السيمر / فيينا / الاثنين 08 . 07 . 2019
اياد السماوي
في زمن النظام الديكتاتوري السابق كان الديكتاتور المقبور صدّام حسين هو القانون الأعلى والأسمى في العراق , فالدستور المؤقت والقانون هما مجرّد غطاء يعكس إرادة ورغبة الديكتاتور , وكلاهما يتغيّر بمرسوم جمهوري حسب حاجة الديكتاتور لإجراء أي تغيير يتطلّبه نظام حكمه .. وبعد سقوط النظام الديكتاتوري كان الشعب العراقي يتطلّع إلى دستور دائم يضمن حقوق الشعب في الحياة الحرّة الكريمة , ويصون الحريات العامة , ويكفل عملية انتقال السلطة بشكل ديمقراطي وعبر صناديق الاقتراع .. ولم يجري في خلد أحد أنّ الدستور الدائم الذي انتظره الشعب العراقي سبعة وأربعون عاما ستكتبه طبقة سياسية فاسدة وغير مؤهلة لمثل هذه المهمة , وسيخرج بهذا الشكل المشوّه والمليء بالألغام .. كما ولم يجري في خلد أحد أنّ مسلكيا من بقايا النظام الديكتاتوري السابق والذي تمرّس على النفاق والتزلّف للحاكم سيتوّلى رئاسة المحكمة الاتحادية العليا في العراق ويصدر تفسيرات لهذا الدستور المشوّه تزيد من تشوّهاته وتجعل منه أداة بيد الطبقة السياسية لتصيره كيفما تشاء بعيدا عن جوهر الدستور الذي أقرّه الشعب . ولعلّ قصة الكتلة النيابية الأكثر عددا التي جائت في الفقرة أولا من المادة 76 من الدستور , هي القضية الأبرز في التجاوز على هذا الدستور وتجريده من محتواه الذي كتب من أجله , فموجب تفسير المحكمة الاتحادية العليا لهذه المادة الدستورية جرى تنصيب ثلاثة رؤوساء لمجلس الوزراء بشكل غير دستوري وبعيدا عن عمّا أفرزته صناديق الاقتراع من نتائج .. فبعد الإعلان عن انتخابات 2010 وفوز القائمة العراقية ب 91 مقعدا وبفارق مقعدين عن قائمة ائتلاف دولة القانون , كان من المفترض أن يكلّف مرّشح القائمة العراقية الفائز الأول بالانتخابات بتشكيل الحكومة وفقا لما جاء في الفقرة أولا من المادة 76 , لكنّ المفاجئة التي فاجئت الجميع أنّ المحكمة الاتحادية العليا التي أنيطت بها مهمة تفسير مواد الدستور , قد قلبت الطاولة رأسا على عقب لتخرج بتفسير الكتلة الأكبر الذي ذبح الديمقراطية الوليدة في العراق من الوريد إلى الوريد وأدخلت البلد في متاهة الكتلة الأكبر .. والطامة الكبرى أنّ بدعة الكتلة الأكبر هي الأخرى قد جرى ذبحها من الوريد إلى الوريد وعلى يد من ابتدعها .. فكما جرى إبعاد القائمة العراقية عن حقها في تشكيل الحكومة بموجب تفسير المحكمة الاتحادية بانتخابات 2010 , جرى إبعاد مرّشح دولة القانون الفائز الأول في انتخابات 2014 وأيضا بتجاوز دستوري فاضح .. وفي انتخابات 2018 سحق رئيس المحكمة الاتحادية العليا بدعة الكتلة الأكبر التي ابتكرها تحت أقدامه ليرمي بها نهائيا إلى مزبلة التاريخ , ليخرج ببدعة التوافق الجديدة التي جائت بعبد المهدي إلى رئاسة مجلس الوزراء بالتواطيء مع الرئاسات الثلاث وصمت المرجعية الدينية العليا التي أعطت الضوء الأخضر لعبد المهدي .. والسؤال المطروح الآن ما العمل ؟ هل تمّ التخلّي عن الدستور ورميه في المزبلة ؟ أم أنّ هنالك بصيص أمل بالرجوع لهذا الدستور حتى وإن كان مشوّها ؟ وهل سيبقى الدستور العراقي رهينة بيد مدحت المحمود يصيره كيفما تقتضي حاجة الطبقة السياسية الفاسدة ؟ أم أن للمرجعية الدينية العليا التي دفعت الشعب العراقي للتصويت على هذا الدستور رأي آخر يحفظ الدستور من التجاوزات ويعود بالعملية الديمقراطية إلى جوهرها الحقيقي ؟ خصوصا بعد أن أصبح واضحا عجز الشعب عن استرجاع حقه باختيار حكومته , فحين تتفق الرئاسات الأربعة على سحق الدستور تحت أقدامها , لم يبقى من بصيص أمل غير هبّة المرجع الأعلى لإعادة العمل بالدستور , وكما غيّر المرجع الأعلى مجرى التاريخ بفتواه العظيمة بالجهاد الكفائي , ها هي العملية الديمقراطية بحاجة إلى ذات الهبّة لتعيد للشعب حقه المصادر في اختيار حكومته , وتنقذ الدستور والشعب العراقي من مدحت المحمود وهذه الطبقة السياسية الفاسدة .. وقد آن الأوان بعد أن تمّ إسقاط بدعة الكتلة الأكبر بيد من ابتدعها , أصبح لزاما العودة للدستور وإعادة مفهوم الكتلة الأكثر عددا إلى الحياة مجددا بعد أن تمّ القضاء عليه من قبل مدحت المحمود .. في الختام أقول للسيد مدحت المحمود .. لقد تجاوزت كلّ أهل الباطل في باطلهم وحطّمت حلم العراقيين بإقامة نظامهم الديمقراطي , وأرسيت قواعد للحكم على مقاس الطبقة السياسية الفاسدة .