السيمر / الاحد 26 . 08 . 2018
سيف ابراهيم
ان الاعلان عن نتائج العد و الفرز الالكتروني للانتخابات البرلمانية العراقية 2018 و بعد اسبوعين تقريبا من اجراءها ، و ذلك في اول استخدام لهذه الطريقة في العد و الفرز كان من شأنها ان تعطي زخما اكبر لتشكيل الكتلة الاكبر و من ثم انعقاد البرلمان و تشكيل الحكومة . لكن ، لمن يريد مصلحته و مصالح من يدعمه اقليما او دوليا بغض النظر عن مدى انعكاس ذلك سلبيا على الشعب ، جعل هؤلاء و بسبب النتائج الغير متوقعة لبعض الكتل و سائرون على وجه التحديد و التي حصدت العدد الاكبر من المقاعد البرلمانية .
جعلهم يشككون بالنتائج و يطعنون بها ، بغية التشويش و التأثير و عدم المضي قدما في العمل بالخيارات و التوقيتات الدستورية ، ظنا منهم ان التوجه بتشكيل الكتلة الاكبر و من بعدها الحكومة لم يكن ليشملهم بأي حال من الاحوال .
و هذا بالفعل كان ليتم ، لولا ان سطوتهم و سلطتهم في التأثير كانت اعتى و اقوى ، فإستطاعوا و بضغط منهم و ممن يدعمهم خارجيا و الذي تأذى البعض منه ايضا بهذه النتائج ، جعلهم يشدون العزم و يآزرون بعضهم البعض و يعقدون الجلسات الطارئة و بنصاب يفوق النصف زائد واحد و المشكوك بعدده كما العادة و برئاسة رئيس برلمان فشل في كسب اصوات ناخبيه لانه لم يعد اهلا للثقة ، و الكل يعلم مدى قربه من الكتلة التي دعت لهذه الجلسات من اجل تعديل بعض فقرات و مواد قانون الانتخابات ، و التي رئيسها كان له الفضل الاكبر في اسقاط تهم الارهاب الموجهة اليه و التي كادت لتمنعه من الترشيح لانتخابات العام 2014 ، لكن بقدرة قادر تم اسقاط جميع التهم عنه ، فترشح و فاز و حصل على رئاسة البرلمان !
تم عقد الجلسات و خرجوا بالقرارات التي تدعم ما يطمحون اليه و ايّدتهم المحكمة الاتحادية على وجه السمع و الطاعة ، و تم قبول التغيير الذي شرعوه و هو اجراء العد و الفرز اليدوي الجزئي ، بحجة التزوير الذي شاب العملية الانتخابية ، في حين لم نسمع لهؤلاء صوتا في انتخابات 2014 و التي حدث فيها تزوير لا حد له و انتج تشويها على مستوى النتائج ، مناطق اغرقت و اراض وزعت و مقاطع انتشرت تؤيد و تؤكد حجم التزوير و استغلال النفوذ و المال و السلطة و لكن لم يسمع احد لمن شكك حينها ، و مضت الامور على هواها و كأن شيئا لم يكن !
ان الموافقة على شرعية العد و الفرزي اليدوي الجزئي ، كان الغاية منه هو تعطيل مشاورات تشكيل الكتلة الاكبر و التي كانت ترعاها الكتل الشيعية الاكبر ، ذلك من اجل الضغط و كسب مزيد من الوقت في ايجاد تقارب في وجهات النظر و عدم افساح المجال لاي كتلة بان تمضي وحدها بالتوافقات مع الاخرين من غير مكونها ، لذلك كان احد السيناريوهات المطروحة هي اعادة الانتخابات . ان اعادة العد و الفرز مجددا ، كان انعاكسه ان تم ايقاف المشاورات بين الكتل ، و التي في بادئ الامر كانت قاب قوسين او ادنى من تشكيل تحالف قوي مكون من مختلف المكونات طائفيا و قوميا ، و التي كانت لتكون الكتلة الاكبر التي ستشرع بتشكيل الحكومة و اجبار الاخرين على المضي نحو خيار المعارضة .
