السيمر / الاحد 16 . 12 . 2018
رواء الجصاني
مع طول فترة الاغتراب، يحتد الاستذكار، ويفيض الحنين لمرابع الطفولة والصبا والشباب وما يلحق بذلك من فترات زمنية .. وهكذا يعيش صاحبنا المتغرب/ المنفي/ المهاجر لبلاد التشيك منذ اربعين عاما بالتمام والكمال، وما برح مستوطناً فيها مردداً ” أنا في عزٍ هنا غير في قلبي ينـزّ جرحُ الشريدِ” بحسب الجواهري الخالد، عن براغ ..
وبعد ان سجل صاحبنا في القسم الاول من هذه الرباعية، ذكريات واحداثا عاشها ومرّ بها في البصرة والقرنة والكوت وجصان والحي والصويرة، وبعقوبة والخالص، وسامراء وتكريت، هو هو يسرد في هذا القسم (الثاني) تجواله وذكرياته، في عدد آخر من مدن بلاد ما بين النهرين، وحولهما:
5/ في العمارة، وعلي الغربي ..
بسبب زيارات البصرة، والعمل في قرنتها، كانت لصاحبنا زيارات متعددة للعمارة، وان كانت قصيرة وعجول في اغلبها ، بأستثناء واحدة قام خلالها بمتابعة مشروع هندسي كلف بمتابعته اوسط السبعينات، وقد بات في المدينة عدة ليال لذلك الغرض، وتعرف ولو بحدود قليلة على معالم المدينة، ومركزها وبعض اهلها الاحباء الذين يطلق عليهم بالشرقيين “الشروك” اي من شرق العراق. وكم من مرة ينسبُ صاحبنا اليهم من قبل بعض “أخوة الوطن” المتعالين دون وازع، ولا حق ولا اقتدار!.
وكان الطريق العودة من العمارة الى بغداد يحتاج لاربع ساعات تقريبا، وقد قضاه صاحبنا لاكثر من مرة مع صديقه (ورفيقه) عهد ذاك، حسن عصفور، وكان مهندسا زراعيا في احدى الدوائر الحكومية العراقية، وقد اصبح في سنوات لاحقة من الوجوه القيادية الفلسطينية السياسية والحكومية البارزة ..
ونبقى في العمارة، حيث قضاء “على الغربي” تابع لها، ويتذكر صاحبنا زيارته له، وكان بعمر خمسة اعوام، برفقة والدته ” نبيهة” لعدة ايام في “مزرعـة” خاله – الشاعر الخالد محمد مهدي الجواهري- التي استأجرها من الدولة لاعوام قليلة اوائل الخمسينات الماضية، هاربا وغاضبا ومغاضبا اهل بغداد ، السياسيين وغيرهم، ثم انتهت تلك النزعة الطارئة سريعا، ولكنها أولدته – وشامخة الى الآن – نونية “يا أم عوف” الفلسفية الوصفية الجامعة.
6/ … والناصرية، وقلعة سكر
من “قرنة” البصرة، انطلق صاحبنا عام 1975 مع اصدقاء ثلاثة سبقت الاشارة لهم، الى الناصرية عبر”الجبايش” الفواحة بالتاريخ والخصب، ليصلوا الناصرية، ديار الاجداد الاقحاح، والى مركزها تحديدا: “شارع الحب” او “عكد الهوى” المسموع عنه والشهير، وقد كانت تلك هي الزيارة الاولى والاخيرة لتلك المدينة السومرية الرائعة بفراتها وناسها، واسمائها وجمائلهم ..
وما دام الحديث ساريا عن الناصرية المدينة، ومركز محافظة ذي قار، يتذكر صاحبنا ان له في قضاء ” قلعة سكر” التابع لها صلة وصل ورحم.. وقد زاره عجولا اواسط السبعينات، ليمرّ في وسط القضاء، ومنه الى جامعها العتيق تحديدا، حيث كان عمه السيد علي بن ابراهيم العريضي، الحسيني، الجصاني، مكلفا به، وممثلا هناك لمرجعية النجف، لسنوات مديدة في الثلاثينات والاربعينات، وقد استذكره – بالخير طبعا- بعض القدماء في “الجلعة” كما كانت تسمى “قلعة سكر” .
