السيمر / الاثنين 08 . 10 . 2018
حامد گعید الجبوري
مالم يكن في الحسبان :
بعد اجتيازنا الحدود السورية اختلف الجو كثيرا ونحن نسير بصحراء رملية ودرجات الحرارة تنخفض ليلا وبداية النهار، العريف شهيد النؤوم صامد ويستغل فرصته عند أي مثابة للتوقف والاستراحة، لاحظت التعب والإرهاق واضح تماما على ملامح العريف شهيد، قررت مساعدته بسياقة العجلة بدلاً عنه، وتعلمت السياقة بدورة داخلية بمعسكر المحاويل لمدة 10 ايام أشرف عليها أمر سرية التموين والنقل النقيب الألي ( مهدي كاظم العزاوي)، وفعلا استلمت سياقة العجلة المرسيدس والتي تسحب مدفعا خلفها، حوالي ساعتين والعريف شهيد غط بنوم عميق، إجتازتنا سيارة عسكرية صغيرة يجلس بمقعدها الخلفي العميد المدفعي (محمد سليم أحمد) أمر مدفعية الفرقة المدرعة الثالثة ووقع نظره بنظري مباشرة، ابطأت عجلة أمر المدفعية وسائقها يؤشر بيده لتخفيف السرعة إلى أن توقفنا سوية، ترجل مرافق أمر المدفعية من العجلة ووقف أمامي وأدى لي التحية وقال تفضل سيدي أمر المدفعية يدعوك، وصلت لعجلته وقد فتح باب العجلة منتظرا لي، وقفت أمامه وأديت له التحية وردها ونزل من العجلة وابتعد عن السائق والمرافق بمسافة لا يسمعون الحديث، قال لي بلهجته المصلاوية ( كوي ملازم حامد يسوق العجلة فماذا يفعل السائق؟ كيف تسمح لنفسك أن تكون سائقا وانت الضابط ؟، حاولت تبرير الموقف فلم يقبل عذري، قال لي ( أنشر نفسك ثلاثة أيام قطع راتب وخبر أمر بطريتك بذلك؟) قلت له أمرك سيدي وركب عجلته وغادرني، عدت للعجلة واستعلم مني العريف شهيد ماذا حدث سيدي؟، قلت له لا شئ ولكنه حدس مادار بيننا بدليل اني قلت له تعال استلم قيادة العجلة، حزنت كثيرا لهذه العقوبة التي استحقها ولا استحقها، والعقوبة ستؤخر ترقيتي لرتبة ملازم أول ستة أشهر، علما أن ترفيعي للرتبة الجديدة سيكون في جدول 14 تموز 1974، اتصلت بأمر بطاريتي واعلمته الموقف والعقوبة، بعد أقل من ربع ساعة أتصل بي عبر اللاسلكي الملازم الأول الإداري ( عبد زيد سيد حسين الموسوي) قائلا لي لا تخاف ولا تخشى وسأنشر عقوبتك بأوامر القسم الثاني واذهب بها شخصيا لأمر المدفعية وأكيد سيلغي العقوبة واشرح له ضروف العريف الألي شهيد، وفعلا تم ذلك بعد يوم من الحادث والتقى الضابط الإداري بأمر المدفعية وقال له هل نشرت عقوبة الملازم الثاني حامد كعيد الجبوري؟، فقال له نعم سيدي، قال له هل بعثت البريد للمدفعية والفرقة؟، قال له لا سيدي نحن بحال حركة وتنقل ، فقال له أمر المدفعية لا تنشر عقوبة الملازم حامد لأنه ضابط كفوء ولكنه أخطأ، قال له الضابط الإداري سيدي لو تعرف الظرف لعذرته، قال وماهو الظرف قال المشكلة ان العريف الآلي شهيد ينام وهو يحدثك، قال ولماذا لاتحيلونه إلى لجنة طبية؟، ولماذا لم يتم استبداله لحد الآن؟ والله لو كنت بمكان الملازم حامد لفعلت مافعله، وانتهت على الخير. حوالي الساعة الثانية بعد ظهر يوم 9 تشرين الاول وصلت طلائع كتيبتنا مشارف العاصمة دمشق ولم تكن لنا مثابات نظامية والتواصل واللقاء مع الضباط والمراتب منقطع، لا نعرف أين وصل مقر كتيبتنا، ولا نعرف أين وصلت البطارية الأولى والثانية، ولا اعرف بالتحديد أين وصل أمر بطاريتي النقيب المدفعي محمد نواف الفرحان الدليمي وكان تواصلي مباشر مع أمر بطاريتي من خلال أجهزة المخابرة ( اللاسلكي) ، الفصيل الثاني من البطارية الثالثة بقيادتي وأنا بجنب السائق العريف شهيد تتقدمني عجلتان لسحب المدفع الرابع والمدفع الخامس وانا مع المدفع السادس لكي اطمأن على وصول مدافعي دون أن تتأخر لعارض ما وكما اسلفنا بخصوص الإطارات أو عطل اي عجلة، الساعة الثالثة تقريبا شاهدت حريقا يرتفع سنى ناره عاليا وترى بالعين المجردة ومن مسافة بعيدة، وحين وصولي لمصدر النار وجدته ينبعث من محطة لتزويد الوقود مدخل العاصمة دمشق أشعله المتطوعون عمدا للتمويه على أن المحطة قد قصفت من قبل الطائرات المعادية سابقا، والحقيقة هي اسلوب خداع قديم لا يمرر على الطائرات الحديثة ، الغريب أن الحياة عادية داخل محطة الوقود وبعض السيارات تقف لتملأ خزانتها بالوقود، بهذه اللحظات لاحظت الرجال يتركون محطة الوقود مسرعين ورافعي رؤوسهم صوب السماء، إذن هي غارة جوية تستهدف العاصمة دمشق ، ثم لاحظت المدفعين اللذان يسيران أمامي متوقفان أيضا قبالة محطة التعبأة، توقفنا أيضا وبصافرتي أمرت المراتب والسواق بالتفرق بإبعاد المدافع لكي لا تشكل هدفاً للغارة الجوية الإسرائيلية، تحرك نحونا شباب يرتدون ملابس عسكرية بلا غطاء رأس وهم يقولون لي بلهحتهم السورية ( ماذا تفعل يازلمة؟ ولماذا توقفتم عن المسير؟)، قلت له إنها غارة معادية ونحن طبقنا اللوائح العسكرية، قالوا ( يسيدي وهل تقدر الطائرة المعادية الوصول للمدافع أو لمحطة الوقود)، وانا اتحدث مع هؤلاء الشباب صرخ أحدهم ( أنظر يسيدي أقتربت طائرة معادية)، وفعلا شاهدت طائرة معادية لم أعرف ماهي ويقال انها ( فانتوم) وبهذه اللحظات انطلق صاروخ أرض جو متعقبا للطائرة التي حاولت الخلاص من الصاروخ، الشباب يهتفون ارتفعت الطائرة، انحرفت يمينا، رجعت يسارا ويصرخون ( يا الله، يالله)، لحظة عصيبة للناظر، لحظات كأنها زمن، هل ستفلت الطائرة المعادية؟، هل ستصيب هدفها المحدد وتدمره؟، وهل وهل؟، أشتعلت النار بكبد السماء، وتشظت تلك الطائرة لقطع تناثرت هاوية من السماء إلى الأرض، توجه الشباب لي ويقولون لي أرأيت بعينك ما فعل الصاروخ (السام) بطائرة اليهود، قلت لهم هل أنتم متطوعون للعمل؟، قالو نحن طلاب كليات التحقنا طوعا لمساعدة جيشنا السوري البطل بمهام كثيرة ، واصلنا المسير ولكن إلى أين لست أدري ولا أعرف طرق الشام، اتصلت بأمر بطاريتي واستعلمت منه عن الطريق وجاءت الإجابة اسأل ليدلوك على الطريق المؤدي إلى محافظة درعا، فرحت لاني سأرى محافظة درعا ثانية، المحافظة التي عملت فيها لمدة سنتان متتاليتان، وفعلا سألت عن الطريق وما أكثر من يدلك عليه.
ضابط متقاعد
يتبع بإذن الله..