الرئيسية / مقالات / كرة الياسري في مرمى بهاء الأعرجي

كرة الياسري في مرمى بهاء الأعرجي

السيمر / الثلاثاء 20 . 11 . 2018

د .حسن الياسري

(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )
بالنظر لورود بعض الأسئلة من بعض الإخوة الكرماء حول تفاصيل ما أُعلن عن استرداد الهيأة لعقارٍ من أحد المسؤولين الى ملكية الدولة مؤخراً، وحول بعض تفاصيل وتداعيات ملف مكافحة الفساد خلال عملنا في السنوات الثلاث المنصرمة، فقد ارتأينا أن نوضح تلك التفاصيل، ونميط اللثام عن بعض الأمور؛ إجابةً للإخوة الأعزاء، وخدمةً للمصلحة العامة .. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل …

ابتداءً لم نشأ الحديث سابقاً عن موضوع العقار المذكور، وذلك احتراماً للقضاء وتربصاً لصدور حكمه. وما دام القضاء قد نطق بالحكم البات فالإيضاح أصبح مطلوباً ..
إن قضية حصول هيأة النزاهة على القرار القضائي لاسترداد هذا العقار وإعادته الى ملكية الدولة تعود إلى أن الهيأة كانت قد حققت في هذه القضية في نهاية عام 2015، وذلك عندما فتحنا ملف تضخم الأموال أو الكسب غير المشروع – أو كما يُعرف بمبدأ من أين لك هذا – . إذ تمت إحالة العديد من المسؤولين الكبار إلى القضاء بهذه الدعوى – تضخم الأموال – ، وعلى رأسهم نواب رئيس الوزراء الثلاثة الذين كانوا في السلطة آنذاك ، وكذا بعض الوزراء والدرجات الخاصة. وقد كانت قضية العقار محل السؤال تمثل إحدى القضايا التي وجهتها الهيأة الى أحد نواب رئيس الوزراء آنذاك.
حيث تم تمليك قطعة ارض الى زوجة المومأ إليه من أمانة بغداد في منطقةٍ مميزةٍ -العطيفية – بسعرٍ بخس، ثم أُلحقت بها قطعةٌ أخرى بجانبها كانت حديقةً عامةً، رغم اعتراض الأمانة على ذلك لكون القطعة الثانية كانت مخصصةً للمنفعة العامة ، فتم توحيد العقارين، ثم بعد مدةٍ وجيزة بيع بسعرٍ كبيرٍ جداً ..
ولما وجدت الهيأة بالدليل أن هذه القضية كانت مخالفةً لقانون بيع وإيجار أموال الدولة وللضوابط القانونية، الأمر الذي حدا بها إلى توجيه دعوى الكسب غير المشروع على حساب الشعب والمصلحة العامة للمومأ اليه، وقد أحيلت القضية الى القضاء في نهاية عام 2015.. وصدر الحكم حالياً من محكمة استئناف بغداد -الكرخ – الاتحادية القاضي بإبطال قيد تسجيل العقار السابق وإعادة ملكيته إلى الدولة – ممثلةً بأمانة بغداد -.
وبإزاء ما يُستفاد من هذه القضية، وإجابةً عن أسئلة الإخوة الأعزاء، يمكن أن أحدِّد النقاط المهمة الآتية :
1. إن هيأة النزاهة في العراق عُدّت بهذا العمل، وأمثاله، الأولى على المستويين العربي والدولي، التي توجه دعوى تضخم الأموال أو الإثراء غير المشروع على حساب الشعب لثلاثة مسؤولين كبار في سدة السلطة يشغلون منصب (نائب رئيس الوزراء) دفعةً واحدةً، فضلاً عن وزراء آخرين ودرجاتٍ خاصةٍ !!!
ومَنْ يعرف من المتخصصين والمتابعين وذوي الشأن هيأة نزاهة أو هيأة مكافحة فساد في العالم سبقتنا الى ذلك، سواءٌ في أوربا أو اميركا أو غيرها، فلينورنا بذلك وسنكون له من الشاكرين !!! مع أن الإمكانات كلها متاحةٌ أمام تلك الدول ، وغير متاحةٍ أمامنا البتة!!
