الرئيسية / مقالات / النصوص الداعمة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية احتلت موقع الصدارة فى الإعلانات والمواثيق الدولية

النصوص الداعمة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية احتلت موقع الصدارة فى الإعلانات والمواثيق الدولية

السيمر / فيينا / الثلاثاء 12 . 05 . 2020

د. ماجد احمد الزاملي

برز مع الديمقراطية أمرا هاما هو حقوق الإنسان الذي تجسّد تطبيقه تطبيقا بشكل حقيقي باحترام الحريات العامة. فحقوق الإنسان مثل الحق في التعبير والفكر والمعتقد والاختيار واحترام كرامته… يدخل في صلب مفهوم الديمقراطية. وتطبيق الديمقراطية هو الذي ارسى بشكل أساسي تلك الحقوق، وتحويلها إلى قوانين مؤسسية يتمتع بها جميع المواطنين في أي مجتمع ديمقراطي، من خلال تأكيدها وفي باب خاص في جميع الدساتير الديمقراطية التي تنظم المجتمع وتفصل سلطاته وتعطي لكل فرد حقه وكيفية ممارسته وفق القانون ,احتلت النصوص الداعمة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية موقع الصدارة فى الإعلانات والمواثيق الدولية ذات الصلة ، وأفردت الدساتير فى الدول الديمقراطية نصوصا قاطعة لا تحتمل اللبس أو التأويل لتعريف هذه الحقوق والحريات بمختلف تجلياتها الفردية والإجتماعية. بل إن بعضا من هذه الدساتير أسبغ على هذه النصوص صفة السمو الموضوعى والشكلى معا بترقيتها الى مستوى ” المبادىء فوق الدستورية ” أو الحقوق الأزلية غير القابلة للتصرف ، والتى لا يجوز تعديلها فى أى تشريع دستورى لاحق. أي ان الحرية هي احترام القوانين في الانظمة الديمقراطية .وقد عززت الديمقراطية من دور الفرد في المجتمع الحديث، وأصبح الركيزة التي يقوم عليها وعليها يتم قياس تطوره وتقدمه. حقوق الإنسان والمواطنة من أهم الآليات لتفعيل الديمقراطية الحقيقية، فتعريف المتعلم بحقوقه وواجباته تجعله يعرف ماله وما عليه، وتدفعه للتحلي بروح المواطنة والتسامح والتعايش مع الآخرين مع نبذ الإرهاب والإقصاء والتطرف. هذا، وقد أرست المجتمعات الليبرالية اليوم مجموعة من الحقوق الكونية التي اعترفت بها هيئة الأمم المتحدة وسطرتها في مواثيق تشريعية مدنية واجتماعية وثقافية واقتصادية وإنسانية سيّدت الإنسان وجعلته فوق كل المصالح، كما دافعت عن كرامته وطبيعته البشرية ,وتشجيع المبادرات الفردية التي فيها مصلحة للجماعة والوطن والأمة. و أي قيد نقيد به النشاط الفردي الحر يضعف فرص الاكتشاف ,فقد حررت الانسان من أشكال الخضوع للسلطة بمختلف توجهاتها، حيث تحرر من السلطة الاجتماعية التقليدية التي يخضع فيها الفرد لمن هو أعلى منه مكانة اجتماعية، قد تصل في بعض الأحيان إلى العبودية, وتحرر من السلطة السياسية القمعية التي صادرت حقوق الأفراد في التعبير أو المشاركة السياسية في اتخاذ القرار وغيرها، ناهيك عن الممارسات التي تمتهن إنسانية الفرد وكرامته، وكذلك من السلطة الفكرية التي تتدخل حتى في طريقة تفكيره وتحضر على كل فرد تبني افكار تتعارض مع نهجها ، ولا يستطيع الفكاك منها أو توجيه أي نقد لها . ان تعليم الناشئة مبادئ حقوق الإنسان ومجمل المعاهدات والمواثيق الحقوقية التي شرعتها هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين، تعتبر الفضاء المناسب لفتح الافاق الواسعة والخبرات المتعلقة بحقوق الإنسان. وعليه، فاختيار الديمقراطية:” كنهج في تدبير الشأن السياسي وكممارسة وتربية أصبح اختيارا لارجعة فيه، بل وأصبح معيارا للاندماج في المجتمع الدولي. وأي مساس به أو خروج عن مبادئه أو خرق لسلوكاته يكون كل ذلك مدعاة للتنديد والعزل والإقصاء, و تعرض أية دولة لذلك يعني استحالة أن تحقق تنميتها وارتقاءها والاستفادة مما يتيحه التضامن الدولي.” لقد اكد الرئيس الامريكي ابرهام لنكولن في مقولة له انه لايحق لاي شخص أن يحكم الاخرين دون رضاهم,حيث ان الدولة الديمقراطية ماهي إلا حكومة من الشعب وللشعب.إلا انه ومع الاخذ في الاعتبار جميع الاختلافات التي تشوب الفقه حول تعريف الديمقراطية وجميع مقوماتها ,يمكن التأكيد على وجود مجموعة من الحقوق والحريات العامة التي تمثل الاساس الراسخ لاي نظام ديمقراطي أينما وجد.وعند غياب هذه الحقوق الاساسية لايمكن الحديث عن بناء ديمقراطي سليم يحترم رأي الشعب ويسعى لخدمة مصالحه.