السيمر / الثلاثاء 25 . 09 . 2018
معمر حبار / الجزائر
هناك مواضيع لا يحب المرء التطرّق إليها، ومقالي هذا يندرج ضمن المواضيع التي لا أحب الخوض فيها، لولا أنّي قرأت منذ عشرة أيام فتوى لشيخ يقول فيها: صاحب اللّحية أحقّ بالإمامة من حليق اللّحية ولو لم يكن حافظا لكتاب الله تعالى وكان حليق اللّحية حافظا لكتاب الله تعالى !.
صاحب الأسطر ليس مستعدّ بحال أن يخوض في نقاش يعلم نتائجه مسبّقا، إنّما يظلّ يصف وضعا ويشرح حالة أصابت الأمة من مشرقها إلى مغربها. والمقال ليس ضدّ جهة أو يناصر جهة، إنّما ضدّ سلوك سواء صدر من هذا أو ذاك. فالمسألة إذن تتعلّق بأداب وأخلاق التعامل مع الغير.
حدّثني الإمام الفقيه صاحب المواقف الخالدة بوعبد الله عروبين أكثر من مرّة فقال: لا يوجد منذ أن وضع الأئمة والفقهاء والمجتهدين وأصحاب المذاهب الكرام وإلى اليوم باب اسمه “باب اللّحية”، وأضاف: الفقه عندنا يأخذ من أبواب الفقه ولا يوجد هذا الباب منذ الشروع في تلقين وتدوين كتب الفقه إلى اليوم.
أتذكر أنّي قلت منذ سنوات لأحد المصلين: سأظلّ أحترم لحيتك لاحترامي للإنسان، وعلى استعداد لأقف معك لو تعرّضت لضغوط ومضايقات بسبب لحيتك وأنا حليق اللّحية. وقلت له أيضا: سأظلّ أحترم موقفك من أخذ الصورة، وعلى استعداد لأمنع من يريد أن يأخذ صورة لك ما دمت ترفضها لأسبابك، ولن أتردّد أن أقف معك لو تعرّضت لضغوط ومضايقات بسبب موقفك تجاه أخذ الصورة، وأنا الذي تلتقط لي الصورة وقد تجدها عبر المقال وتعرف بها صفحتي، وأفعل ذلك عن علم وفقه ودراية ويقين وثبات لا أفرضه عليك ولا على أحد غير آسف ولا نادم.
القول أنّ صاحب اللّحية أحقّ بالإمامة من حليق اللّحية ولو كان غير حافظ لكتاب الله تعالى وكان حليق اللّحية حافظا لكتاب الله تعالى يعتبر من العنصرية المذمومة المقيتة ضدّ الإنسان، ولم يقل أحد من الفقهاء مثل هذه العنصرية التي تحمل في طياتها دعوة لعدم حفظ كتاب الله تعالى مادامت الإمامة ليست لحافظ القرآن حين يكون حليق لحية بل لصاحب اللّحية ولو لم يكن حافظ كتاب الله تعالى.
للإمامة شروط ذكرها فقهاء المذاهب الأربعة رضوان الله عليهم، ومنها أن “يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله”، وذلك امتثالا لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأسيادنا الصحابة من بعده، والتّابعين وتابع التّابعين، وأضافوا لها بعض الجزئيات ولم يذكر أحد إلى اليوم جزئية اللّحية.
يحترم الإنسان لذاته ولأنّه إنسان، ولا يرفع ولا يهان لأنّ له صاحب لحية أو حليق لحية. وكما نستنكر على الذي قال بتقديم صاحب اللّحية على حليق اللّحية في الإمامة ولو لم يكن حافظا لكتاب الله تعالى وكان حليق اللّحية أحفظهم لكتاب الله تعالى، نستنكر أيضا على الذين يستهزؤون بصاحب اللّحية وينعتونه بأوصاف لا تليق بالإنسان. والاحترام مطلوب من الجميع تجاه الجميع، ونظلّ نقف مع من يلتزم الأدب وحسن الخلق سواء كان صاحب لحية أو حليق لحية.
حين يموت المرء لا يمسّ جسده بشيء ولا ينقص منه شيء، فلا تقصّ أظافره، ولا تقصّ لحيته، إكراما للإنسان لأنّه أمانة تعاد لبارئها كما هي دون أن يتدخّل فيها أحد، ولذلك يرى فقهاؤنا من سوء الأدب وقلّة الأدب أن تقصّ أظافر الميت أو تقصّ لحيته أو شعره. والميت في هذه الحالة يحترم لأنّه إنسان سواء كان صاحب لحية أو حليق لحية، فوجب إذن احترام الإنسان حيا وميتا سواء كان صاحب لحية أو حليق لحية.