السيمر / الجمعة 14 . 12 . 2018
اسعد عبد الله عبد علي
يمكن اعتبار خطوة صدام المتهورة في غزو الكويت اغرب عملية انتحار سياسي, اقدم عليها سياسي في العصر الحديث, فصدام كان صغيرا جدا امام المكر الغربي الخبيث, يقابله جنون القيادة البعثية في العراق, مما كان الخطوة الاهم نحو تغيير المنطقة باسرها, وكان مفتاح الاستسلام العربي لإسرائيل تحت عنوان فضفاض وهو السلام في الشرق الاوسط! الحقيقة لم يكن قرار صدام بغزو الكويت متسرعا, بل صدام كان يستعد قبل الازمة بأشهر عبر تدريبات سرية لقواته, ووضع خطط للغزو, مع حملة اعدامات للقيادات العسكرية الوطنية, بغية افراغ الجيش من أي صوت معارض لجنون صدام.
حصل الغزو سريعا بأمر مباشر من راس السلطة في القصر الجمهوري (صدام), للقوات العسكرية لتتحرك بسرعة نحو الكويت, في ذلك الصيف الغريب, تلك الدولة التي لا تملك ما تدافع به عن نفسها, لذلك سقطت سريعا وبظرف يومين فقط بيد قوات صدام, وعندها حصل التغيير العميق لكل المنطقة.
وتسارعت الاحداث ليتشكل حلف دولي بقيادة امريكا هدفه الدفاع عن السعودية وتحرير الكويت من احتلال صدام لها, وبعد 7 أشهر من احتلال صدام للكويت تم تحريرها, ولم يخرج صدام الا بعد اشعال النار في 700 بئر نفطي كويتي! بالاضافة لعشرات الالاف من قتلى والجرحى في الجيش العراقي, وكذلك بعد تدمير اسلحة الجيش العراقي, مع عملية تدمير ممنهجة لكل مؤسسات البلد, عبر قصف كثيف ومركز وبأبشع انواع الصواريخ, والتي استخدم معها اليورانيوم غير المخصب, كي تحدث انفجارات كبيرة وتأثيرات مستقبلية على اماكن التفجير, فولد فيما بعد في العراق مليون طفل مشوه في فترة التسعينات! وكلها هذه الفجائع حصلت وللبلدين بسبب غباء صدام.
حصل ما حصل وتغير كل شيء في منطقة الشرق الاوسط, وسأحاول هنا افتراض ان غزو الكويت لم يحصل,
• الجيش العراقي واسلحته
خرج الجيش العراقي من حرب الثماني سنوات مع ايران جيشا قويا مجربا ذو خبرات كبيرة, مع كم كبير من الاسلحة, عندها سيكون ميزان القوى في المنطقة للعراق, فكل جيرانه لا يملكون ما يملك من عدة وعدد, وعندها يستطيع فرض ارادته على المنطقة بأكملها, لو تصرف ببعض السياسة وقليل من الحكمة, فيكون حاسما في قضية اسعار النفط, وفي قضية الديون, وفي قضية التجارة, يعني لو كان يملك رؤية في وقتها حيث يعمل على تطوير الجيش, مع تنظيم التجارة مع الجوار, لكان العراق الان كبير الشرق الاوسط, لكن صدام بغبائه المعهود تحول لحمار يدفع به الغرب لحروب الفوضوية والتي تعود بالنفع فقط عليهم.
• سوريا حافظ الاسد تفك العزلة
ما ان حصل الخلاف العراقي السوري وعرب الخليج كانوا لجنب العراق, مما شكل نوع من العزلة للنظام السوري, خصوصا استمرار علاقات سوريا الواسعة مع ايران, وكان من الممكن ان تزاد العزلة ويمكن ان تطيح بالحكم في سوريا بسبب تواجد عراق قوي غير متفق معها, وسيسعى جاهدا لأي فكرة تطرح ضد سوريا, يعني كان يمكن لصدام ان يستفيد من بقاء قوته العسكرية في فرض ارادته على الاخرين, وتحقيق غاياته, بالاضافة الى بناء العراق وتطوير قدراته النفطية, فيتحول لمارد كبير في المنطقة.
لكن غزو الكويت قلب المعادلة, فاذا بسوريا تعود لحظن الخليج, وتصبح مقربة جدا, مع اعتبار العراق عدوا, وتنقلب العزلة من سوريا الى العراق, وتتحول اموال الخليج والاستثمارات الكبيرة الى سوريا, ويمنع أي دينار خليجي من دخول العراق, انه تصرف غبي من صدام قلب الطاولة عليه.
• عداء اسرائيل يتحول الى سلام
قبل احتلال الكويت كان الخطاب الرسمي العربي هو على الضد من “اسرائيل”, واعلان العداء والمقاطعة لكل ما يمت بصلة لعصابة تل ابيب, حتى مصر التي كانت مرتبطة معهم بمعاهدة سلام كانت شبه مجمدة, بسبب الرفض العربي الرسمي والشعبي لأي سلام مع “الاسرائيليين”, ولولا اخطاء جمال عبد الناصر الجسيمة لكان الوضع مختلف, الصحافة تحارب كل شيء “اسرائيلي”, والقنوات التلفازية تفتخر بعرض مسلسلات وافلام تمجد الحرب ضد “اسرائيل”, وتعتبر الانسان القذر فقط من يتعاون مع “اسرائيل”.
