السيمر / الاثنين 21 . 01 . 2019
محمد ضياء عيسى العقابي
كيف سيتعامل، إذاً، هؤلاء مع العراق ورئيس وزراءه ينفخ بالبوق مكذّباً على أهله وشاتماً إياهم وممجداً قاتليه ضاحكاً على نفسه والإنتهازيين من أتباعه وحلفاءه بأنه حقق الوحدة الوطنية؟!! تأملوا ما يلي: – دعونا نتجاوز جريمة الطعن بصلب الديمقراطية الحزبية داخل حزب الدعوة والديمقراطية الوطنية العراقية عموماً التي إقترفها الدكتور حيدر العبادي من أجل طموحاته الشخصية حينما تآمر مع عمار ومقتدى وخان حزبه وقد تطرقنا الى ذلك في الحلقة (1). المهم أن هذا الطعن قد جعل الأمريكيين ينظرون بإزدراء للعبادي بكونه متلهفاً للسلطة فيمكن إمتطاؤه. كما شجعهم، وهو الأخطر، على إزدراء الديمقراطية العراقية التي سقيت بدماء مئات الآلاف من الشهداء. في جانب من جوانب الديمقراطية فإنها حصن للوطن إذا تذكرنا الحجة التي تبتدعها الإمبريالية الأمريكية عندما تحارب دولة لا تطيعها على باطل. فأمريكا وأتباعها (المجتمع الدولي!!!) يبدئون بالنفخ في الأبواق ليل نهار لتأليب البسطاء بهذه الذريعة. ما تشهده فنزويلا هذه الأيام ليس بالحالة الأولى. إستخدمت أمريكا والغرب عموماً هذه التقنية على إمتداد عقود منذ بدء الحرب الباردة بدءاً بالإتحاد السوفييتي بعد أن قضى على التدخل العسكري لـ (14) دولة غربية ضد ثورة أكتوبر عام 1917. لنتذكر أن الرئيس أوباما شنّ حملة على هذا الأساس ضد الرئيس الشجاع نوري المالكي بعد أن أخرج القوات الأمريكية من العراق. غير أن مسعى أوباما قد فشل لأن شعوب أوربا والعالم (عدا الرجعية العربية) لم تدعمه لملاحظتها التطور الديمقراطي على يد الرئيس المالكي. أما أوربا الرسمية فلم تدعم أوباما أيضاً لا حباً بالعراق أو الحق بل نكاية بأمريكا لأنها إحتلت العراق رغم أنفها وإطاحت نظام صدام الطغموي النافع لأوربا إقتصادياً. إنه تضارب المصالح إذاً. لكن أوباما ظفر بالعراق والمالكي يوم تآمر مع خونة عراقيين على إدخال داعش الى الموصل ووصلوا بغداد يوم تبخرت الفرق بالتآمر. مع ذلك أعلن المالكي المقاومة بقوات رديفة فأرسل قوات من المقاومة العراقية بقيادة هادي العامري وقيس الخزعلي وأخرين الى أطراف بغداد فأوقفوا المتآمرين وداعش ومن ثم أعلنت المرجعية الدعوة الى الجهاد الكفائي وتشكل الحشد الشعبي وجعلَه مجلس النواب جزءاً من القوات المسلحة العراقية. عليه فإن إستهانة العبادي بالديمقراطية العراقية بدافع الكسب الشخصي يعرّض أمن العراق لمخاطر جمة فالعراق مقبل على سنين صعبة، كما كانت من قبل لأن العراقيين يرفضون تواجد القوات الأجنبية على أرضهم مهما كلف الأمر، ولا صحة لإدعاءات العبادي من أن الوحدة الوطنية قد تحققت. خذوا مواقف علاوي والنجيفي وأمثالهم عندما إجتمعوا بماكورك، مبعوث الرئيس الأمريكي للتحالف الدولي قبل إستقالته، أيامَ محاولة تشكيل الحكومة العراقية الحالية. كلهم أيدوا موقف وزارة الخارجية الأمريكية التي كانت “حنيّنة” للغاية على العراقيين فطالبتهم بتشكيل “حكومة جامعة” لكل العراقيين، ما أروعَها!!!. الحكومة الجامعة، أيها السادة، تعني حكومة محـــاصـــصـــــــــــة بإمـتـيــــــــــــــاز وهي الوصــفة