2. لقد أحيلت هذه القضية إلى القضاء في نهاية عام 2015 ، ولم يصدر الحكم القضائي إلا في منتصف تشرين الثاني 2018 ، ما يعني بعد ثلاث سنوات تقريباً … الأمر الذي – ربما- أضعف القضية في شعور بعض الناس الذين سبق أن سمعوا خبر إحالة القضية منذ عام 2015 . ورغم تحملنا مسؤولية هذا الملف المهم والخطير الذي يُفتَحُ لأول مرةٍ في تأريخ العراق بهذه الخطورة، إلا أن هذا الفاصل الزمني جعل بعض الناس ينسون هذه القضايا تارةً ، أو يتهمون الهيأة بأنها أغلقتها تحت الضغط تارةً أخرى؛ تأثراً بما يقوله الفاسدون !!
ورغم معرفتنا بأن الإجراءات القضائية تستغرق بطبيعتها وقتاً، لكننا تمنينا أنْ لو كان الحكم القضائي قد صدر في عام 2016 مثلاً، لما تحظى به هذه القضايا من أهميةٍ وخطورةٍ ، ولما لها من الأولوية على بقية القضايا في دول العالم التي اختطت طريق مكافحة الفساد، إذ ربما كانت أمورٌ كثيرةٌ قد تغيرت في حينها في ملف مكافحة الفساد، حيث كان من الممكن أن تكون رادعاً قوياً للذين يتجاوزون القانون. وقل مثل ذلك بالنسبة للقضايا الأخرى المشابهة التي تحملت مسؤوليتها الهيأة وتصدت لها إبان تلك المدة!!
3. هل سمعتم طيلة السنوات الثلاث المنصرمة من عمر هذه القضية والقضايا الأخرى من أشاد بجهود الهيأة أو وقف الى جانبها.. وها هي الأصوات المعروفة لديكم التي تصدح ليلاً ونهاراً بمكافحة الفساد، فكم واحداً منهم سمعتم أنه وقف إلى جانب الهيأة في هذه القضية في الأقل، ولا سيما أن التحقيق كان موجهاً إلى شخصٍ يحمل صفةً رسميةً كبيرةً- نائب رئيس الوزراء -!!
إن الذي حدث هو العكس تماماً ، حيث تعالت الأصوات للنيل من الهيأة وأثيرت ضدها الطعون والأكاذيب عبر وسائل الاعلام، والحقيقة كانت مغيّبةً عن الناس؛ تأثراً بموجة الإعلام الأصفر !! وقل مثل ذلك في مئات القضايا التي فتحتها وحققت فيها الهيأة !!!
4. تسمعون بين الفينة والأخرى بعض الأصوات التي تدعي في ظاهرها مكافحة الفساد – وفي باطنها شيءٌ آخر معروفٌ – ، كانت طيلة السنوات الثلاث المنصرمة تكذب على الناس وتقول (إن الهيأة تركض وراء الموظف البسيط والشرطي وما تقرب من الكبار)!!
وربما صحت بعض أجزاء هذه المقالة قبل عام 2015 ، لكنها تغيرت تماماً بعد الاستراتيجية الجديدة التي انتهجناها بعد تولينا في عام 2015.. ولكن بسبب بساطة بعض الناس وعدم متابعتهم لعملنا الناجم عن عدم تغطية الإعلام لجانبٍ كبيرٍ منه وبسبب عدم دقة البعض في تحري المعلومة، كل ذلك أسفر عن تصديق الناس لمثل هذه الاكاذيب !! ورغم إيضاحاتنا المستمرة طيلة ثلاث سنوات، لكن للأسف ما زالت مثل هذه الأصوات تنعق !!!
وهنا من حقنا أن نسأل، وغيرنا هو الذي يجيب :
هل نواب رئيس الوزراء الثلاثة والوزراء وأعضاء مجلس النواب والمحافظون ورؤساء مجالس المحافظات وأعضاء هذه المجالس والوكلاء والدرجات الخاصة الذين حققت معهم الهيأة في عشرات ومئات القضايا خلال السنوات الثلاث المنصرمة هم موظفون صغار !!!!
وهل أن واجب الهيأة ينتهي عند اكتمال التحقيق – كما ينص القانون على ذلك – ، أو أنها هي التي تصدر الحكم ؟؟

