الرئيسية / مقالات / المؤامرة: قضم الحقوق بالتقسيط وصولاً الى إبادة الشيعة

المؤامرة: قضم الحقوق بالتقسيط وصولاً الى إبادة الشيعة

الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

السيمر / فيينا / الثلاثاء 28 . 04 . 2020

محمد ضياء عيسى العقابي

لم يكتفِ الطغمويون والإنفصاليون(1) (وكلاهما يستلهمان ويتكئان على أمريكا والسعودية ورعونة مقتدى وذيوله) بقضم حقوق الأغلبية الديمقراطية النيابية بالغش والخداع بعد فشل ثورتهم البائسة في 1/10/2019 التي ذهب ضحيتها (110) مواطنين بعضهم “ثائر” وبعضهم مغفّل )مقابل التعامل الشريف النابع من النوايا الحسنة والصبر لتلك الأغلبية الديمقراطية أزاء أعداء الديمقراطية) – لم يكتفوا بحصولهم على حق “حكم الشراكة” أولاً ثم حوّلوه الى “حكم الفيتو” وبعدئذ “طوّروه” الى “حكم المحاصصة ذي مسحة التوازن” وسرعان ما إنحدر الى “حكم المحاصصة القذر أي بجعل الوزارة عبارة عن إقطاعية خاصة بهم”.

وكحصيلة نهائية جعلوا نظامَ الحكم الديمقراطي نظامَ “شراكة وتوافق” ظاهراً وإدعاءً؛ وجعلوه، واقعاً، حكمَ “فيتو ومحاصصة قذرة وعمالة” بإمتياز – أقول لم يكتفوا بتلك التنازلات الضخمة من جانب الإسلام الديمقراطي لصالح المواطنة والديمقراطية بل تمادوا كثيراً وراحوا يحاولون بعد فشل ثورتهم البائسة قَضْمَ مزيد من حقوق الأغلبية البرلمانية بحيلة دستورية ينفذها بإيحاء من الأمريكيين رئيسُ الجمهورية برهم صالح(2) ومقتدى والعبادي بمباركة الطغمويين والإنفصاليين ومن يرشحون لرئاسة الوزارة.

لا يجب أن يغرب عن بالنا أن الأمريكيين يسعون على طول الخط الى الإمساك بتلابيب السياسة العراقية، عبر عملائهم الطغمويين والإنفصاليين والإنتهازيين وعلى رأس الإنتهازيين مقتدى والعبادي، وذلك لتنفيذ مشروع المحافظين الجدد الإمبريالي الذي قد يقود الى الإبادة الجماعية للشيعة ليواصلوا المسيرة الى إيران ثم الفضاء الأوراسي وبحر الصين الجنوبي والحدود الصينية والروسية لضخ الإرهابيين عبرهما للتخريب وإبقاء أحادية القطب لإدامة سيادة الإمبريالية على العالم.

يتمثل هذا القضم الجديد بإجراء ناعم ذي شرعية شكلية. فمقتدى الصدر وذيله حيدر العبادي يعرقلان تشكيل حكومة بإيحاء أمريكي كي يكتسب رئيس الجمهورية “الحقَ” في ترشيح وتكليف رئيس للوزراء (بينما لرئيس الجمهورية، إعتيادياً، حقُ التكليف فقط والترشيح يحصرها الدستور بالكتلة الأكبر التي عبث بمفهومها مقتدى الصدر بالإبتزاز(3)). ثم يتناول الرئيس برهم صالح الكرةَ ليقوم بالترشيح والتكليف (بإيحاء أمريكي أيضاً) دون الاهتمام برأي الأغلبية البرلمانية كما حصل عند ترشيح محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي.  

الهدف من هذا الإجراء هو إرسال رسالة للشعب تفيد بأن لا وجود لأغلبية برلمانية ولا جدوى منها خاصة وأن المتآمرين قد إستبقوا الأحداث وزيفوا الانتخابات البرلمانية بالتهاون المتعمد لحكومة حيدر العبادي في حراسة المراكز الانتخابية دع عنك المناطق الغربية وكردستان؛ ويواصل المتآمرون رسالتهم بالقول: الأصلح الإستناد الى الرئيس المنتخب وإرادة المتظاهرين (عددهم في أنحاء العراق لا يتجاوز (300) ألف متظاهراً)  و”المجتمع الدولي” (أي أمريكا)… وإنسوا الآخرين.

إن هذا يعني تعمد إهمال وجود الأغلبية البرلمانية أي إحداث إنقلاب إستراتيجي ناعم.

