السيمر / فيينا / السبت 30 . 03 . 2019
ثامر الحجامي
من يصدق.. أن العراق الذي حكم بالحديد والنار طيلة 35 عاما، وتعرض الى حصار إقتصادي دولي خانق لعشرة أعوام، وأحتله ” العم سام ” وجنوده، مغيرا طبيعته السياسية والإجتماعية، وإجتيح ثلث أراضيه بين ليلة وضحاها، من ” أبرهة العربي ” وفيلته، مشردين أهله ومحرقين مدنه، لم يسلم منهم بشر ولا حجر، أصبح البلد الأبرز في المنطقة، ومحطة إلتقاء المتخاصمين والمختلفين؟! منتصف العام 2014 توقع العالم نهاية دولة إسمها العراق.. فقد كانت خفافيش الظلام تحوم حول أسوار بغداد، بإنتظار ساعة الصفر لدخول قبلتهم المنشودة، فيما لملم البعض أمتعته وحزم حقائبه، وفيها ما خف وغلا.. موليا وجهه شطر الغرب هربا، لكن ” الأبابيل ” حلقت لترمي أبرهة وجنوده بحجارة من سجيل، في حرب دامية إستمرت ثلاث سنين، إنتهت بقتل الفيل وتشتت شراذم داعش، وبداية صفحة جديدة، عنوانها العراق قبلة العالم. يعتبر العراق نقطة الإرتكاز في منطقة الشرق، فهو الجسر الذي يربط تركيا ومن خلفها أوربا، بمنطقة الخليج وبحر العرب ومن بعدها آسيا.. وهو الطريق البري بين إيران والسعودية، والميزان لما يحصل في المنطقة، فإذا ما إستقر العراق، كانت المنطقة مستقرة، وإذا ما حصل إضطراب فيه ينعكس عليها، وهذا ما شهدناه بعد أحداث عام 2003 وما تلاها، فحين ضربته هزة التغيير .. تبعته هزات إرتدادية لما حوله، ولما إجتاحه الإرهاب الداعشي، أصبح العالم كله يعاني من تلك التداعيات، حتى أستنفرت الجهود من أجل القضاء عليه. ما يمتلكه العراق من ثروات إقتصادية كبيرة، وإمكانات بشرية شبابية هائلة، وموقع جغرافي يتوسط دول لها أمكانيات إقتصادية وسياسية مؤثرة، تجعل منه ساحة للإلتقاء وتبادل المصالح، وخلق علاقة تكاملية بين هذه الدول، إذا ما توفرت الإردة والحكمة والقرار الشجاع، الساعي لتقريب وجهات النظر، بدلا من جعله ساحة للصراع والتدافع، حيث دفعت المنطقة ثمنا باهضا من الدماء والأموال، بصراعات غير مبررة، أثرت على تطلعات الشعوب ورغباتها، في العيش بسلام وإستقرار. اليوم وبعد مرور خمس سنوات عن ذلك اليوم ” المشؤم “، نرى العراق أصبح جسرا يربط دول المنطقة، من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، على الرغم من حجم الخلافات بينها، وصار حلقة تواصل بين إيران والولايات المتحدة، وتركيا والسعودية وقطر وسوريا، بل ربما يكون هو اللاعب المؤثر فيها، خصوصا وأن العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين هذه الدول، لكن خيوط الحرير الموصلة بينها أصبحت كلها بيد العراق. العراق مؤخرا؛ كان الوسيط بين قطر وسوريا، من أجل عودتها الى الحضن العربي، وتبادل الرسائل بين السعودية وتركيا وأيران وسوريا، لترتيبات ستشهدها المنطقة قريبا عن طريقه.. ومطار بغداد صار مزدحما بوفود القادة والمسؤلين، فمن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو الى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، تبعهم العاهل الأردني الملك عبدالله، والزيارة التاريخية للرئيس الايراني حسن روحاني الذي ما إن غادر العراق، حتى حط ثامر السبهان وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج مصحوبا بوفد إقتصادي كبير، وما زالت بغداد تستعد لإستقبال الرئيس الفرنسي ماكرون ونظيره التركي أردوغان، بحسب مصادر عراقية. المرحلة القادمة مرحلة مفصلية، في طبيعة العلاقات والتوازنات في المنطقة، ستجعل العراق محجا لقادة العالم، كونه الخيمة القادرة على لم شمل الجميع، والطاولة التي ستخرج منها تفاهمات تاريخية.