وبإزاء هذه الأصوات المغرضة المتعالية ضد الهيأة فإننا سنكون أمام أحد احتمالين أو إحدى نظريتين :
الأولى : نظرية حُسن الظن :
إذا أخذنا بنظرية حسن الظن بهذه الأصوات، فهذا يعني أنها تعيش في عالمٍ آخر، ولا تدري ماذا يحدث في العراق، فهؤلاء لا يعلمون ولا يتابعون ولا يقرأون ولا يسمعون، ومثلهم كمثل ( النايم ورجليه بالشمس )!!
فهل يُعقل أن أحداثاً تحقيقيةً كبيرةً بهذا المستوى زلزلت البلد (ولو كانت في بلدٍ آخر لأفضت إلى إسقاط الحكومة بلا ريب) وهم لا يعلمون بها ، رغم صفتهم الرسمية، ورغم قيامنا بإشعارهم بها باستمرار عبر التقارير التي كنا نرسلها إلى كل واحدٍ منهم عبر صندوقه البريدي في البرلمان !!
أليس الأمر يخفي وراءه حقيقةً مرّةً !!
أليس ثمة أمرٌ مريبٌ يكمن خلف الستارة!!
وهل مثل هؤلاء يمكن أن يستمع اليهم أحدٌ بعد ذلك !!