أدركت القوى الديمقراطية وأغلبها إسلامية تلك اللعبةَ الإستراتيجية الخطيرة لذا هددت رئيس الجمهورية بحرب أهلية إذا أصرّ على غمط حق الأغلبية وضرب الديمقراطية والإستهانة بروح الدستور وتحقيق بعض أهم أهداف الثورة البائسة الفاشلة. قدّر الأمريكيون الموقف فوجدوا أن حليفهم الخفي مقتدى مضافاً إليه الطغمويون والإنفصاليون أضعفُ من أن يواجهوا القوات المسلحة والحشد الشعبي المتحصن بالجماهير الديمقراطية العريضة في العراق من إسلاميين وغير إسلاميين. إرتعب الأمريكيون و”حلفاؤهم” فتراجعوا وفشل عدنان الزرفي.

وهكذا تم ترشيح مصطفى الكاظمي. هذا المرشح أرضى مقتدى والعبادي لكونه مثلَهما من عاشقي ومعشوقي أمريكا. وأراهن على أنهما قد عارضا ترشيح صاحب مشروع البنى التحتية الذي أخرج القوات الأمريكية ورفض بكل شجاعة الإنخراط في التآمر على سوريا وإيران، كما أراهن على أن مقتدى وذيله رفضا إعادة ترشيح ذلك الذي عقد إتفاقاً فخماً مع جمهورية الصين الشعبية ودعم مجلس النواب في قراره إخراج القوات الأمريكية.

أرضى الكاظمي القوى الديمقراطية على مضض لكونه جاء مرَشَّحاً عن الأغلبية النيابية التي أُريد تصفير دورها من قبل الأمريكيين وأذنابهم. الأكثر أنه إلتزم بتنفيذ ما يلي حسب بعض المصادر: (أ): إخراج القوات الأمريكية والأجنبية عموماً من العراق، (ب): دعم الحشد الشعبي، (ج): تلبية مطالب المتظاهرين السلميين.

وهكذا فشل المخطط الأمريكي في قسمه الأهم.

ولكن الأمريكيين لا يكلّون ولا يملّون من التآمر(4) فمواردهم كثيرة والمساهمون في دعمهم مالياً جاهزون كحكام السعودية العبيد. فبعد أن رضخوا لدحر هذه المؤامرة عادوا ولعبوا لعبة أخرى أنعمَ من الأولى إذ أصرّ الطغمويون والإنفصاليون على تحديد وزرائهم بأنفسهم بموجب مبدأ المحاصصة بينما خوّلت أحزاب الأغلبية الديمقراطية البرلمانية رئيسَ الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي حقَ إختيار الوزراء الذين سيمثلونهم. وهذا يعني منح حق التحاصص القذر للأقلية البرلمانية وحجب حق الإختيار عن قوى الأغلبية الديمقراطية التي رشحته.

ربما كل هذه التكتيكات تهدف إلى إطالة أمد غياب حكومة كاملة الصلاحيات والعراق يواجه أزمات عميقة جداً كإنهيار أسعار النفط وتهديد مرض الكورونا وقد يقود ذلك الى إنهيار الوضع العام وهو يوم النجاة للإمبريالي الأمريكي وعملائه الطغمويين والإنفصاليين والسعوديين لتمرير مخططاتهم الإجرامية.

فهل سيستفيق الفتى مقتدى ويكف عن ألاعيبه وإستهتاره وطموحاته الصبيانية؟(5)  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): للإطلاع على “الطغموية والطغمويون والإنفصاليون وجذور القضية العراقية” برجاء مراجعة هامش المقال المنشور على الروابط التالية:

http://www.alqosh.net/mod.php?mod=articles&modfile=item&itemid=39986

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=585117

http://saymar.org/2018/01/44729.html

http://www.akhbaar.org/home/2018/1/239116.html

(2): يداري السيد برهم صالح مصالح الأمريكيين على أمل دعمه لنيل رئاسة جمهورية كردستان، ضد غريمه العشائري مسعود البرزاني، الجمهورية التي لا يشك صالح والبرزاني في تحقيقها بالإعتماد على أمريكا وإسرائيل لا على النضال الديمقراطي المشترك للشعب الكردي مع الشعوب المتعايشة معها وهي العراقي والسوري والإيراني والتركي وغيرها.

(3): يهدد مقتدى دائماً بزج أتباعه البسطاء الطيبين الأغبياء لإشعال إقتتال شيعي – شيعي لتنصيب نفسه إماماً للأمة وزعيماً سياسياً لها وسط تشجيع وتصفيق الطغمويين والإنفصاليين وذيولهم وسادتهم الأمريكيين والسعوديين وبالطبع الإسرائيليين.

في أول جلسة للبرلمان القائم حالياً كان من المؤمل أن يقدم الدكتور عادل عبد المهدي طاقمه الوزاري لكن النواب الصدريين إنسحبوا من قاعة المجلس بأمل كسر النصاب لإضعاف الدكتور عادل. غير أن النصاب لم يُكسر. فعادوا ثانية ومارسوا أعمال الشغب والتخريب حتى أُنهيت الجلسة خوفاً من التصادم وإمتداده الى الشارع. أثناء الانسحاب جلسوا في مقهى المجلس وجلس معهم السيد عزت الشابندر الذي حضر الجلسة بصفة مراقب. قال النواب الصدريون له: إذا مشت الأمور ضد إرادتنا فسوف نتقاتل.

