. وفي هذا الشأن بالذات يؤكد الدكتور( فالح عبد الجبار) على أن:” الدين يلعب وظيفة اجتماعية متناقضة في المجتمع الطبقي،فهو من جهة يعبر عن احتجاج الجماهير على العالم الواقعي،أو بتعبير ماركس هو زفرة المضطهدين، وهمٌ ناجم عن وضع بحاجة إلى وهم، وهو من جهة ثانية الأفيون المخِدر،الايدولوجيا الرسمية المهيمنة ،للطبقات الاستغلالية المهيمنة في حقب ما قبل رأسمالية. ويؤلف الوعي الديني الشكل السائد من الوعي الاجتماعي في هذه الحقبة.إذ يفرض اللاهوت هيمنته على أشكال الوعي الأخرى:الفلسفة ،العلوم..الخ، التي تنزع إلى الخروج من هذه الهيمنة” – ص 68 – (2). كما ويتناول الباحث (هادي محمود) “الفهم المتجدد للظاهرة الدينية في مجتمعنا” نائياً ببحثه عما هو معروف عن مواقف البعض السلبية تجاهها وخاصة تجلياتها السياسية. وحول مفهوم الإرهاب الذي أصبح بعد أحداث 11 أيلول من خلال أجهزة الإعلام الغربية وبعض المفكرين الغربيين المعبرين عن المصالح الواضحة للفئات المتنفذة في مصادر القرارات العليا في تلك الدول، و ذهنيتهم المبنية على (صدام الحضارات) ومؤكدين بأن الإرهاب بات ملتصقاً بالإسلام والعرب والمسلمين إذ يترادف لديهم (الإسلام – العنف) و (العرب – الإرهاب)، من خلال تعاملهم مع بعض النصوص الإسلامية بقصدية و ضمن سياق يجرد النص الديني من الواقعة التاريخية المترافقة معه والباعثة إليه لإضفاء المشروعية المتواصلة على حوادث وسير وسلوكيات دفعت إليها الأوضاع الاجتماعية السائدة قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، ووصلت إلينا عبر موروث شفاهي خاضع للاجتهادات البشرية ومصالحها ، ومن النادر اتفاق اغلب الفرق الإسلامية و العاملين في الحقول الإسلامية عليه في حينه ، والآن كذلك، ومحاكمة تلك النصوص بعد تجريدها من عواملها التاريخية ودوافعها الآنية كأجندة متلازمة بمعايير العصر الراهن ، كما يجري الدمج بين الأفعال الإجرامية لبعض القوى (الإسلاموية المتطرفة) وممارساتها التي تعتمد الفهم البشري المتزمت للفكر الديني وربط ذلك مع كل النتاج الفكري العربي – الإسلامي عبر التاريخ ، إذ يتناغم هذا النهج والمنهج وبسوء النوايا في تحليل التاريخ والتراث والمعتقد الإسلاميين على أسس ذرائعية وتبسيطات وخرافات تعكس النكوص اللاعقلي في فهم التاريخ وحوادثه ، خاصة حينما تعتمد بعض القنوات الإعلامية الغربية ومحاولاتها تجذير وتعميم مصطلح (الإسلام – فوبيا) إعلامياً، وهي مؤثرة في توجهات الرأي العام، وكذلك دراسات بعض المفكرين الغربيين وجهة نظر بعض القوى الإرهابية – الأسلاموية، حلفاء الأمس، زمن المعسكر الاشتراكي السابق والاتحاد السوفيتي تحديداً ، و مأزقه المدمر في احتلال أفغانستان، وتم التغاضي عن نشاطاتهم الفكرية وصلاتهم التنظيمية وقدراتهم المالية وتبيض أموالهم معروفة المصادر، واعتماد اغلب الأنظمة العربية على ذلك لمواجهة التيارات اليسارية – الديمقراطية و الماركسية بالذات ، ما نحينهم المنابر العلنية للحديث باسم الإسلام دون أن يكونوا مؤهلين فكرياً و شرعياً أو مخولين من قبل ملايين المسلمين ومفكريهم المتنورين الذين يؤكدون بأن الأصل في الإسلام الإباحة والحرية في العقيدة وفي أمور الدين، وان الإسلام يخلو في جوهره من الدعوة إلى إلغاء الآخر أو إلى فرض الأمر الواقع عليه وبدلالة النصوص القرآنية والسيرة النبوية التي تذهب في هذا المنحى. ويحدد الباحث في أن الإرهاب ظاهرة بشرية تاريخية قديمة مرتبطة باستخدام التعسف و العنف والإكراه والإرهاب في التعامل مع الآخر و سمة من سمات الإمبراطوريات المتعاقبة عبر التاريخ وفي جميع أنحاء العالم وليست حكرا على