الرئيسية / مقالات / اوضاع المراة.. وضرورة حركة نسوية مقتدرة!

اوضاع المراة.. وضرورة حركة نسوية مقتدرة!

السيمر / فيينا / الاثنين 18 . 03 . 2019

فارس محمود

ان احد تجليات وافرازات (8) من اذار هي التاكيد على حقيقتين الا وهما ان كانت قضية المراة وحرية ومساواتها هي قضية واسعة وكبيرة، قضية لم تستطع كل الاوضاع السياسية في العراق وتقلباتها وصراعاتها وتشوشيها على ذهن الانسان ووعيه من ان تمحيها، فان مدنية المجتمع وعصريته هي حقيقة ايضاً لايستطيع احد القفز عليها رغم كل مساعي تشويه هذه السمة البارزة للمجتمع.

اذ شهد كل مراقب هذا على جميع الاصعدة. في الشوارع، الاعلام والفضائيات، في كل زاوية من زوايا المجتمع. اصبحت قضية المراة وحقوقها موضوعة تجلب جميع القوى والتيارات والشخصيات الاجتماعية والسياسية الاساسية لان تقول كلمتها بهذا اليوم.

“اسلمة” واستلاب لم يوأدا تطلع واقعي.

لقد سعت التيارات السياسية الطائفية والقومية البرجوازية لاسلمة المجتمع بعمل ممنهج ودؤوب. اسلمة مجتمع بالعنف والقسر، من اسفل، على صعيد اجتماعي وحياتي، ومن اعلى على صعيد القانون والدولة والمليشيات والفضائيات لذلك. ترى ذلك في كل زاوية من زوايا المجتمع، من الطفولة واختيار اسماء الاطفال على اساس ديني وطائفي، ومن اسماء الشوارع والمحلات والمدارس والجامعات، الى الزيارات الحسينية، من التعليم ( وصل الامر بدروس تعليم “غسل الموتى” لاطفال المدارس!) للصحة والمستشفيات الى شهادات الوفاة (قضاء وقدر!)، من موضوعات وابحاث التخرج والشهادات العليا “غير العلمية ولا المهنية” الى القوانين والقرارات والمحاكم، من تعميق العشائرية (وحلفها المعروف مع الاسلام السياسي والرجعية) وصولا الى خطب الجمعة، ومن الفضائيات (بالعشرات) الى المنابر الدينية (بالمئات) وصولاً الى حملة تدمير الصناعة والمعامل وتفكيكها (فالمدنية والعصرية مرتبطة في جانب منها بالصناعة والطبقة العاملة وتدمير الصناعة والمراكز الصناعية والطبقة العاملة يؤدي الى الحاق الدمار بالمجتمع ومدنيته كذلك)، واشاعة الامية والفقر والجوع (وكلها ارضية مثالية لشيوع قيم الاسلمة) والمكانة الاجتماعية التي اسبغوها على رجالات الدين واصحاب العمائم الطفيليين، ومن الحجاب الاجباري والتدخل في ملبس الفتيات والنساء الى التضييق الاسلامي على الطالبات والنساء والفصل الجنسي في الجامعات بحجة وكذبة “تاخذ الفتيات راحتهن”!!! …. الخ.

رغم كل هذه المساعي، بيد ان (8) اذار بين لهم، انهم رغم كل جهودهم الحثيثة لاكثر من عقد ونصف (اذا ما وضعنا ايضا الحملة الايمانية للبعث جانباً) الا انهم ابعد من ان يفرضوا اجندتهم الاسلامية-الطائفية المعادية للحرية والمساواة والمراة على المجتمع. لقد بينت الجماهير على مدى سخطها على مشاريع اغتصاب الاطفال (قانون الجعفري) واستسخفوا قوانين “تزويج المغتصِب للمغتصَبة” (وذلك الشرط “القوي” بان لايطلقها قبل 3 اعوام!!!) وتعنيف وقتل النساء بدواعي “الشرف”! وفرضوا التراجع على عملية الفصل الجنسي الاسلامية في الجامعات و….غيرها.

من احتجاج الى حركة احتجاجية عريضة!