الثانية : نظرية سوء الظن :
إذا أخذنا بنظرية سوء الظن، فهذا يعني أن هؤلاء يعلمون علم اليقين ما هي الحقيقة، لكنهم – أو بعضاً منهم – فاسدون أو أذنابٌ للفاسدين !! وإنهم ليسعون بطريقتهم هذه إلى تحويل اتجاه وبوصلة الناس والجمهور من الوقوف إلى جانب الهيأة ودعمها في تحقيقاتها ضد الفاسدين، إلى التشكيك بها والنيل منها والطعن بها؛ ثأراً لأذنابهم وسادتهم الفاسدين !!! فتكون المحصلة أن الرأي يكون مُضَلَّلاً والصورة تُصبح مشوشةً لدى الناس، ومن ثم لا تمييز بين الفاسد وبين من تحمّل وتصدّى لمسؤولية الوقوف بوجهه، فالاثنان أصبحا بمنزلةٍ سواء لدى أغلب الناس، وهذا هو هدف الفاسدين ومرامهم، ولقد نجحوا فيه للأسف الشديد !!!!
5. ثم مَنْ مِن هذه الأصوات التي تتطاول على النزاهة، كانت لديه القدرة والشجاعة في عام 2015 للتحقيق مع أكبر ثلاثة مسؤولين في الدولة وزعماء في أحزابهم .. وعلى فتح آلاف القضايا التي شملت جميع من يعمل في العراق من الأحزاب والاتجاهات والحركات السياسية، حتى وصل عدد القضايا التي حققت فيها الهيأة خلال السنوات الثلاث المنصرمة إلى أكثر من (29) ألفاً، شملت (34) ألف متهماً، منهم (48) وزيراً من الحاليِّين (وقت فتح التحقيق) والسابقين، و(48 ) نائباً و(39) محافظاً و(438) عضو مجلس محافظة و(624) مديراً عاماً، واستردت وحافظت على أكثر من خمسة تريليون دينار، فضلاً عن صدور آلاف أوامر القبض والاستقدام التي شملت العشرات من المذكورين أعلاه ، ناهيك عن ملف عقارات الدولة الذي أسفر عن استرداد عشرات العقارات المسلوبة إلى ملكية الدولة بلغت أقيامها عشرات المليارات، وملف متابعة الذمم المالية للمسؤولين، وكذا ملف استرداد بعض المحكومين الكبار في الخارج لأول مرةٍ .. وغير ذلك الكثير ممَّا نشرناه سابقاً في التقارير التي كانت تُعرض أمام الملأ بكل شفافيةٍ والمنشورة والموزَّعة على جميع المعنيين، بما فيهم الإعلاميون أيضاً !!
ويبقى السؤال قائماً، ما الذي حصل عليه الشعب من بعض هذه الأصوات غير تكرار التصريحات التي لم تأتِ بشيءٍ جديدٍ منذ عام 2003، تلك التصريحات التي يعرفها ويمكن أن يتحدث بأحسن منها أي مواطن عراقي بسيط ؟!!
ولعل بعض الذين ما زالوا يكذبون على الناس ويسطرون أكاذيبهم المستمرة ضد النزاهة – كما يحصل يومياً – هم في واقع الأمر قد حققت معهم الهيأة أو مع أحد أفراد حزبهم أو اقربائهم ، أو انهم أُقصوا من الوظيفة؛ بسبب تلك التحقيقات، أو حُرموا بسببها من فرصة الحصول على منصبٍ معين كانوا يسعون إليه، وما شابه ذلك ممَّا خفي أمره على الناس وعلمناه من واقع التجربة!!
ولكون هؤلاء متضرِّرين من تحقيقات النزاهة؛ فليس أمامهم لإخفاء فسادهم وكذبهم سوى الطعن بالهيأة والتشكيك بها، عبر أكاذيب متعددةٍ ومتنوعةٍ أصبحت مثل المعزوفة لديهم، فتارةً يقولون إن الهيأة مُسيّسةٌ ، وثانيةً إن رئيسها قياديٌ في حزب الدعوة أو في كتلة مستقلون، وثالثةً إن البعض يضغط عليها لفتح هذا الملف وغلق ذاك، ورابعةً إنهم أعطوها ملفاتٍ ولم تتحرك بإزائها ، وخامسةً وسادسةً ووو .. الخ !!!!
وكلُّ تلك الأكاذيب والأراجيف إنما لفّقوها؛ بسبب الصفعة القويَّة التي وجَّهتها لهم الهيأة، والتي جاءتهم من حيث لا يحتسبون ولم يكونوا لها مُتوقِّعين، لهذا سيقت هذه الأكاذيب؛ كي يُصوِّروا للناس أنهم -أو من يمتّون اليهم بصلةٍ – ضحيةٌ للتحقيقات التي أجرتها الهيأة ، وأنهم ليسوا فاسدين أو كاذبين، ومن ثم فهم جديرون بهذا المنصب أو ذاك. وإنهم ليعلمون أنهم لن يصلوا إلى مرادهم هذا إلا بإثارة الناس ضدَّ الهيأة بهذه الأراجيف، كما كنا -وما زلنا- نلمس ذلك يومياً في وسائل الإعلام ، مستغلين في عملهم هذا – للأسف الشديد- طيبة الناس وعدم تحري أغلبهم عن المعلومة الصحيحة !!!
إن مثل هذه النماذج السيئة لن تتردد في سلوك كل طريقٍ فاسد، فهم لا خلاق لهم ولا أخلاق !! حتى وصل مستوى الكذب والاستهزاء بعقول الناس أن يكذب – بعض- هؤلاء جهاراً نهاراً وبكل صلافةٍ مدّعين بأنهم قدموا الملف الفلاني ، أو أن الهيأة لم تعمل شيئاً ولم تحرك ساكناً تجاه ما قدموه لها، كما حصل قبل بضعة أيامٍ من أحدهم .. مع أن الهيأة لم ترَ وجوههم ولم يقوموا بمراجعتها ولو مرةً واحدةً طيلة السنوات الثلاث.. وكفى بذلك خزياً لهؤلاء الأفاكين !!!
وهنا نشير إلى أنَّ الفاسدين والكاذبين ما زالوا مستمرِّين في مشروعهم ، ولكي يمضوا في تحقيقه ؛ فإنهم يستغلون كلَّ وسيلةٍ مُمكنةٍ ، ومنها بعض وسائل الإعلام ؛ بغية نشر أكاذيبهم وتحسين صورتهم لدى الناس !!
ومن أجل معرفة هؤلاءِ ؛ فإنَّنا – ومن واقع التجربة – نتوجَّه إلى الجمهور والناس الطيِّبين النزيهين بمعيارٍ موضوعيٍّ ، يُمثِّلُ مجموعة أسئلةٍ تميز الصالحَ من الطالح من هؤلاءِ .
وهذا المعيار هو الآتي :
حتَّى تُميِّزوا بين الكاذب من هؤلاء وبين الصادق منهم ، اسألوهُ بعض الأسئلة عن موقفه تجاه بعض مقترحات النزاهة للنهوض بمشروع مكافحة الفساد في العراق ، وهل وقف داعماً ، أو غير ذلك ؟
فإذا ثبت بالدليل الماديِّ الملموس – وليس مجرد كلام – أنَّه كان داعماً ، فهذا صادقٌ يستحقُّ الاحترام والتقدير، وإذا ثبت عكس ذلك أو ثبت أنَّه لا يملك إلا لقلقة لسانٍ عن الفساد ، فهذا فاسدٌ ، أو كاذبٌ في أقلِّ التقادير.
وهذه بعضٌ من الأسئلة التي تميط اللثام عن هذه الحقيقة :