كان من الممكن ان يصبح الموقف العربي اكثر شراسة وقوة, في مقابل خط الخضوع للصهاينة, مع وجود جيش عراقي مخيف, بالاضافة لتوفر قوة اقتصادية عراقية, وتعاون عراقي اردني فلسطيني خليجي روسي, لكن تهور صدام ضيع كل شيء على العرب.
سبحان الله كل شيء تغير بمجرد غزو صدام للكويت, فتبدل مزاج الحكام العرب على الرغم من ارادة شعوبهم, واصبحت نغمة السلام مع “اسرائيل” هي السائدة, فهرولة القيادة الاردنية لأبرام معاهد سلام مع “اسرائيل” بمعزل عن عرب التسوية, وتغير مزاج الاعلام والفضائيات العربي, لتصبح كلها تدعو للتعايش السلمي مع الصهاينة! فكان احد ثمرات غزو الكويت والتي جناها الصهاينة, أي ان صدام عمل معروفا كبيرا بحق “اسرائيل”.
• مصر والهرب من الافلاس
خلال انشغال العراق في الثمانينات بالحرب مع ايران, فتح يديه للعمالة المصرية, فاتجهت مصر للانفتاح على العراق كي ينقذها من ورطة الافلاس, حيث وصل عدد المصريين في العراق الى اكثر من مليون بين عامل وموظف, فكان العراق الطريق الاكبر لإدخال العملة الصعبة للمصريين, وهكذا كان حسني اكثر العرب تملقا لصدام, مقابل ما يجنيه من مكاسب واموال من تلك العلاقة الحميمية بينهما, كانت مصر تحت تهديد الافلاس بسبب الصعوبات الاقتصادية, فاللازمة المالية التي يعاني منها نظام الحكم في مصر هي ازمة خانقة, حتى وصلت نسبة الدين الداخلي الى 84% من اجمالي الناتج المحلي, ولولا دخول الكويت لتحول النظام المصري تابع لصدام وبشكل تام, فيصبح صدام طوق النجاة الوحيد لمبارك, بهذا الحال كان من الممكن لصدام لو كان يملك القليل من الذكاء ان يستفيد من الظرف ويحول مصر لتابع سياسي اقتصادي للعراق, لكن كان العراق ومازال يحكمه السذج والمعتوهين والاغبياء كضريبة تاريخية يتم دفعها.
وحصلت حرب الكويت عندها لم يضيع حسني مبارك الفرصة, وهو يملك بعض الدهاء السياسي بعكس صديقه المغفل صدام, فدخل الحرب بقوة تحت شعار الدفاع عن الشرعية في الكويت, وهكذا تدفق المال الخليجي نحو القاهرة وتحركت عجلت الاقتصاد عبر تحوله لشريك عسكري وسياسي واقتصادي مع كل المنظومة الخليجية, ليكون فقط الدعم مقابل المشاركة بحرب الكويت مقداره اربع مليار و726 مليون دولار عام 1990, وحصلت مصر على جزء كبير من الاعفاءات عن مختلف ديونها للخليج ولأمريكا, بل قام نادي باريس بإعفاء 50ِ% من ديون مصر, فكانت الحرب هي المعجزة التي انقذت نظام مبارك من فضيحة الافلاس,
• امريكا والتوسع في الشرق الاوسط
تعتبر حرب الخليج الاولى 1980-1988 الذريعة الاولى لدخول القوات الامريكية للمنطقة تحت عنوان حماية المصالح واقامت اتفاقيات عسكرية, وتحرك سوق السلاح الامريكي, لكن كل هذا بقي بنطاق محدود مع حرية واسعة لممالك وامارات الخليج, لو بقي الجيش العراقي قويا كان من الممكن ان تجعل امريكا من العراق شريكا في مخططها او يصبح شرطي المنطقة, أي ان تتعامل مع العراق باعتباره قوته العسكرية والنفطية, بل حتى امر اعطاء المنطقة النفطية الشمالية من الكويت للعراق كان مطروحا في الاروقة السياسية, باعتبار العراق القوي كي يكون منسجما مع امريكا يحتاج ان يتم ترضيته.
فكانت خطوة صدام الثاني بحرب الكويت التي جعلت الامر بيد الامريكان تماما, فانتشرت القواعد العسكرية, وفرضت على دول الخليج توقيع صفقات عسكرية خرافية, واستقرت القوات الامريكي بأعداد هائلة في قطر والكويت والسعودية والبحرين والامارات, وهي بمقابل كل هذه المكاسب عملت على تدمير الجيش العراقي ومؤسسات العراق بأبشع صورة, مستغلة التكنلوجيا التي تملكها, ليهرب صدام وجلاوزته للجحور! تارك جيشه يعاني امام الضربات الصاروخية المركزة والشديدة.
الختام
لولا تهور صدام وغياب الفهم والدراية السياسية له, لكان كل شيء مختلفا في واقعنا, فتصور معي العراق كتركيا او الامارات او اسبانيا, كمارد للشرق الاوسط الكل يهابه ويسعى لرضاه, لكن فعلها صدام وتحول لعربة يدفعها الغرب باي طريق يريدوه من حيث يشعر او لا يشعر! وكما قالت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا بعد ان رفض صدام الوساطة الفرنسية, والتي تتيح له الاحتفاظ بقوته العسكرية وتنهي الازمة سلميا, وكانت قبل يوم من اندلاع الحرب, فقالت بعد رفض صدام للمبادرة: “هي واحدة من اثنتين اما ان يكون صدام غبيا او عميلا, ولكني اميل الى انه غبي”.