لقد خرج الاف من النساء والرجال، من دعاة التحرر والمساواة، رافعين مطاليبهم العادلة والحقة من حيث العمل وضمان البطالة، من اعتبار العمل المنزلي على الاقل عمل كسائر الاعمال ينبغي ان يكون مدفوع الاجر، ضد سلب حقوقها واهدار كرامتها، ضد دونيتها والمكانة الدونية المفروضة عليها في المجتمع، ضد افقارها وتجويعها ودفعها لانياب شبكات بيع الجنس، ضد سحب الدولة لابسط التزاماتها تجاه الفرد والمراة بالذات، ضد … وضد و… ضد! ضد وضعية لا يمكن ان تصف وضع المراة فيها دون الحاق “اهانة” بها للاسف. ان خروج النساء والتحررين والمساواتيين من الرجال قد اكد ان السيل قد بلغ الزبى، يصدحون بكفى يعني كفى وان عالم الظلم والاستغلال والتطاول على حريات المراة لايمكن استمراره وبقاءه.

ولكن السؤال المطروح على مجمل ناشطي مساواة المراة والرجل، مجمل الذين يلتسع قلبهم للمساواة وعالم اكثر انسانية وهو: هل يكون (8) اذار يوم اكسيون او تحرك ليوم او في احسن الاحوال ايام محدودة في عام ما، ويعاد استذكاره في العام القادم وهكذا؟! هل يبقى يوما “خاصاً” في روزنامة من 365 يوم، كل 365 يوم؟! لن يشفي هذا غليل احد، لن يرد على معضلة الطفلة التي يريدون سوقها لـ”الاغتصاب”، الزواج القسري، في الوقت الذي مكانها المدرسة والفرح والرياضة واللعب واللهو وليس “فراش الاغتصاب الزوجي” وحضانة الاطفال والمطبخ وسائر الاعمال المنزلية البليدة. ولا يرد على قضية المراة التي تبيع نفسها لـ”زوج” كي تستر نفسها او كي تجد من يعيلها. ولا على طالبات الاعداديات والجامعات المفعمات بالتطلع والرغبة والارادة والطموح. لايرد على معضلة من هي معيلة عائلة. ولا من تنشد الحب والحياة المشتركة مع حبيب او صديق او زوج. ولا على من تحول “عش حياتها الزوجية” الى “دائرة امن” وتعذيب نفسي ومعنوي يتفنن البعض في اساليبه المريضه. ولا تلك التي تنشد ان تعبر عن نفسها بفن، براي، بفكر، بملبس، بجمال، ب…. ولايرد على قضية من دفعتها ظروف العيش وغياب الضمانات الاجتماعية بين انياب اناس وشبكات عديمي الضمير والانسانية والقيمة ليمتهنوها ويغتنوا من جسدها مقابل نزر قليل من المال لتديم يومها ويوم من تعيلهم للغد. كما لايرد على المرأة التي تتواجه يومياً مع ثقافة دينية وعشائرية وذكورية يعاد انتاجها من اجل ترسيخ وتعميق دونيتها واستلابها. لايرد على اؤلئك الذين التجأوا من ظلم بيوتهن لملجاً “حكومي” يكونوا فيه عبيدات جنس لكل من هب ودب من “مسؤولين” و”رجالات مليشيات”، ملجأ يلتحقوا به وتضرم النار بهن وهن احياء بابواب مغلقة كي لاتنكشف فضائح هؤلاء السادة عديمي الضمير والانسانية. ولاتلك المهجرات اللواتي يقعن فريسة الاستغلال الجنسي لامرار معيشتهن تحت رحمة موظفي المخيمات. ولا يرد على ثقافة حجرهن في البيت بانتظار المجهول. ولا يرد على اي مطلب لحياة انسانية مشرقة للمراة. لايرد على قضية التصور المرضي السائد في المجتمع بان “المراة” هي كائن للاستغلال الجنسي والاستفادة الجنسية الصرف. هل يبقى الامر هكذا؟!! ام للناشطات والناشطين النسويين كلام اخر!

برأيي، بوسع (8) اذار هذا العام ان يكون منطلق مسار لارساء حركة نسوية مقتدرة وضاغطة في المجتمع، اداة ضغط على السلطة والسلطات القائمة، على الاحزاب والتيارات الاسلامية والطائفية والقومية والعشائرية الحاكمة من اجل الاقرار بالحقوق والحريات الاساسية، من اجل تغيير القوانين، وبالتالي تغيير كل المجتمع وقيمه وافكاره وعاداته وتقاليده المعادية للمرأة. بدون حركة نسوية مقتدرة، بدون تظافر جهود النساء والرجال من ناشطي هذه الحركة ووضع اليد باليد من اجل تسيير هذه الحركة لايمكن انتظار او التطلع من تغيير وضعية المرأة هذه ولايمكن الحديث عن مجتمع انساني سليم ومعافى.

