السيمر / السبت 05 . 10 . 2018
محمد جواد الميالي
منذ أن خلق الإله هذا الكون، أو منذ بدأ الحياة فيه نتيجة الصدفة العمياء، وجد الإنسان أو خلق حسب نظرية الأعتقاد، إن كنا مؤمنين أو ملحدين، الأهم أن هذا الكائن المعقد، قد بدأ يغمره الفضول في كل شيء، وأهم ما يشغله منذ بدأ الخليقة هي السلطة والأنشغال بالسياسة.
الإختلاف بين العقول المتحكمة بنا، جعلتهم ينشطرون إلى مدنيين وإسلاميين، والمنقادون كذلك أنقسموا كلٌ حسب العقل المحرك له، ومن هنا ظهرت العبارات والشعارات، التي تؤمن بالحرية المدنية، و الإسلامية المتحفظة، ولكلتا النظريتان هناك ناشطين يروجون لها، سواء عن عقيدة وأعتقاد أو عن طريق المال والسلطة، والحركاتان لهما أسس ونظريات يؤمنون بها ويحاولون تطبيقها و كالآتي:
الإسلام السياسي مصطلح حديث الإنبثاق قديم الفكر، حيث ظهر في بداية العشرينات، يؤمن بنظرية الأعتدال وحرية الآخرين، ويحفظ حقوقهم سواء مسلمين أم غير مسلمين، لكن هل طبق الحكام المسلمين هذه النظرية؟ هل أعطى حقوق الآخرين؟
أما سياسة التمدن فمنهجها (حرية، مساواة) ولها عدة نظريات كلها تعتقد بأن الدين لا يجب أن يدخل في عالم السياسة، لكن الأهم هل حقق المتمدنون هذه النظرية، أم مجرد شعارات؟
من وجهة نظر مدنية خرج الحسين عليه السلام، للمطالبة بالحرية وحفظ حقوق الآخرين، بعد أن ساد الظلم والجور بقاع الأرض، التي كان يحكمها يزيد الحاكم الإسلامي؟! الذي أتصف بكثرة حبه للنساء والخمر، ومن وجهة نظر إسلامية، فالحسين عليه السلام هو حفيد نبي الإسلام، الذي أوصى به محمد (ص) وخرج ليصلح في أمةِ جده، ولم يخرج من أجل سلطة أو مال، إذاً ما حدث كالآتي:
محور الحسين عليه السلام وثلاثة وسبعون مناصر يمثلون شعباً واعيا مثقفا، يطالب بالأصلاح ونصرة الجياع والمظلومين، وإقصاء الفاسدين الذين أهدروا مال المسلمين، بعيداً عن البحث عن منصبٍ أو مال، فهم جسدوا التضحية من أجل العيش بكرامة، بكل ما للكلمةِ من معنى.
محور يزيد وأتباعه السبعون ألفاً، مدججين بالسلاح والمتاع، لينالوا من الشرفاء ويذبحوا الحرية، ليستمرون تحت لواء الخمر والنساء، بقيادة خليفتهم ذو النسل المشترك.
على وقع طبول الحرب بدأ القتال غير الكفوء، حتى قطعوا رؤس الشرفاء على يد أبناء البغايا، ماعدا حفيد نبي الإسلام، نحر رأسه من جسده وهو حي، وتم التمثيل بكل الأجساد الميته، وحرقة الخيم على النساء والأطفال، وأنقادوا سبايا إلى خليفة المسلمين يزيد؟!
كل هذا يوضح أن الحسين وأتباعة قد جسدوا المدنية والإسلامية، ببحثهم عن العدل والحرية ووصلوا إلى أعلى مراتب الكمال الإنساني، وفي الجانب الآخر تجسد الظلم والجور، وكل كلمة بشعة في حاكم يتبعه المسلمون، وينادونه أمير المؤمنين يزيد؟!
الأختلاجات البشرية يشوبها السوء دائما، لكن العلم يقول لكل شيء هناك نقيض، فإن كان هناك إنسان سيء بدرجة كاملة (يزيد مثال) فأكيد أنه هناك آخر صالح بدرجة كاملة (الحسين عليه السلام)
أن أهم ما خلفته الثورة الحسينية، هي الفكر والعقيدة ونبذ الذل وأختيار الأصلح لقيادة الأمة، فالحرب التي حمل بها رأس سبط النبي، هي تجسيد لإنتصار الموت على السلطة.
إذا على مر التاريخ لم يتجسد الخير بكل معانيه إلا في الحسين، ولم يتجسد الشر بكل صفاته إلا في يزيد، لكن لسخرية القدر منا فإن الغالبية اليوم يؤمنون بيزيد كما أتبعوه من قبل، فبئسً لعصرنا الذي لم يأخذ من خروج الحسين مثالاً، لينتفض على سحابة يزيد التي أهلكت العرب، وخصوصا عراقنا الجريح.
فمتى سنصحى من هذا السبات الفكري، ونطالب بحرية أفكارنا لنكون حسينيون، ونقصي فساد يزيد الذي تجذر حتى في أعماق أجساد مؤسساتنا الصغيرة، بعد أن عشعش في قصور الرؤساء وحكام العرب؟