الرئيسية / مقالات / الجبهة السورية وهضبة الجولان : الجزء الثاني…

الجبهة السورية وهضبة الجولان : الجزء الثاني…

السيمر / الاثنين 08 . 10 . 2018

حامد كعيد الجبوري

نحن بصدد ذكريات شخصية من ضابط برتبة صغيرة ملازم ثاني وليس له إطلاع أو دراية عن قريب أو بعيد بما يخطط، تتحدث الوثائق أن إجتماعا عقد بين المرحوم حافظ الأسد الرئيس السوري مع أنور السادات الرئيس المصري الراحل رحمه الله وتم الاتفاق بينهما على استعادة شبه جزيرة سيناء من قبل القوات المصرية، وإستعادة هضبة الجولان السورية التي احتلتها دولة إسرائيل المسخ مع شبه جزيرة سيناء عام 1967 م، وتقول الوثائق أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد هو الذي اقترح تاريخ الهجوم وبوقت واحد على سيناء والجولان يوم السبت 6 تشرين بعد الظهر لمصادفة عيد الغفران اليهودى، وبالمقابل يصادف 11رمضان للمسلمين، وحقيقة كان توقيتا عسكريا دقيقا وذكيا جدا يحقق مبدأ المباغتة بشكل دقيق ، وبقي الأمر قيد الكتمان عند الرئيسين ولم يبلغا بذلك حتى الملك حسين عاهل الأردن لأسباب كثيرة وأغلبها مجهولة، وكذلك لم يتم إبلاغ الحكومة العراقية بالهجوم أو موعده أو الإستعداد له علما أن الجيش العراقي يعد ثالث جيش بالتسليح حينها بعد مصر وسوريا، والعراق حينذاك على خلاف دائم كما هي عادته مع سوريا ومع دولة إيران الشاه بسبب شط العرب والتدخلات الإيرانية بالسياسة العراقية، ولا ننسى أن بعضا من الوحدات العسكرية العراقية مشغولة لمقاتلة الكورد وحينها يسمونهم ( الجيب العميل) ، ووصل إلى العراق عام 1972 م الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري ليستطلع رأي القيادة العسكرية في ما لو نشبت حربا عربية إسرائيلية، وقد تريث الرئيس العراقي أحمد حسن البكر بالإجابة ولم يعد بشئ للشاذلي بسبب المشاكل مع إيران وربما الوضع الداخلي أيضا، واستطاع الفريق الشاذلي الحصول على سربين لطائرات ( هوكر هنتر) البريطانية الصنع ووصلت نهاية عام 1972 لمصر وقسم منها عاطلة وتولت القيادة العسكرية المصرية من إصلاحها. فجر يوم 8 تشرين أجتمعنا ضباط كتيبتنا بمؤتمر توجيهي مع أمر كتبيتنا المقدم المدفعي ( صلاح الدين بهجت الخيلاني)، وكانت البرقيات والأوامر تصل تباعا عبر أجهزة الإتصالات اللاسلكية، أوجزنا أمر كتبيتنا بمهامنا وأكد على أوامر القيادة بضرورة مواصلة السير دون توقف لنصرة الجيش العربي السوري الذي تقدم داخل هضبة الجولان، قبل إنصرافنا نظر لي أمر كتيبتي نظرة أبوية وقال لي ( مبروك ملازم حامد حصلت موافقة مديرية الاستخبارات العسكرية على زواجك، وهمشت الكتاب الذي قدم لي مع بريد يوم 6 تشرين بكلمة مبارك )، حقيقة فرحت جدا بورود كتاب الاستخبارات العسكرية الذي قدمته قبل 4 أشهر للموافقة على الزواج، وكان الضابط العراقي حينذاك لا يستطيع الزواج الا بعد استحصال موافقة مديرية الاستخبارات العسكرية للتدقيق بأخلاق وشرف وسمعة الزوجة وعائلتها أيضا، تمنيت أن أخبر حبيبتي بتلك الموافقة، وتمنيت لو انها وصلت قبل شهر لكنت قد تزوجت ممن أحب. بدأت رحلة المسير وصعوبات التنقل ووعورة الطرق النيسمية، توثقت علاقتي بالجندي الاحتياط أحمد عيد أحمد الذي ألحق بالفصيل الذي أقوده الفصيل الثاني، البطارية الثالثة كتيبة مدفعية الميدان ال19، ولكل ضابط منصب آخر يمارسه أن أقتضت الضرورة العسكرية ومنصبي الثاني أو الاحتياط هو ضابط الرصد الثاني ، وأحمد لديه خبرة تفوق خبرة أقرانه من المراتب، وكلما توقفنا بمثابة للإستراحة وبعد 5 دقائق يجلب لي أحمد عيد قدحا من الشاي مع ال( صمونة) والتي أسميها صمونة الشرف، ( الصمون لمن لايعرفه من أهلنا العرب هو خبز حجري) ، شارفنا الوصول للحدود السورية واجتزناها بعد ظهيرة يوم 8 تشرين، واستمر بنا المسير دون توقف هكذا وردت الأوامر العسكرية، تسير قطعتنا العسكرية دون دليل سوري ومعتمدين على الخرائط العسكرية التي استلمناها من مدفعية الفرقة المدرعة الثالثة وأمر المدفعية من خيرة ضباط الجيش العراقي ( العميد المدفعي محمد سليم أحمد)، وأمر المدفعية ذكي جدا يحفظ أسماء ضباط وحدات مدفعيته كاملاً، ويعرف أسماء ضباط الصف الأكفاء، وهو يعرفني بالشكل والاسم لاني فزت بجائزة أفضل ضابط رصد بمعسكر رمي المدفعية السنوي الذي يقام في سلسلة تلال الطار قرب صحراء الأخيضر ، نهار وليل يوم 8 تشرين كتيبتنا تواصل السير صوب سوريا دون توقف او نوم أو استراحة، فجر يوم 9 تشرين ورتلنا مستمر بالسير شاهدنا سيارة عسكرية صالون نوع فولفو تقف جنب يمين الطريق وشخص يلوح بيده للإسراع والحث على المسير، أبطأ شهيد سائق شاحنتنا المرسيدس بالسير وأصبحت الشاحنة شبه متوقفة فإذا بي أكون قبالة المرحوم الفريق الأول الركن ( عبد الجبار شنشل) رئيس أركان الجيش العراقي، وأقسم بالله ان صوته يرن بإذني الان وهو يقول ( وليدي وليدي أخوانك لواء ال12 على مشارف الجولان، ابوي أسرع عفية وليدي) وأقسم بالله العلي العظيم وبرسوله الكريم ان عيناي الآن غرقت بالدموع ولن أقدر على الكتابة، أديت له التحية وأنا راكب بالشاحنة التي تسحب احد مدافع فصيلي الثاني.

ضابط عراقي متقاعد

يتبع رجاءً……

اترك تعليقاً