يجب تنظيم حركة بافق سياسي واجتماعي واضح وشفاف وراديكالي وتحرري واسع في المجتمع. حركة ليست مجبرة على مهادنة الاسلام السياسي، ناهيك عن التملق له ولمنطلقاته الفكرية والسياسية، حركة تستند الى ارقى المكتسبات التي حققتها الحركة الداعية للحرية والمساواة في العالم.

ان نضال المراة لايمكن ان يكون سوى نضالاً سياسياً. لايمكن ان يتم عبر منظمات مجتمع مدني، منظمات تسير وفق مخطط الطبقات الحاكمة بتحجيم وترويض الاحتجاج الاجتماعي واماتته. ان تغيير مكانة المراة في المجتمع يتم عبر قناة السياسة، عبر الصراع السياسي والضغط السياسي و”منازلة” السلطة. لا عبر دورات تعليم النساء “الحياكة والتطريز” او “ورشات العمل”! ان الطبقة الحاكمة تقوم بالتغيير المعادي للمراة عبر هذه القناة، الدولة والقانون والسلطة، ولامناص لنا من القيام به من هذه القناة. وكل من يرشد الاخرين الى غير ذلك فهو مضلل ومخادع يدافع عن مصالح الطبقة والقوانين المعادية للمرأة. ان سياسية هذا النضال هو واقع الحال. ليس الامر بيدك او بيدي. اذ لايمكن ان تدافع عن حقوق المرأة وحرياتها دون ان تتجابه فوراً ومباشرة مع سلطة الاسلام السياسي. اذ لا تستطيع ان تقوم بهذا العمل والتحرك والمسعى “بموازاة” السلطة او جنب لجنب معها. انها سلطة الاسلام السياسي، وهي في سعي حثيث لاسلمة المجتمع. وان محور او احد اهم اركان اسلمة المجتمع هو الهجمة على المراة وحقوقها وحرياتها، “القانون الجعفري”، “تعدد الزوجات”، “المحرم” و… غيض من فيض هذه الهجمة. لايمكن ان تشن هذا النضال دون ان تطول اعلى الهيئات الرسمية والحكومية التي تشيع ثقافة “عدم مصافحة المراة”! دون ان تطول قرار البرلمان بتخصيص “محرم” مع كل امراة عضو برلمان، مهمته “اصطحابها” للبرلمان و”العودة بها للمنزل”!! وغيرها من قيم واخلاقيات بالية.

امراة تريد ان تقود بلد ولكن لايمكن لها ان تذهب وتاتي بمفردها دون “حماية”، في اغلب الاحيان الحماية منها وليس لها!!! وغيرها.

تتمتع الحملات الاعلامية والدعائية باهمية خاصة في هذا الصدد، بيد ان الامر لاينبغي ان يقتصر على الاعلام والدعاية، ينبغي تنظيم حركة اجتماعية واقعية، تنظيم، ارساء منظمة ومنظمات، باناس على ارض الواقع في الاحياء والمحلات، المعامل والمصانع، الاعداديات والجامعات والمعاهد، اي تنظيم النساء في كل مكان بمنظمات واتحادات نسوية تحررية اجتماعية وراديكالية على الارض.

العالم اليوم معولم اكثر من اي وقت اخر، وعلى سبيل المثال، الحقوق التي حققتها المراة السعودية لم تاتي من النضال المحلي، الداخلي، “السعودي” فحسب، بل اغلبه تم عبر الضغوطات العالمية التي جرت على السلطة القبلية المتلحفة بالاسلام في السعودية. وعليه، يجب ان يشن نضال عالمي ومحلي من اجل فرض حقوق المراة ومطاليبها على السلطة والسلطات الحاكمة. وهناك طاقات “عراقية” و”غير عراقية” عظيمة، طاقات عالم متمدن، عالم يلتسع فيه الانسان للانسان وفرحه وسعادته. هذه الجبهة العالمية عريضة بوسعها ان تمارس الضغوط تلو الضغوط على السلطة الحاكمة في العراق وقواها المعادية للانسان.

برايي ثمة حركة عظيمة، ثمة “غول نائم” يحتاج الى من يستنهضه، يعطيه الامل والافق و يقوده. ان هذه الحركة تحتاج وتنشد راية واعلاء راية وحملة راية. ان قادته (هذا الغول النائم) نساء العراق وتحرريه ودعاة مساواته، سنرى اية قوى رابضة في الميدان…!

اترك تعليقاً