السيمر / الخميس 04 . 10 . 2018
معمر حبار / الجزائر
قرأت عبر صفحة أحد الزملاء متسائلا: هل مالك بن نبي تراجع عن مدحه للوهابية؟، وعليه أقول أنّ المفكّر مالك بن نبي رحمة الله عليه لم يكن يوما وهابيا للمعطيات أدناه:
يتحدّث مالك بن نبي في كتابه “العفن” [1]عن ما روته له أمّه عن الحج، وإعجابها بقداسة الحج، وهو أمر طبيعي جدّا لدى كلّ حاج، ولا تعرف أمّه شيئا عن الوهابية ولا هو أيضا.
نقل مالك بن نبي عن أمّه رهبة الحج كما يفعل كلّ الحجاج الجزائريين وغيرهم، فهم يتحدّثون عن الحج وليس عن الوهابية.
وضع مالك بن نبي مصطلح وهابيتي بين شولتين، هكذا “وهابيتي”، أي لا يؤمن بها وغير متأثر بها، ومالك بن نبي رجل يعرف جيّدا اختيار الكلمات، ويعرف متى يضعها بين شولتين ومتى يتبناها، وقد لاحظت ذلك[2] خاصّة في كتبه المتعلّقة بالمذكرات.
نقل مالك بن نبي عن أمّه تساهل القائمين على الجمارك معها وعدم تفتيشها وعدم حجز الهدايا التي اقتنتها من الحج. وهذا لا يعني أبدا أنّ الأم كانت “ترحب وتفتخر بالاستدمار الفرنسي يومها !”، بل نقلت حالة إنسانية أثّرت فيها، كما نقلت رهبة الحج المتشوقة إليه، وهذا لا يدل أنّها نقلت إعجابها “بالوهابية !”، واستمع إليها الإبن مالك بن نبي استماع الابن لأمّه القادمة من الحج، ولا يعني أبدا أنّه “تأثّر بالوهابية !”، ونفعل هذا باستمرار مع القادمين من الحج.
جاء في كتاب “أزمة العالم الإسلامي” يضم مجموعة محاضرات وحوارات أجراها مالك بن نبي رحمة الله عليه، وقام بجمعها الأستاذ عبد الرحمان بن عمارة وأعاد نشرها بتاريخ: 11 سبتمبر 2016 كما جاء في مقدمة الكتاب، والكتاب نشرته دار بن مرابط، الجزائر، السداسي الأول 2017 من 140 صفحة. أنّ الكتاب ضمّ آخر حوار لمالك بن نبي مع مثقفين سعوديين سنة 1972 أي عام واحد قبل وفاته، ولا تظهر عليه أيّة علامات تأثّره بالوهابية من خلال قراءتنا للكتاب[3].
ما يجب ذكره في هذا الصدد أنّ مالك بن نبي ألقى آخر محاضرة له – في تقديري وحسب قراءاتي – المعنونة بـ “دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين”[4] بمكة أوّلا بتاريخ: 28 جانفي 1972، أي عام و 09 أشهر و 3 أيام قبل وفاته، ولا توجد أدنى آثار الوهابية على فكره من خلال المحاضرة، وقد بلغ النضج والكمال البشري والاستقلال الفكري.
ذكر الأستاذ عمر كامل مسقاوي حفظه الله ورعاه، أنّ فكرة كتاب مالك بن نبي “المسلم في عالم الاقتصاد”[5]، جاءت عقب سلسلة المحاضرات التي ألقاها بجامعة الملك عبد العزيز بن سعود بجدة، وبطلب من سفير السعودية بالجزائر. ولا يجد القارىء المتتبّع النّاقد أيّ أثر للوهابية في فكر مالك بن نبي عبر محاضرته وكتابه هذا، والذي يعتبر آخر كتاب ألّفه مالك بن نبي في حدود ما قرأت وما أعلم.