7/ ليلةٌ في السماوة، ومرورٌ في الديوانية
كم سمع صاحبنا بالسماوة، وتخيلها، ونخيلها وفراتها، وبحيرتها وأهلها مجتمعها، قبل ان يزورها وصديقه عدنان عبد الكريم العطار، صيف عام 1971 لليلة بهيجة، ونهار جميل، بدعوة من صديقهما المشترك، وزميل الدراسة الجامعية، والنشاط الطلابي والسياسي: جاسم علي هداد، الذي استضافهما في بيت اهله الكرماء، وبوجود صديقهم المشترك في كل الأمور الطلابية والسياسية، عبد الحسين كريم كحوش(الشهيد في مطلع الثمانينات) . كما يتذكر صاحبنا ان شقيقي جاسم: عبد الكريم ويوسف (ابو الفوز) كانا ضمن الجمع الطيب، في تلك الضيافة الأطيب ..
وبعد جولة نهارية اعقبت تلك الليلة، في مركز السماوة، وعلى ضفاف نهرها السلسبيل، وفي طريق العودة الى بغداد، يتوقف صاحبنا وصديقه في الديوانية، ويستكشفان سوقها ومركزها، وبعض معالمها، وحميمية اهلها، وحبهم المجبول بهم، للضيوف والغرباء – وكنا منهم- وبتلقائية انسانية، وتقارب دون عناء ..
8/ وفي الحلة وكربلاء والمحاويل
تقفز المدن الفراتية الثلاث في العنوان اعلاه الى ذاكرة (صاحبنا) وهي يجوب بين ارجاء بلاد مابين النهرين وحولهما، مارا او زائرا او مقيما .. فالحلة وسط المسافة من بغداد – حيث أقام ودرس وعمل فيها نحو ثلاثين عاما – الى النجف مدينة الاعمام والأخوال، التي طالما زارها مع الاهل، او لوحده مرات ومرات كما سيرد الحديث.. وهكذا فهي – اي الحلة – طريق الذهاب والأياب، والاستراحة، الى جانب السياحة في آثار بابل هناك، وان لساعات قليلة، لأنه – صاحبنا – متخلف في الاهتمام بهذا المجال!.. وبحسب صاحبنا ايضا، فلا يجوز هنا والحديث عن الحلة، المدينة، ومركز اللواء (المحافظة) من الأشارة الى الكمِّ الجميل لديه من الاصدقاء الحلاويين الاحبة .
وما دمنا في الحلة ايضا، يتذكر صاحبنا مدينة المحاويل، التي زارها صاحبنا مع صديقه نمير حنا شابا، بدعوة من محبين، وذلك منتصف السبعينات الماضية، وما أحلى ذكريات تلك اليلة هناك بضيافة اعزاء من آل “وتوت” الكرماء، وبحضور السياسي (الحلاوي – المحاويلي) المعروف: معن جواد، وأعزاء آخرين، وكان موضوع “الجبهة الوطنية” المنغص الوحيد في تلك الجلسة العبقة، فبيّن مؤيد ومتفائل، وغاضب، ومتشائم، انقسم الموجودون.. أما صاحبنا فيقول انه كان “متشائل” أو “متفائم” حينها !! ..
أما كربلاء، حيث مرقد الأمامين الفاضلين، فقد بقيت مزارا أثيرا يتذكره صاحبنا، صبياً مع والدته والاقارب الاقربين مرات ومرات، واحيانا لليالي متعددة.. وهو لا ينسى هنا كيف كان يقف مطولاً، ومتباهيا، عند بعض ابيات قصيدة خاله (الجواهري) في مناغاة، ومناجاة الامام الحسين، مكتوبة بماء الذهب في رواق / مدخل الروضة الحسينية..
————————————————————
* يتبع القسم الثالث، وذكريات عن والرمادي والحبانية وهيت، والموصل واربيل وعين كاوة ودهوك والسليمانية ودوكان وسرجنار.