السحرية والموثوقة للفشل الذريع كما أثبتت الأيام الخوالي منذ أول حكومة منتخبة ولحد الآن، وذلك بإبتزاز الأمريكيين والطغمويين والإنفصاليين الذين حوَّلوا “الشراكة والجامعة والتوافق” الى محاصصة. وللتفصيل وأهميته لجلاء الموقف من الديمقراطية والمحاصصة التي يشوهها الجميع يميناً ويساراً لأهداف ضيقة للغاية لا تلمس فيها أي قدر من الوطنية المساوية للديمقراطية في ظروف العراق حسب قناعتي – أقول: لقد قامت الأحزاب ذات الطابع الإسلامي المناصرة للديمقراطية بتقديم “الحكومة الجامعة” و”حكومة الشراكة الوطنية” و “حكومة التوافق” الى الطغمويين على طول الخط منذ حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري ولحد الآن كـ “حافز” مخلص لإقناعهم، الطغمويين، بجدوى الديمقراطية كأسلوب وحيد للعيش المشترك بكرامة وكفاية بين جميع مكونات الفسيفساء العراقي الجميل ضاربين بعرض الحائط الخيارَ الدكتاتوري الذي إعتاد عليه العراق منذ تأسيسه وضاربين بعرض الحائط حتى معايير الأمم المتحدة في تعريف الديمقراطية وهي حكم الأغلبية السياسية المنتخبة. لكن الطغمويين لم يقتنعوا ولحد الآن بالديمقراطية لأنهم لملوم من طائفيين أغلبهم وهابيون كارهو الآخر والديمقراطية ومحتقروهما، والأغلب هم العلمانيون المصممون على إسترداد سلطتهم الطغموية الطبقية لمزاياها المادية والمعنوية ولو تحت جناح الإمبريالي وحليفه الصهيوني وعميلهما السعودي. – أعلنت وزارة الخارجية العراقية السابقة على لسان وزيرها الشجاع الدكتور إبراهيم الجعفري، عن غرفة عمليات يشترك فيها كل من العراق وسوريا وإيران وروسيا لتبادل المعلومات الإستخباراتية عن داعش الإرهابي. وبدلاً من أن يستقوي رئيس الوزراء العبادي بهذا المنجز الهام وإذا به يكيل له الشتم المبطن والتحقير. لقد صرح بـ “أنني سمعت عن هذا الاتفاق عبر وسائل الإعلام”!!! أما يفهم السامع من التصريح ما يلي: o أن رئيس الوزراء العبادي ووزير خارجيته الدكتور إبراهيم الجعفري على خلاف بشأن التعاون مع الآخرين في مجال مكافحة الإرهاب وهم روسيا وإيران وسوريا؟ وهذا بحد ذاته يفسح المجال لنزع الثقة والإحترام عن الحكومة برمتها والعراق ويشكل ثغرة للنفاذ منها، وقد نفذ الأمريكي والسعودي بالفعل. o أن رئيس الوزراء إنحاز ضمناً الى الجانب الأمريكي واضعاً ثقته فيه دون سواه ودون مبرر ناسياً أن الأمريكيين تلكأوا وتأخروا كثيراً في تشكيل التحالف الدولي ضد الإرهاب ولم يسلموا كل الطائرات ف – 16 لحد هذا اليوم وهي مدفوعة الثمن من قبل حكومة الرئيس المالكي؛ وهم الذين أقر قادتهم العسكريون أمام الكونغرس بأنهم رصدوا تحرك داعش نحو الموصل لكنهم لم يفعلوا شيئاً وأضافوا “لأننا لم نرد مساعدة حكومة المالكي”؛ وقد أكد ذلك الموقفَ رئيسُهم أوباما حينما قال لصحفيين بعد سيطرة داعش: “إننا لم ولن نساعد حكومة نوري المالكي حتى أن تتشكل حكومة ممثلة لكل الشعب العراقي” وهو كلام كان يراد منه التبرير الفارغ والتفرقة لأن حكومة المالكي كانت توافقية شاملة!!! ثم قال أوباما بالحرف الواحد للصحفي توماس فريدمان: “الشيعة في سوريا والعراق إضطهدوا السنة والسنة أصبحوا دواعش”!!!. هذا إذا تغاضينا عن