أ- لقد وضعت الهيئة مُسوَّدات مشروعات قوانين كثيرة لمكافحة الفساد ، منها :
قانون الكسب غير المشروع ، وقانون حق الحصول على المعلومة ، وتعديل كلٍ من : قانون العقوبات ؛ لتشديد عقوبات جرائم الفساد ، وقانون العفو العامِّ ، وقانون الانتخابات ، وقانون الأحزاب السياسيَّة ، وقانون التضمين ، وقانون أصول المحاكمات الجزائيَّة ..الخ ، التي ناهزت العشرين !!!

السؤال:
مَن مِنْ هؤلاء دعم موقف الهيئة في هذه القوانين – بشكلٍ عمليٍّ لا لقلقة لسان – ؟؟
ب- حينما بدأت الهيئة بدايةً قويَّـةً في عام 2015 ، وفتحت آلاف القضايا ، منها عشرات القضايا بحقِّ مسؤولين كبار في سدَّة السلطة ، من وزراء ونُوَّاب ومحافظين ودرجاتٍ خاصَّةٍ …الخ ، – كما ذكرنا ذلك أمس – ، وهي بادرةٌ تحصل لأول مرَّةٍ في تأريخ العراق والمنطقة .
فماذا كانت ردَّة فعل المنتقدين ..؟ّ! لقد قاموا بإقرار قانون العفو العامِّ ، وشملوا به جرائم الفساد ، مُوهِمين الناس أن مراد القانون إنصاف الأبرياء والمظلومين المُتَّهمين جزافاً بالإرهاب ، ولم يذكروا موضوع الفساد ؛ حتَّى لا يُثيروا الناس عليهم !!
ولم يعترض على إقحام جرائم الفساد بهذا القانون بشدَّةٍ سوى هيئة النزاهة ، عبر مُخاطباتٍ رسميَّـةٍ وجَّهناها الى البرلمان، فضلاً عن البيانات الصحفيَّة التي أصدرناها !!

