السيمر / فيينا / السبت 18 . 04 . 2020
ثامر الحجامي
لا يمكن لأحد إنكار هشاشة العملية السياسية في العراق، وهذا ربما يعود لأسباب كثيرة منها، حداثة التجربة وغياب الارضية الصلبة التي تستند عليها، والخلاف السياسي الذي أدى الى صراعات طائفية وإجتماعية.. وهذه كانت أبرز سمات المرحلة المنصرمة، وبدل أن نشهد إنحسار هذه الأسباب في الحكومة الجديدة وتراجعها، بدأت عوامل صراع أخرى بالظهور بعد عام 2018.
لم تغير الإنتخابات العراقية السابقة والتي جرى بعضها في ظروف ملتهبة، شكل العملية السياسية المبنية على التوافق وتوزيع المناصب والمغانم بين ممثلي المكونات العراقية الثلاثة، مما أدى الى إستشراء الفساد وهدر الأموال وغياب معالم التنمية الإقتصادية، وعزوف الناخب عن المشاركة في إنتخابات صار يعتقد بإنها إجراء شكلي لسلب خيراته فحسب.
غياب المشروع السياسي لأغلب الكتل الحاكمة، فلا هي تبنت معادلة سياسية مطمئنة للجميع، ولا هي إلتزمت ببنود الدستور الذي صوت عليه غالبية الشعب العراقي.. بل إنها إستغلت الثغرات الموجودة فيه بأبشع صورة، وأصبحت بعض فقراته خاضعة للتفسيرات تبعا لمصالح شخصية!
السيادة العراقية لم تتخلص من الهيمنة الدولية، ولم تتشكل علاقة متكافئة مع المجتمع الدولي مستندة للمصالح المشتركة، ناهيك عن هشاشة الوضع الداخلي وعدم الإنسجام بين مكوناته المذهبية والمناطقية، والإصرار على المركزية الإدارية، وتردي الواقع الخدمي والتنموي، يضاف الى ذلك الصراع على قيادة الدولة العميقة، أدى الى الإنفجار الكبير بوجه الحكومة الخامسة.
جاء تكليف السيد عبد المهدي وسط تشظ كبير تعانيه الكتلة الأكبر المعنية بالتكليف، وتحول هذا التشظي الى صراع كبير على الأرض إستنزف دماء وأموال وتخريب في البنى التحتية، ادى الى إستقالة الحكومة وإستقواء كتل أخرى أصبحت شريكة في القرار، وبروز شخصيات في المشهد السياسي كان يفترض أن يكون منصبها بروتوكوليا!
لم تتمكن الحكومة من الوقوف بوجه المظاهرات الحاشدة المطالبة بإصلاحات سياسية وإقتصادية، وإتخذت موقف المتفرج من الصراع الدائر على الأرض العراقية، فأصبحت الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة تصول في الاجواء تضرب أهدافها متى شائت، وصارت الحكومة يتيمة تبحث عمن يتبناها فلا تجد أحدا.
تباينت مواقف الكتل بعد إستقالة حكومة عبد المهدي، وكأنها أمواج في بحر عاصف فلم يستقر لها قرار، وظهر ذلك واضحا في تكليف الشخصيات المرشحة لخلافة عبد المهدي، فرغم علاقات السيد علاوي بالطبقة السياسية وخبرته الطويلة معها، لكنه لم يستطع الوصول الى إتفاق لتمرير كابينته الوزارية، ورغم الجهد السياسي والتغطية الإعلامية الكبيرة، لكن ذلك لم يمكن الزرفي من الوصول الى الهدف المنشود.
وصلنا اليوم الى التكليف الرابع، الذي يبدو فيه أن هناك شبه إجماع على تولي السيد الكاظمي رئاسة الحكومة القادمة، مع ثبات الكتل السياسية في ستراتيجيتها المبنية على الإستئثار بأكبر قدر ممكن من مغانم السلطة، رغم الظروف التي تواجه البلاد من تفشي وباء كورونا، والأزمة الإقتصادية الخانقة بسبب إنخفاض أسعار النفط.
لعل الكتل السياسية أدركت أن الوضع الراهن لا يتحمل الإنتظار لتكليف خامس، فالبلاد بلا موازنة إتحادية وقد شارفنا على منتصف السنة، والعراقيون محجورون في بيوتهم، والرواتب تكاد تتوقف إن لم يكن هناك معالجات إقتصادية تقوم بها حكومة كاملة الصلاحيات، لكن الوضع لا يخلو من المقامرة، وما أكثر المقامرين.