الى جانب ذلك ، قد كان لغضب الشارع و تظاهراته ضد نقص الخدمات و الفساد و البطالة و انعدام الامن ، عظيم الاثر الذي تم استغلاله من قبل بعض الكتل السياسية لجعل مسالة المباحثات و التقاربات بين الكتل تمر بمرحلة فتور كبيرة ، و كل ذلك كان بمصلحتها ، كي لا تتشكل اي كتلة بعيدا عنهم .
بعد كل ذلك ، تم الانتهاء من العد و الفرز اليدوي الجزئي و بنسب شبه مطابقة ، ما يعني ان الاعادة انما كانت عبثية و الغاية منها هو التعطيل و التاخير في ايجاد اي توجه وطني ينقذ بلدا ارهقته كثرة المآسي و الويلات ، ظاهر الامور انهم قد نجحوا في مسعاهم هذا و ما عادت هناك من سهولة في تقريب وجهات النظر لتشكيل الكتلة العابرة للطائفية و القومية بالصفات و المواصفات الابوية كالتي في البداية كانت ممكنة او متاحة الى حد ما .
حيث ان بعد او في اثناء الاعلان عن النتائج و تصديقها ، تمخض تكتل سني جديد قد اربك المشهد السياسي العام و جعل خيارات التفاهم جدا معقدة ، ان التكتل الجديد هذا و المسمى بالمحور الوطني و الذي ضم معظم القيادات السنية بعداد يربو على الخمسين نائب ، اصبح هو الممثل السياسي للسنة بمعنى ان اي كتلة شيعية تريد تشكيل الكتلة الاكبر عليها ان تجلس و تتحالف معهم تحديدا دون غيرهم . ان التعقيد هنا يكمن في ان اغلب قيادات هذا المحور مرفوضة من قبل الشارع الشيعي كونها متهمة بالارهاب و سفك الدماء و تدمير البلد ، هذا يعني ان توجه اي كتلة شيعية نحوهم و الجلوس معهم و تقارب وجهات النظر بينهم ، انما يعني سقوط هذا الكتلة سياسيا و فقدان لمصداقيتها و توجهاتها و خطاباتها ، هذا ما رأيناه عندما توجهت كتلة الفتح في زيارة لقيادات المحور و على رأسهم خميس الخنجر ، رأينا ردة فعل عنيفة من قبل الجميع تجاه هذه الخطوة التي كادت لتخسرهم مجهود سنوات القتال ضد داعش و التي جعلت اسهم مقبوليتهم تتضاعف و من خلالها حصدوا مقاعد ما كانوا ليحلموا بها .
ان هذا التشكيل السني الجديد و لكونه مدعوم خارجيا من مختلف الاطراف و بحصص تمثيل معينة ، يعتبر عصيا على التفكك و التشضي ، خاصة و انهم يرون ان الكتلة الشيعية لم تعد كما السابق وحدة واحدة كالتحالف الوطني او الائتلاف ، بل اصبحوا الشيعة سياسيا عبارة عن كتل و شيع منفصل بعضها عن بعض ، هذا يعني ان اي كتلة شيعية ستكون و رغما عنها بحاجة لهم و لعدد النواب الذي يمثلونه من اجل تشكيل الكتلة الاكبر . و بسبب كون تشكيل اي حكومة يتوجب ان تكون جامعة لكل مكونات الشعب ، بمعنى ان لا يمكن ان تتشكل اي حكومة من غير تواجد السنة و الكرد فيها ، هذا يعني ان الكتل الشيعية التي تسعى لتكوين الكتلة الاكبر هي امام خيارين لا ثالث لهما بخصوص التعامل مع السنة .