دين واحد فقط ، لكن الأمر يتعلق بالكيفية التي يجري فيها استخدام الدين والفهم البشري له وتوظيف ذلك في المجتمع. ويبحث كذلك إشكالية الأنا والآخر في القضية الطائفية و هذه المسألة تخضع في حقيقتها ومراميها ومجالاتها التداولية في الطائفة الواحدة ووهم وحدتها المزعومة أو تمثيلها الأحادي من قبل جماعة معينة انتدبت نفسها لذلك دون تفويض من احد وسيكرس ذلك الوهم التقوقع داخل الهوية الطائفية عبر منطق التماثل والمطابقة والثبات ومحاولة تكريس الجوهر الواحد ، والممثل المرجعي الوحيد للطائفة والمذهب، بينما يكشف الواقع الإشكالات والمصالح الدنيوية المتعارضة بين الفئات والأحزاب والتيارات السياسية- الدينية المتنوعة والمتنازعة على النفوذ داخل الطائفة الواحدة من جهة ، والطوائف الأخرى من جهة ثانية ، والذي سيحول الدين واجتهادات المذاهب المتعددة مجرد وقود في الفضاء السياسي- النفعي الراهن بينما يكشف الواقع الإشكالات والمصالح الدنيوية المتعارضة بين الفئات والأحزاب والتيارات السياسية الدينية المتنوعة والمتنازعة على النفوذ داخل الطائفة الواحدة من جهة ، والطوائف الأخرى، ولحل تلك الإشكالات والتنازعات، لابد من فسحة الوطن المشترك المتسع للجميع ، والسلام الاجتماعي ضمن أُسس الحوار الديمقراطي العقلاني وإعلاء مفهوم المواطنة أولاً والتعامل مع مفهوم الهوية بأبعادها المتنوعة – المنفتحة كهوية مغايرة – متواصلة – غير منقطعة . وعند بحثه في” الخلفية التاريخية لمفهوم مشروعية السلطة في الإسلام” يرى أن الإشكاليات الأساسية في هذا الميدان لدى مختلف المذاهب الإسلامية تتركز بوجود التناقضات في الممارسات عن تجارب السلطات في التأريخ الإسلامي ، وهي في محصلتها متأثرة بالأجواء والتوازنات الاجتماعية- السياسية وما تفرزه تلك العملية من صراعات وبين نظرية المعرفة الإسلامية المبنية على الإيمان الديني والعودة إلى المصدر الإلهي ، والبحث عن مشروعية السلطة، انسجاماً مع هذه النظرية . وقد دفع ذلك جميع المتصارعين- حكاما ومعارضين- إلى تكييف النص الديني و التفسير الفقهي له للاندماج مع محصلة النتائج العملية للصراع على السلطة السياسية من المنتصرين أو محاولة الاستحواذ عليها من المعارضين ، وقد جعلت تلك التعارضات الفقهية والصراعات العملية مشروعية السلطة ومفهوم (البديل الحق) موضع تناحر وتنازع طوال التاريخ الإسلامي وبمختلف الوسائل والطرق المتاحة. بحوث الأستاذ(هادي محمود) وبما احتوته من رؤى و أطروحات علمية للفهم المتجدد لكافة جوانب الظاهرة الدينية وتجلياتها الآنية ، دعوة جادة لكسب الجماهير الشعبية المتدينة بحسها الشعبي الفطري لغرض مشاركتها المؤثرة في تكريس حاجاتها المرتبطة بأوضاعها الاجتماعية- الاقتصادية ، و أن الفهم الايجابي لجوانب الظاهرة السياسية- الدينية في مجتمعنا العراقي ، يجب أن يتجوهر في كسب تلك الجماهير الشعبية باحترام قناعاتها واجتهاداتها المتنوعة السلمية، والاستفادة من حسها الإنساني وتوقها للعدالة الاجتماعية لغرض مشاركتها المؤثرة في تكريس حاجاتها المتزايدة إلى الحريات المدنية، المرتبطة بأوضاعها الاجتماعية- الاقتصادية، و هويتها الوطنية العراقية ، لان ساحة الصراع الفعلية هي الأرض التي يحيون عليها والذين يسعون بدأبٍ وتفانٍ لتغير شروط حياتهم ومجتمعهم عليها ، ولتصبح تلك الحشود البشرية وبعقلانية قوة إيجابية دافعة للتقدم والديمقراطية والعدل الاجتماعي الإنساني والحرية والقيم الديمقراطية والمساواة.
1 – التوظيف السياسي للفكر الديني – بحوث ومقالات- بغداد
2 – بنية الوعي الديني – العقلانية في مواجهة السلفية – دمشق- مستنسخ

اترك تعليقاً