السيمر / الاحد 28 ز 10 . 2018
هشام الهبيشان / الأردن
بالبداية، علينا تأكيد ، أن زيارة نتنياهو لسلطنة عُمان ، لم تكن الأولى لمسؤول صهيوني للسلطنة ، فهذه الزيارة الثانية، لرئيس وزراء صهيوني لعُمان، حيث سبق أن زارها عام 1994 إسحاق رابين، كما استضاف رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز، عام 1995 وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي في القدس المحتلة، ولاننسى لقاءات “حسناء الموساد” تسيبي ليفني مع المسؤوليين العمانيين ،مع العلم أنه للآن لا توجد علاقات دبلوماسية بين الكيان والسلطنة، إلا أنهما وقّعا في مطلع عام 1996، اتفاقاً حول افتتاح متبادل لمكاتب تمثيل تجارية،وهنا ، علينا توضيح مسألة أكثر أهمية ،حول زيارة نتنياهو للسلطنة ، فمسار التطبيع بين بعض دول الخليج العربي مع الكيان الصهيوني تجاوز مسألة السلام في المنطقة والتطبيع بمختلف اشكاله ، فاليوم يؤكد الخبراء الصهاينة، أنه خلف الكواليس يستتر تعاون أمني واقتصادي واسع بين انظمة دول الخليج والكيان الصهيوني “باستثناء الكويت “، وهو أخذ بالتطور ، ففي السنوات الأخيرة على حد وصفهم بدأت منظومة علاقات حميمية جداً “مع بعض الانظمة في الخليج، لأن هوية المصالح متشابهة ، فمضمون مسار هذه العلاقات كما وصفها احد الخبراء الصهاينة يتلخص بالآتي حسب قوله “اليوم للعلاقات شكل معين .. بمعنى آخر هم يجلسون معنا في غرف مغلقة ويتصافحون ويتفقون على كل شيء، لكن هذه الأنظمة تقول إذا كنتم تريدون أن تكون هذه العلاقات علنية عليكم أن تظهروا كأنكم تحاولون حل النزاع مع الفلسطينين وطالما أن هذا لا يحدث هذه العلاقات ستبقى سرية” ،ومن الواضح أن سلطنة عُمان بكيانها السياسي ، حاولت تبرير هذه الخطيئة “باستقبال نتنياهو “،وتعليقها على شماعة عملية السلام ،والدفاع عن القضية الفلسطينية والبحث عن حل عادل لها ،وهذا المنطق الذي تتحدث به السلطنة للأسف ،هو منطق منافي لحقائق الواقع ، وهو أكثر مايضر بفلسطين وقضيتها العادلة ونضال شعبها .
وهنا ،وتزامناً مع هذا التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني والذي تتبناه معظم انظمة الخليج العربي ،وبضغط أمريكي ، بدأنا نرى حالة غير مسبوقة من التطبيع الاقتصادي والثقافي و الامني والاستخبارتي بين الجانبيين ،فبوادر وملامح ومؤشرات التطبيع مع هذا الكيان في معظم دول الخليج، لها جذور ورواسب تاريخية، فهذه ليست المرة الأولى التي تسير بها علاقات الجانبيين بهذا المنحى التطبيعي المفاجئ للبعض ،فعلاقات التطبيع لها تاريخ حافل مع هذا الكيان ، وهذا ما يؤكده حديث خبراء وجنرالات وساسة الكيان الصهيوني ،الذين يتحدثون عن تطوّر العلاقات بينهم وبين بعض أنظمة الخليج العربي، وهذا التطبيع لم يعد يأخذ منحى عابراً ، بل أصبحت علاقة يرعاها السيد الأمريكي بين الكيان الصهيوني وهذه الأنظمة ، وهذا ما يوحي بتطورات ومشاريع خطيرة ستعيشها المنطقة العربية وشعوبها في المقبل من الأيام.
وبالعودة لملف زيارة نتنياهو للسلطنة ، فـ اليوم ، لايمكن انكار حقيقة ان زيارة نتنياهو للسلطنة ،قد جاءت لأتمام صفقة معينة ،بين السلطنة والكيان الصهيوني،وهذا ينسحب على معظم دول الخليج العربي ، فـ اليوم ،هناك حديث غربي عن ضغوط مارستها ادارة ترامب في الفترة الأخيرة على المنظومة الخليجية ،بهدف انجاز تطبيع شامل مع الكيان الصهيوني وعلى مراحل متقاربة زمنياً”بدون الحديث أو ربط ذلك بأي تفاصيل تخص القضية الفلسطينية”،ونتيجة هذا التطبيع ،قريباً سنسمع ونرى منح الشركات الصهيونية إمكانية التحليق وعبور الأجواء في دول الخليج، وإلغاء القيود المفروضة حتى اليوم على إدخال المنتجات الصهيونية إلى دول الخليج، علاوة على ذلك،سنرى مسار تطبيعي رياضي- ثقافي ،سيتبعه مرحلة نهائية وختامية تتعلق بالتطبيع المجتمعي .
الصهاينة بدورهم يعولون كثيراً على هذا التطبيع مع بعض انظمة الخليج العربي ،”علها تكون المدخل لتصفية القضية الفلسطينية ،واعطاء هذه التصفية غطاء عربي “خليجي “- اقليمي – دولي “،الغريب والمستهجن بهذا الخصوص هنا ايضاً هو غياب ،أي تنديد شعبي “خليجي ” ،على مسار التطبيع هذا ،وكان كل هذا لا يعنيهم بشكل قاطع، والمثير للاشمئزاز هنا، انه وتزامناً مع كل الجرائم التي ارتكبها الصهاينة في المنطقة بعمومها وفلسطين تحديداً ،نرى حالة غريبة من تشابه والتقاء المصالح بين بعض انظمة الخليج والكيان الصهيوني !؟.
ختاماً ، اقول ، لكل أولئك العرب الذين مازالوا يهرولوا لصناعة التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني ،ولكل آولئك العرب الذين يهللوا ويطبلوا لهذا التطبيع “بحجة إيران أو غيرها “وهذه حجة سخيفة جداً ،ولايقبلها عقل واعي مدرك لحقائق وواقع المنطقة بمجموعها “، أين هم الآن من ماسأة اطفال غزة،أين هم من جرائم الكيان الصهيوني التي مارسها بعموم المنطقة العربية ،وتحديداً فلسطين، أين هم الآن من دماء شهداء فلسطين وتضحيات المناضلين العرب من اجلها ، على كل حال التاريخ يسجل ويكتب سقوط بعض العرب إلى مديات هابطة وطنياً وأخلاقيا وحتى دينياً ، عندما قرروا البداية بمسار تطبيعهم مع الصهاينة .