في أوّل عمل روائي وآخر عمل له سنة 1947 بعنوان “لبيك”[6] ، تحدّث فيه عن الحج انطلاقا من الجزائر وعن الظروف المحيطة به إبّان الاستدمار الفرنسي، وشوق الجزائري للحج[7] الذي كان وما زالت لغاية كتابة هذه الأسطر، ولم يذكر أبدا الوهابية من بعيد ولا من قريب، ما يدل على أنّه لم يتأثّر بها.
يتّضح ممّا سبق ذكره، أنّ مالك بن نبي لم يتأثر بالوهابية في بدايات نشاطه الفكري سنة 1946 و1947، ولا في أواخر حياته سنة 1972 أي عام واحد قبل وفاته، ولم تظهر في كتاباته تأثره بالوهابية.
قد يكون مالك بن نبي امتدح الوهابية في فترة من فترات حياته، إلاّ أنّها تندرج ضمن نظرة الإنسان لكلّ جديد، خاصّة وأنّه لا توجد آثار الاستمرارية على ذلك، ضف أنّها لم تكن يومها الوهابية بهذه الصورة الماثلة الآن.
استمرّ مالك بن نبي في نقده للوهابية عبر أمثلة ذكرها في بعض كتبه لا تحضرني الآن بالضبط.
القارىء المتتبّع لكتب مالك بن نبي لا يلاحظ أبدا أنّه كان “وهابيا” في الفكر والعقيدة.
تعامل مالك بن نبي مع الوهابية – في تقديري – كما تعامل مع جمعية العلماء، والزيتونة، والأزهر، والقيروان، كحركة إصلاحية كما كانت تبدو يومها.
مالك بن نبي حين امتدح “الوهابية” لم يكن أبدا وهابيا ولا مدافعا عنها، لأنّه لم يستمر في مدحه، والنقد الموجّه للجميع كان موجّها أيضا لها ولو لم يذكرها بالاسم.
لو كان مالك بن نبي وهابيا لما منعت السّعودية كتبه من الدخول للسّعودية وإلى غاية كتابة هذه الأسطر فيما أعلم لحدّ الآن.
لن تغفر السعودية لمالك بن نبي المثال الذي ساقه في بعض كتبه عن السّعودية.
نكتب هذه الأسطر في حدود قراءتنا وما تحت أيدينا، ولو ظهر عكس ما ذهبنا إليه فيما يتعلّق بكون مالك بن نبي ليس وهابيا، لكان لنا موقفا آخر غير نادمين ولا آسفين على ما قلناه وما سنقوله، ورحم الله مالك بن نبي.
[2] مقالي بعنوان: “مالك بن نبي الأديب”، وبتاريخ: الجمعة 14 جمادى الأول 1439 هـ الموافق لـ 02 فيفري 2017.
[3] أنظر مقالنا بعنوان: “مالك بن نبي.. حوار العام الأخير قبل وفاته”، والمؤرخ في: الأربعاء 11 جمادى الثاني 1439 هـ الموافق لـ 28 فيفري 2017
[4] راجع مقلنا بعنوان: ” مالك بن نبي.. دور المسلم ورسالته”، وبتاريخ: الإثنين 22 رجب 1439 هـ الموافق لـ 09 أفريل 2017
[5] مقالنا بعنوان: “مالك بن نبي .. الأيام الأخيرة” ، وبتاريخ: سلسلة قراءاتي لكتاب “في صحبة مالك بن نبي” لعمر كامل مسقاوي 19
[6] مقالنا بعنوان: “مالك بن نبي.. لبيك، ما قبل القراءة”، وبتاريخ: السبت: 01 ربيع الأول 1437 هـ الموافق لـ 12 ديسمبر 2015
[7] مقالنا بعنوان: “مالك بن نبي.. لبيك، مع الحج والحجاج”، وبتاريخ: السبت: 07 ربيع الأول 1437 هـ الموافق لـ 19 ديسمبر 2015