السؤال:
هل تكون مكافحة الفساد بالعفو العامِّ وإطلاق سراح – بعض اللصوص الكبار – الذين دفعنا تضحياتٍ جساماً في التصدِّي للتحقيق معهم ؟!!
وهل رأيتم أو سمعتم بلداً يعاني من الفساد ، بإقرار الجميع ، يتمُّ فيه مكافأة الفاسدين – الذين ثبتت عليهم التهمة دون غيرهم – بالعفو العامِّ ، بدلاً من تشديد العقوبات عليهم ؟!!
فإذا كانوا يعرفون بلداً مُحترماً سبقهم في ذلك فليخبرونا به !!
ثمَّ ..كم واحداً من هؤلاءِ دعم موقف الهيئة في رفض شمول جرائم الفساد بالعفو العامِّ ؟
نحن نعلم أنَّ الداعمين للهيئة في هذا المقام كانوا لا يتجاوزون أصابع اليد ، لكنَّ السؤال يحتاج إجابةً !!
ج- لقد قامت الهيئة في منتصف عام 2016 بوضع الاستراتيجيَّة الوطنيَّة لمكافحة الفساد ، وهي استراتيجيةٌ عمليةٌ ميدانيةٌ جريئةٌ لمكافحة الفساد على مستوى الدولة ، وتتضمَّن منهجاً وآلياتٍ قانونيةً وإداريةً لمكافحة الفساد . ولقد بُحَّ صوتنا لمُدَّة عامين ونحن نطالب بالوقوف إلى جانب الهيئة ودعمها ؛ بغية قيام الجهات المعنية بإقرار الاستراتيجيَّة ، لكنَّها لم تُقر لغاية الآن !!

السؤال:
مَن مِن هؤلاءِ سمعتموه يوماً يذكر هذه الاستراتيجيَّة أو يُلمِّحُ إليها ، ولو مجرد تلميحٍ ، فضلاً عن دعمه للهيئة في مطالباتها بضرورة إقرارها ؟!!

ولماذا غُيّبَت هذه القضيَّة المفصليَّة المُهمَّة عن عموم الناس والرأي العامِّ ؟!!
ولماذا لم تتطرَّق إليها وسيلة إعلامٍ واحدةٌ ، رغم مطالباتنا المُستمرَّة بها في جميع المحافل لسنتين مضتا ، وقيام الهيئة باطلاع الكثيرين عليها من الفعاليَّات المجتمعيَّة المُختلفة ، فضلاً عن نشرها في موقعها الرسميِّ ؟!!
وعلى الرغم من حديث الجميع عن مكافحة الفساد ، لكنَّ أحداً لم ينبسْ ببنت شفةٍ عن هذه الاستراتيـجيَّة التي تضمَّنت حـلولاً عمـليةً وجـريئةً لمكـافحة الـفسـاد في الـعـراق ، وبقيت حبيسة الأدراج وكأنها أُعِدَّت لمكافحة النزاهة لا الفساد !!
د- لقد قامت الهيئة أيضاً بوضع رؤيةٍ عمليَّةٍ لمكافحة الفساد في منتصف عام 2016 ، ورسمت خارطة طريقٍ لمكافحة الفساد في نهاية عام 2017 . وكلُّ ذلك عبارةٌ عن إجراءاتٍ عمليَّـةٍ وآلياتٍ قانونيَّـةٍ ممنهجةٍ لمكافحة الفساد ، وكانت بمثابة العلاج الحقيقي والشافي لمن شاء أن يحارب الفساد حقاً وصدقاً !!!!