و للتذكير قبل الخوض بهذين الخيارين ، ان اي كتلة شيعية لن تستطيع ضم المحور اليها كاملا لانه سيكون قد ضحى بقاعدته الشعبية و سقط من اعين الجميع و من مختلف فئات الشعب سيكون منبوذا و حتى المرجعية لعلها ستعلن عن موقفها من هذا التوجه ان تم ، هذا يعني انها انتحار سياسي بذلك لن تقدم عليه اي كتلة شيعية .
اما بخصوص خياري تشكيل الكتلة الاكبر ، فاما الاول فهو دعوة اطراف من المحور و ليست كل اطرافها من اجل الانضمام لمحور سائرون او محور الفتح و من ثم المضي بالاعلان عن الكتلة الاكبر بعد التوافق مع الكرد ، و هذا امر شبه مستحيل الان ، و قد رأيناه واقعا ، عندما حاول محور سائرون تشكيل الكتلة الاكبر باجتماع فندق بابل و الذي حضره كل من تم دعوتهم الا المحور و كان رفض التواجد هو ان الدعوة لم تكن موجهة لهم جميعا و انما كانت لقيادات بعينها ، بذلك نرى ان الدعوة تم رفضها و لم يتم الحضور للاجتماع رغم الضغط الخارجي الذي قام به بريت ، فلم يتمخض الاجتماع عن اعلان الكتلة الاكبر و انما خرج بنواة فقط و للاسف ، رغم ذلك يعتبر تشكيلها انجازا و تقدما كبيرا رغم عظيم التحديات و المعوقات .
و فيما يخص الخيار الاخر ، فهو عودة الاشقاء الشيعة بمختلف توجهاتهم و ميولهم نحو تكتل واحد يجمعهم و يوحد كلمتهم و يجعلهم اقوى و اقدر في مواجهة ابتزازات البعض من الذين يتباهون بدعم الارهاب بالمال و السلاح ، بمعنى ان يتقارب محور سائرون مع محور الفتح مع الاتفاق على بعض الامور و المحددات و نبذ بعض الاطراف الموجودة في محور الفتح او ايجاد تعهدات و التزامات تشذب و تهذب عملهم و تركن بعضهم نحو المعارضة .
ان هذا التقارب الذي سينتج تكوين كتلة شيعية قوية بعدادها و عديدها و القائمين عليها ، يجعلها تكون اشد و اقوى عند اجراء المفاوضات مع اطراف المكونات الاخرى ، بذلك يستطيع هذا المحور الشيعي القوي و برعاية ابوية من قبل السيد الصدر ان يتكلم من باب القوة و القدرة في تشكيل الكتلة المكوناتية الاكبر و التي منها ستتمخض تشكيل الحكومة و اختيار الرئاسات الثلاث ايضا . هذا الامر يجعل المحور الوطني السني اما ان يخضع للامر الواقع و يستقبل دعوة المحور الوطني الابوي بشرط عدم انضمام جميع قياداته مما يعني انه سيكون مجبرا على الشتات و الانفكاك و التشضي من اجل التواجد بالحكومة القادمة و هذا لعله امر سيحصل رغما عنهم .
اما اذا رفضوا ذلك و استمروا على عنادهم في اصرارهم على ان يكونوا وحدة واحدة ، هذا يعني ان حظوظم انتهت و امالهم في التواجد بالحكومة المقبلة قد فنت ، و سيبحث المحور الوطني الابوي عن النواب السنة الاخرين و الغير منضمين لذلك المحور و عددهم لا بأس به و منهم سيتم اختيار رئيس البرلمان ، في حين سيكون المحور الوطني السني في المعارضة . بعد ذلك سيمضون بتشكيل الكتلة الاكبر فعليا و تصبح واقعا بعد التفاوض مع الكرد و ايجاد لجان تفاوضية مؤثرة بالقائمين عليها من اجل الوصول الى وجهات نظر مقبولة بخصوص الشروط التي يضعها الكرد كضمانات تنفيذ من اجل الدخول بالكتلة الاكبر