السيمر / الثلاثاء 20 . 11 . 2018
اسعد عبد الله عبد علي
منذ ان انتشر خبر الثلاث ملايين المنهوبة تحت عنوان “مخصصات بدل الايجار لكل برلماني”, وما تلاها من حكاية منحة تحسين وضع البرلماني والبالغة 45 مليون دينار, والاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تضج بالاعتراض والسخرية وكلامات الشتم واللعن لكل من شارك بهذه السرقة, بالمقابل كانت ردود الفعل باردة جدا من الساسة, انه كما يقال في العراق ( أكل ووصوص) وهو تعبير عن من ياخذ ما لا يستحق ويصمت لديمومة ما يحوزه, لذلك التزم الساسة بالصمت الخبيث, كانهم اصابهم الخرس.
لم استطع تفهم هذا النفاق العجيب الذي تمارسه الطبقة السياسية عموما, كأنه قد اصبح النفاق هو صك الانتماء للأحزاب, فلولا النفاق لما استمرت الاحزاب يوما واحدا في السلطة, فهو ما يعطيهم تعدد الوجوه ويمهد لهم امكانية الضحك على الجماهير واستغفال الامة.
كانت الطموحات مرتفعة هذه المرة بأحزاب السلطة عند فئة واسعة بسبب تشديد المرجعية على محاربة الفساد وتقييم الاداء, لكن في اول اختبار للبرلمان انكشفت العورة وظهر لنا قبح السرائر.
اولا: سائرون والفعل الضعيف
بعد النتائج المتميزة لكتلة سائرون انتظر الجميع موقف حازم من سائرون ضد اي تلاعب او فساد او اي محاولة لهدر المال العام, وهكذا كانت تصريحات رموز الكتلة, لكن مع قضية (مخصصات بدل الايجار للنواب), ثم تلها قضية (منحة البرلماني العجيبة) لقد كان فعلهم ضعيفا جدا, لم يصل الى مستوى تعطيل الفساد, بل مجرد تثبيت موقف, من دون الوصول الى مرحلة الرفض والاعتراض والسعي لمنع الجريمة التي حصلت.
كانت خيبة امل جماهيرية بكتلة كنا ننتظر منها الشيء الكثير, وكان هذا اول اختبار, ولم يحصل لهم النجاح فيه, حيث مرر القانون وسيتم نهب خزينة الدولة تحت عنوان مخصصات ايجار للنواب.
ثانيا: تيار الحكمة والنوم العميق
كان صوت تيار الحكمة مرتفعا قبل الانتخابات, وكان صخبهم كبيرا بشعارات وطنية يحببها الجمهور, وتعهد من رموز التيار بانهم سيقفون مع مصالح الشعب, وضد كل فاسد مهما علا شأنه, وحتى قال قائلهم بانه مستعد للتبرع بجزء من راتبه للفقراء, في تهريج ومزايدة علنية! ثم حصل النوم العميق, فلا ردود افعال عن ما يحصل, المنحة بخمسة واربعون مليون دينار, لم يقولوا شيء ولم يصرحوا بكلمة, فقط لانهم نائمين, وبدل الايجار بثلاث ملايين دينار, ايضا كانوا نائمين, ففاتهم الرفض واعلان البراءة ممن اسس اساس الظلم.
لقد خاب املنا في تيار الحكمة, حيث كشف الاختبار الاول مقدار جهدهم, بعيدا عن زعيق الاعلام وهوس التصريحات.
ثالثا: فتح ودولة القانون ولعبة الاختفاء
عودنا الجماعة (دولة القانون والفتح) على هكذا مواقف, وهو الهروب والاختفاء كي يبعدوا انفسهم عن اي اتهام او حتى مجرد معاتبة, فالمهم عندهم ان تستمر الامور كما يراد لها, كحالة جميع الطبقة السياسية الراغبة باستمرار سطوتهم على الدولة العراقية, لذلك لم يكن غريبا ان يحصل منهم هذا الموقف المخيب للآمال, انه الهروب من المواجهة, مع ان الشعارات كلها ترسم صورة الفرسان الذين سيقضون على وحش الفساد وجيشه الجبار ويلاحقون اين ما كان! نعم اخطائنا حين رفعنا مستوى تفاؤلنا بمكونات الطبقة السياسية الغارقة بالفساد والانحراف, البعض يقول ان هذا تشاؤم لكن اقول له انها الواقعية, فمن يتفاءل بأحزاب السلطة لا يكون عاقلا بل هو احد الاثنين اما مستفيد من الاحزاب او معتوه.
رابعا: ساسة الاكراد والسنة والبحث عن الذات
احزاب وكيانات الاكراد والسنة اصبحت في الظل, ليس لها مواقف مؤثرة, كل همها حصصها بالحكومة, لذلك لا نجد لهم مواقف صارمة باتجاه الفساد, لانهم يبحثون عن ديمومة مكاسبهم وهذا لا يتم بالاعتراض بل بالسير مع الريح, لذلك تم تمرير قانون بدل الايجار والمنحة بكل هدوء, الصخب الوطني فقط نراه على الشاشات, اما خلف الابواب المغلقة فكل شيء مختلف تماما, فالعملية السياسية كرست هذه الادوار, وهم سعداء بأدوارهم المحدودة لأنها تمكنهم من تحقيق منافعهم التي يريدوها, اما المواقف والنبل فلا يأتي بالدولارات.
لذلك لا يمكننا الاعتماد على موقف كردي او سني ضد تيار المصالح السياسية.
وماذا بعد؟
كما مرت القوانين الجائرة, سيتم تمرير الف جريمة والف مخالفة للعدل تحت قبة البرلمان المشئوم, الذي صبح كيان مسخر لمصلحة الطبقة السياسية فقط, وستنهب الخزينة مرة اخرى وبالقانون, لكن يبقى املنا في الحراك الجماهيري وصخب مواقع التواصل الاجتماعي, بالاضافة لبعض الاقلام الشريفة التي لا توالي الاحزاب وتدافع عن قضايا العراق واهله, وسيستمر الصراع بين طبقة منتفعة فاسدة داعرة (الطبقة السياسية والاحزاب), وشعب مظلوم يعيش في فوضى تنهك قواه.