الجريمة الكبرى التي إقترفتها أمريكا بالتعاون مع تركيا والسعودية وقطر وغيرها في تأسيس داعش وتمهيد الأرضية لها للسيطرة على الموصل وبقية المدن وتهديد بغداد. وقبل ذلك وأثناء تظاهرات الأنبار رصدت القوات العراقية تجمعات لداعش في صحراء الأنبار فطلب الرئيس نوري المالكي من الأمريكيين ضربها بالطائرات حسب معاهدة الإطار الإستراتيجي ولكنهم رفضوا طالبين منه الطلب من الأردن فعل ذلك فردَّ المالكي: “وما علاقة الأردن بذلك؟”!!. – شخصياً طرتُ فرحاً عندما أُعلن في موسكو أن وزير خارجية العراق السابق الدكتور إبراهيم الجعفري قد وصلها على رأس وفد لمناقشة شراء منظومة أس – 300 المضادة للجو. مبعثُ فرحي هي قناعتي العميقة بأن حكام آل سعود كانوا على إستعداد لضرب العراق من الجو ضربات مدمرة منسَّقة مع فصائل الإرهاب على الأرض للتحرك لإطلاق سراح السجناء الإرهابيين والقيام بإنقلاب يسمّى “ثورة العشائر” لإيقاف “حملة إبادة السنة على يد الصفويين والإيرانيين”!!! ليقوموا بحملة حقيقية لإبادة الشيعة وإحداث تغيير ديموغرافي في العراق خطط له الأمريكيون وعملاؤهم الخارجيون والداخليون أي الطغمويون. بعدها يخرج على العالم “المساكينُ” الأمريكيون ليشرحوا له كيف “إستَغْفَلَهم” السعوديون ولم يتشاوروا معهم، و “على كل حال فالسعودية دولة ذات سيادة وما كنا نستطيع فعل الشيء الكثير سوى النصح وإبداء الرأي”!!!! كان سيحصل هذا الهجوم المدمر لأنه بتخطيط ودعم أمريكيين ولأنه يخدم مخططاتهم بعد عجزهم عن تنفيذ المخططات السابقة والهيمنة على مفاصل الدولة العراقية، ولأنه يدرأ أخطار الديمقراطية العراقية عن الوهابيين السعوديين وعن الرجعية العربية الطائفية؛ وكان سيحصل لولا صمود الشعب اليمني البطل الذي طرح أرضاً آل سعود وآلتهم العسكرية الأمريكية الرهيبة باهضة الثمن وداس عليهم وطحن عظامهم فأصبح محالاً عليهم التحرك نحو العراق وغير العراق؛ ولكن يبقى الخطر قائماً. علم الأمريكيون ما يعنيه إقتناء العراق لمنظومة الدفاع الجوي الروسية خاصة وأنه لم تمضِ شهور كثيرة على إعتداء الطيران الصهيوني على حشدنا الشعبي عند الحدود السورية بمساعدة الأمريكيين عبر تزويد الطائرات المعتدية بالوقود جواً حسب الخبراء العسكريين. كان العدوان الإسرائيلي رسالة تشير الى عزم أمريكا على استخدام ذراعها الصهيوني ضد العراق عند الحاجة. ولكن منظومة الدفاع الروسية من شأنها أن تبطل مفعول هذا الذراع الصهيوني كما شُلت يده في سوريا بنفس المنظومة لذا قررت أمريكا منع نجاح الصفقة خاصة وأن الدلائل كانت تشير الى أنها كانت من بنات أفكار الدكتور الجعفري وأن أية ذريعة توضع في يد العبادي سوف تكون كافية لإبطال الصفقة. عليه أسرع الكونغرس الأمريكي الى إصدار تشريعٍ يقضي بمقاطعة أية دولة تشتري معدات عسكرية من روسيا. وهكذا لم نسمع كلمة واحدة من الحكومة العراقية حول هذه الصفقة، أي أذعن العبادي للأمريكيين. وربما قال لأعوانه بواحدة من تخريجاته المعهودة: “ألسنا محايدين؟”!!!! وربما وسوَس أحدُهم (كأحمد الشريفي) في أذني العبادي: “هناك إتفاق دولي: سوريا لروسيا والعراق للإمريكيين، فلا تتعب نفسك وكان الله غفوراً رحيما”!!! (يتبع)