(4): الإلتفافات الأمريكية لا تنقطع: هل ننسى يوم حضر بايدن بنفسه بعد انتخابات 7/3/2010 ليجترح لنا “المجلس الأعلى للسياسات الإستراتيجية” ليترأسه علاوي الذي فشل في الانتخابات لنيل منصب رئيس الوزراء؟ وهل نسينا صلاحيات رئيس هذا المجلس الأعلى حسب المذكرة التي قدمها علاوي للرئيس المنتخب نوري المالكي والتي شرحت الصلاحيات والمهام لهذا المجلس الأعلى؟

كتبتُ في حينها واصفاً ما جاء في مذكرة السيد علاوي فقلت: إنها تضع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس القضاء الأعلى تضعهم جميعاً في جيب السيد أياد علاوي.

رفضها بالطبع الرئيس المالكي إذ أخرج الاتفاق الذي وقعوا عليه جميعاً وأشار الى أعلى الاتفاق حيث كان قد كتب بخط يده قبل التوقيع العبارة الحاكمة التالية: “على ألا تتعارض بنود الاتفاق مع الدستور”.

وهكذا فشلت تلك المحاولة الإلتفافية.

(5): عبر دراسة مستديمة لأعمال ومواقف مقتدى الصدر منذ سقوط نظام البعث الطغموي ولحد الآن، تولدت لدي قناعة كافية بأن مقتدى يسعى إلى تقويض أركان الديمقراطية العراقية التي وضع أسسها المرجع السيد علي السيستاني وجسدها على أرض الواقع رئيسا الوزراء السيدان إبراهيم الجعفري ونوري المالكي.

مقتدى لا يريد نجاح المرجعية ونجاح مشروعها الوطني الديمقراطي لأنه يريد “تعريبها” والقضاء على أروع ما تتميز به المرجعية وهي “أمميتها”؛ ويريد تنصيب نفسه إماماً للأمة وزعيماً سياسياً لها بنفس الوقت. وتعريب المرجعية مشروع طرحه والده الشهيد محمد صادق الصدر الذي سمح له صدام بفتح حوزته العلمية بإشارة من بعثيي النجف على أساس تقارب مشروعه العروبي مع المشروع البعثي “القومي”. وافق صدام مقابل قبول 30% من طلاب الحوزة ممن ترشحهم المخابرات الصدامية (أعتقد شخصياً أن الشيخ النائب المخرّب صباح الساعدي هو أحد هؤلاء). بالطبع لم يسمح حقد صدام الطائفي بإدامة هذا الاتفاق فقتل الشهيد الصدر والشهيد ولده معه. وقد كان مقتدى آنئذ صغيراً يافعاً.

من هذا المنطلق ناصَبَ مقتدى أشجعَ رئيس وزراء وأوفرهم عطاءً وأنجحهم الرئيس نوري المالكي – ناصبَه العداءَ الشديد غير المنطقي هادفاً الى إفشال حكومته كإسقاط قانون البنى التحتية. كما إنه حشر نفسه بالإبتزاز لترشيح الدكتور عادل عبد المهدي إلا أنه كبّل يدي الرجل منذ البداية لإفشاله بدلالة التحرك الشجاع لعبد المهدي المتمثل بعقد الإتفاقيات الواعدة جداً مع الصين ثم مساهمته في صدور قرار مجلس النواب بإخراج القوات الأمريكية من العراق وذلك بعد أن سحب مقتدى تأييده لحكومة عبد المهدي وأصبح طليق اليدين.

الأخطر من هذا وذاك، إنه فتت وحدة القوى الإسلامية الديمقراطية العراقية وحال دون عقد الإجتماعات الدورية والمشاورات المستديمة لبلورة إستراتيجية لتلك القوى كانت قادرة على إحداث تطور فكري قيادي نوعي هائل في العالم العربي والإسلامي وذلك بإبراز روح الإسلام وجوهره الحقيقيين المتمثلين بالديمقراطية التي كان غيابها من أهم عوامل التخلف المزري للدول العربية والإسلامية.

عمل مقتدى بجد على إنحطاط الأوضاع في العراق آملاً هيمنة أمريكا على مفاصل الحكم لتحتاج إليه أمريكا بعد نجاحها بالضرورة كواجهة شيعية لـ “التوازن”.

أخيراً، يأمل مقتدى فيما بعد أن يقفز قفزة “ثورية” ليرفس الأمريكيين ويلقي بهم خارج حدود العراق كي يحكمه ويحقق مشروع التعريب والإمامة وينجز شعار “وطن حر وشعب سعيد” نيابة عن حليفه القائد البروليتاري جاسم الحلفي.

هذا هو الطريق الذي يشجع الإمبرياليين على الإبادة.

اترك تعليقاً