السيمر / الأحد 14 . 10 . 2018
معمر حبار / الجزائر
بين يدي الآن 3 كتب أقرأها بالتناوب، تشترك في نقاط عدّة، منها: كلّها لجزائريين، ويتحدّث أصحابها عن فترة الاستدمار الفرنسي خاصّة وما بعد استرجاع السّيادة الوطنية، والكتب عبارة عن مذكرات ورسائل تؤرّخ لحياة أصحابها، وكلّهم ليسوا الآن في عداد الأموات رحمة الله عليهم جميعا، والكتب الثلاث نشرت بعد وفاة أصحابها وليس في حياة أصحابها.
سيركز القارىء المتتبّع على نقطة واحدة وهي التي جمعت المشرفين على نشر الكتب الثلاث، والمتمثّلة في حذف الأسماء والألقاب التي ذكرها أصحاب الكتب في حياتهم وحذفت فيما بعد من طرف القائمين و “المحققين !” لكتبهم وبعد مماتهم واستبدال الأسماء والألقاب بالرموز، مخالفين في ذلك أصحاب الكتب وما جاء في كتبهم.
الحذف الأول
كتاب: “المراسلات” للمفتي المؤرّخ المهدي البوعبدلي رحمة الله عليه، عالم المعرفة، الجزائر، الطبعة الأولى، 2013، من 477 صفحة
جاء الحذف لحدّ الآن عبر صفحة 166، قول “المحقّق !”: “وقد أسقطنا من الرسالة ما رأيناه في غاية الخصوصية بالشهيد صاحب الرسالة رحمه الله تعالى”.
الرسالة كانت للأستاذ محمد الطيب بن أحمد الحكيمي الذي قتل واستشهد في مجازر 8 ماي 1945، وموجّهة لصديقه الأستاذ الفقيه المؤرّخ المفتي المهدي البوعبدلي رحمة الله عليه. والسؤال الذي يطرحه القارىء المتتبّع، بأيّ حقّ “تحذف خصوصية الشهيد”، خاصة وأنّ الشهيد لقي ربّه، وكتبت الرسالة إبّان الاستدمار الفرنسي، وفي حياة المعني الذي لم يحذف “الخصوصية” ولم يتعامل معها على أنّها “خصوصية”. بأيّ حقّ يتدخل “المحقّق !” ويمنع ويحرم المجتمع من رسالة شهيده كاملة ويمعن في التشويه عبر الحذف. وكان على “المحقق !” أن يحترم الشهيد وهو بين يدي ربّه ولا يغتاله بالحذف كما اغتاله الاستدمار الفرنسي بحذف حياته، فالتقى حذف “المحقّق !” وحذف المستدمر في طمس حقائق التّاريخ وإعدام أصحابها.
الحذف الثاني
Mouloud Feraoun ” LETTRE A SES AMIS ” EL HOUDA, AIN M’LILA, ALGERIE, 2017, Dont 209 Pages.
جاء الحذف عبر صفحة 80 وحسب ترجمتي: “في هذا الخصوص، لا تقل لي حتّى إذا كان F من P سيظهر ضمن مجموعتك”. ويقول في صفحة 87: “تحدثت بخشونة حول كتاب للسيد X …”. ويقول في صفحة 92: “الضباط A.I يتقنون اللغة العربية”.
يتساءل القارىء المتتبّع: لماذا تمّ حذف أسماء الضباط الذين يتقنون اللّغة العربية؟ واسم الكاتب؟ واسم الشخص؟ رغم أنّ الرسالة كتبت سنتي 1952-1953، وصاحب الكتاب الأديب الكبير ميلود فرعون رحمة الله عليه قتل واستشهد على يد المنظمة السرية المحتلة للجزائر سنة 1962، والكتاب ” LETTRE A SES AMIS ” طبع سنة 1969 فيما أعلم. وبهذا يكون المشرفون على الكتاب حرموا المجتمع والمهتمين بالتاريخ حقبة زمنية بالغة الأهمية بالنسبة للجزائري وللمهتم بالجزائر وأدبائها وكتّابها وما دار بينهم من نقاش وتبادل أفكار بغضّ النظر عن طبيعتها واتّجاهها.
الحذف الثالث
Malek BENNABI ” Mémoires d’un témoin du siècle L’enfant, l’étudiant, L’écrivain Les carnets ” ,Samar, Alger, Algérie,2006. 660 pages ” .
تدخّل الأستاذ نور الدين بوكروح في “أيام مالك بن نبي” رحمة الله عليه وحذف الأسماء والألقاب كاملة وغيّرها برموز كـقوله: ” T.M، و” الزعيم ” B، و”الزعيم ” O، و B.M، وA.R، ورموز أخرى”[1]. وسبق أن استنكرت على الأستاذ استعماله للرموز[2]، وما كان له أن يتدخل في مذكرات كتب صاحبها الأسماء والألقاب كاملة دون رموز، ونشرت بسنوات من بعد وفاته و وفاة بعض الذين ذكرهم بالاسم، وحرم بالتّالي المهتمين من الوقوف على حقبة تاريخية مهمّة لا يعرف خباياها الكثير، وقد أساء بفعله الشنيع للأمانة التي كلّف بها وكان عليه أن يؤديها بحقّها كما استلم سليمة كاملة دون تشويه بالرموز وحذف للأسماء والألقاب.
خلاصة
أساء بعض الكتاب وبعض “المحققين !” الجزائريين من حيث علموا أو جهلوا حين تدخلوا في كتب غيرهم ومذكرات غيرهم ورسائل غيرهم وحذفوا الأسماء واستبدلوها بالرموز لأسباب واهية لا قيمة لها، فكانوا سببا في طمس أسماء ومعالم وحقب تاريخية في غاية الأهمية.
من أراد أن يحذف الأسماء والألقاب فليمارس هواية الحذف في مذكراته وكتبه ورسائله لأنّ ذلك من شأنه، ولا يمسّ غيره بالحذف فإنّ ذلك من سوء وقلّة الأدب مع الحيّ وظلم للميت الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وخيانة للأمانة التي كلّف بأدائها كما تسلّمها كاملة غير ناقصة، وتشويه للتّاريخ وطمس حقبة زمنية، وحرمان القادم ممّا فاته ولم يدركه.