السؤال:
مَن مِن هؤلاءِ دعم هذا التوجُّه ووقف إلى جانب الهيئة في تبنِّي هذه الخطوات العمليَّة لمكافحة الفساد ، ما دامت نيَّـتهم مُنعقدةً لمكافحة الفساد – كما يقولون – ؟!!
ولماذا تُهمل هذه الإجراءات والآليات لمكافحة الفساد ، التي كان من المفترض أن يقوموا هم بوضعها وتبنيها ، لا الهيئة ، كما يحدث في دول العالم ، إذ بهذه الإجراءات التي قمنا بها في هذا المقام عُدّت الهيئة الأولى على مستوى العالم التي تخطو هذه الخطوات . ومن لديه معلومةٌ أخرى عن هيئة مكافحة فسادٍ في العالم من سبقتنا في ذلك فليخبرنا بالدليل !!
ومع ذلك فقد خففنا العبءَ عن الجميع ، وقمنا بوضعها ، وطالبناهم بالنهوض بمسؤوليتهم الوطنية والقانونية ؛ عبر إقرارها والأخذ بها ، أو ببعضها في الأقل !!
والمحصلة أنهم لم يضعوها ، ولم يُقرّوها ، ولم يدعموها ، ولم يشيروا اليها ولو إشارةً عابرةً !!! ولو كان ذلك في دولةٍ تحترم نفسها وشعبها لشاهدتم الإعلام فيها يخوض بهذه الإجراءات والخطوات العملية لمكافحة الفساد ليلاً ونهاراً ؛ بغية اطلاع الجمهور عليها وحث الدولة على الأخذ بها للقضاء على الفساد ، أو للتخفيف من غلوائه في أقل تقدير !!!
إنَّ هذه الأسئلة وغيرها الكثير الكثير لهي تُؤكِّدُ بالدليل القاطع كلامنا الذي طالما كرَّرناه ، وهو أنَّ مكـافحة الـفساد إرادةٌ ومنهـجٌ وآلـياتٌ عمـلـيةٌ ، ولـيست لقلقة لسانٍ ، وأنَّ الذي لديه الإرادة الكاملة لمكافحة الفساد والنيَّة الحقيقيَّة للقضاء عليه ، قد وقف إلى جانب الهيئة ودعمها في هذه المطالبات ، وأنَّ غيره قد وقف بالندِّ من ذلك !! وأنَّ هذه المطالبات لهي تصبُّ بالمحصِّلة في طريق مكافحة الفساد ، ولا شكَّ أن النزيه يدعمها ، وأنَّ الذي يخاف منها هو الفاسد والكاذب !!
وهل يُعقَلُ أنَّ نزيهاً يقوم بمحاربة النزاهة بدلاً من محاربة الفاسدين – كما ترون وتسمعون يومياً في بعض وسائل الإعلام – ، مع أنَّ النزاهة كانت تخوض غمار حربٍ ضروسٍ مع كبار الفاسدين ؟!!
وهل مثل هؤلاءِ الذين ذكرناهم لكم يكونون في فئة (النزيهون) أو في فئة (الفاسدون وأذنابهم) .. مع التنويه أنَّ بعض هؤلاءِ لم يكن ليعلو صوته وينقد النزاهة سابقاً عندما كانت تغطُّ في سباتٍ قبل عام 2015، والحليم تكفيه الإشارة !!
ثم يأتي من بعد ذلك من يقول ، لماذا لم تتكلموا سابقاً ، وكأنه لا يعلم أن أصواتنا بُحّت من الكلام ، وأقلامنا جفت من الكتابة ، طيلة المدة المنصرمة ، ولكنك أسمعتَ إذ ناديتَ حياً ، ولكن لا حياة لمن تنادي !!!
فلم يبقَ أمامنا من بدٍ سوى الاستقالة التي قدمناها ؛ بوصفها صورةً من صور الرفض لما حدث وما يحدث ، مما قلناه وكررنا القول فيه ، بعد أن أرعبنا الفاسدين ، وأبلغنا في النصيحة ، وألقينا الحجة على الجميع !!
إنّ عدم علم البعض بإجراءاتنا وعملنا لا ينفي ذلك العمل ، بل يؤكد حقيقةً مؤداها ؛عدم تغطية بعض وسائل الإعلام لعملنا من جهةٍ ، وعدم متابعة الناس لأمورٍ مثل هذه من جهةٍ أخرى !!

الإخوة الأعزاء :
إنَّ كلَّ ما ذكـرناه لا يعـني – كـما ألمـحنا مـراراً- عـدم وجـود الـخيِّريـن الـوطنـيِّين، من الفعاليَّات المُختلفة ، الذين تعاونوا – وما زالوا – مع مشروع النزاهة قلباً وقالباً ، ووقفـوا إلى جـانـبها ودعمـوها.. فهؤلاءِ هم الـنزيهـون حقـاً ، الـذيـن نُؤكِّدُ أنَّ كـلامهم في مكافحة الفساد صادقٌ ، بيد أنَّ هؤلاء يُمثـلـون – للأسـف الشـديـد- القلة القليلة والنزر اليـسير؛ فــ(أَكْثَرُهمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) .

اترك تعليقاً