ومن الحقوق التي تعتبر الاساس التي تبنى عليه الحقوق الاخرى ,وهذه الحقوق هي حق الحياة ,تحريم التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو أللاإنسانية او الحاطة من الكرامة,عدم التمييز والمساواة,تحريم الاسترقاق والاستعباد , والحق في الامن والسلامة الشخصية. من المعروف أن الديمقراطية في دلالاتها تعني حكم الشعب نفسه بنفسه أو قد تعني حكم الأغلبية بعد عملية الانتخاب والتصويت والفرز والانتقاء. وتقابل كلمة الديمقراطية الديكتاتورية والأوتوقراطية اللتين تحيلان على الحكم الفردي وهيمنة الاستبداد المطلق. كما تقترب الديمقراطية من كلمة الشورى الإسلامية وإن كانت الشورى أكثر عدالة واتساعا وانفتاحا من الديمقراطية. وترتكز الديمقراطية على القانون والحق والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والاحتكام إلى مبادئ حقوق الإنسان وإرساء المساواة الحقيقية بين الأجناس في الحقوق والواجبات. ومن أهم أسس الديمقراطية الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف. لقد ألغت الديمقراطية أي شكل من أشكال التسلط على الفرد. ولم تجعل عليه سلطة إلا سلطة العقل ، وبذلك حقق الفرد استقلالية تامة عن أي شكل من أشكال التبعية أو الإلزام، خصوصاً فيما يتعلق بالأفكار وطرق التفكير والمعتقدات والآراء السياسية إلخ.. فاستقلالية الفرد تعني استقلالية العقل الذي أصبح حراً في خياراته ويجسد الإرادة الحرة للإنسان في اتخاذ القرارات التي تناسبه بما يتلاءم مع الإطار العام للمجتمع. إن المشروع الديمقراطي يتطلب اعتماد بناء معرفي قائم على قيم علمية إنسانية، حيث أن التفكير العلمي يبقى المدخل الأساسي للعقلانية، و العقلانية هي المدخل المعرفي الأساسي للديمقراطية، فالديمقراطية التي لا تُمارس على أساس عقلاني هدفها الإنسان الفرد بالدرجة الأولى تبقى ناقصة و مشوهة، لأن الديمقراطية القائمة على العلم و الوعي هي الديمقراطية القادرة على تحقيق العدالة و المساواة في كافة أشكالها “السياسية و الحقوقية و الاجتماعية و الاقتصادية” للفرد، و بالتالي للمجتمع ككل، أي هي الديمقراطية القادرة على تحقيق التوازن في بنية المجتمع دون النظر إلى اعتبارات أخرى “مذهبية، قبلية، أثنية، عشائرية”، وهذا جوهر العلاقة بين الديمقراطية و حقوق الإنسان، لأن الديمقراطية تنظر إلى العمل و العقل كمحددين أساسيين من محددات التقدم، و ذلك على اعتبار “إن ما هو جذري و ذو قيمة أساسية و حاسمة في عالم الإنسان هو الإنسان نفسه، فهو إنسان العمل و الإنتاج و المعرفة، إنسان الخَلق و الإبداع و الحضارة، ضد إنسان التواكل و التسليم”. الديمقراطية لم تشكل مع مرور الزمن تراثا أوتقليدا ينضم إلى ثقافتنا، بل بقيت مواقف ذهنية ترتبط بشخصية أو شخصيات معينة، و لم تصل إلى مرحلة وعي قائم بذاته يُمارس كعنصر ثقافي، و هذا يعود إلى عوامل التخلف السائدة في ثقافتنا “كإقصاء الآخر لمجرد معتقداته” و هذا سيتم استيعابه والخروج منه من خلال الإيمان بالإنسان و حقوقه التي نصت عليها المعاهدات و الإعلانات و المواثيق الدولية. إن حالة التشوه الفكري في مجتمعنا تتبين من خلال الخلل السائد في العلاقات الإنسانية، و هذا ما ينعكس سلبا على كافة العلاقات القائمة في المجتمع و على جميع الأصعدة. إن الفقر بالمفاهيم الإنسانية و الديمقراطية في إيديولوجيات ثقافتنا و مثقفينا أسهم في القفز فوق الإنسان الفرد “المواطن”، فالخطابات السياسية المعاصرة “كمؤشر” لم تعط هذا الفرد أو تؤمّن له ما قالت أنه يستحق من كرامة و رعاية و احترام، الديمقراطية وحقوق الانسان مفهومان مختلفان بكل وضوح” يجب النظر اليهما كمصطلحات سياسيه منفصله ومتميزه”. بينما تهدف الديمقراطيه الى منح القوة الى الشعب بصورة جماعية، تهدف حقوق الانسان الى منح القوة الى الافراد . والمشاركة تدفع في اتجاه تكريس الثقافة والممارسة الديمقراطية التي تبقى بحاجة إلى بناء اجتماعي شامل ومتكامل تمتزج فيه الحركة النقابية والجمعوية والحركات الاجتماعية بالمبادرات الفردية والجماعية المنظمة و الفاعلة، سلوكا وممارسة في الحياة العامة. ونقصد بالمشاركة في الحياة العامة، مساهمة الأفراد في تدبير شؤونهم وإبداء الرأي حولها، والقيام بالمبادرات التي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة سواءا محليا أووطنيا. وحق المشاركة يندرج ضمن الحريات السياسية الأساسية، غير أن هذا المفهوم، يتجاوز كون أن المشاركة هي مجرد حق، بل هي ممارسة فعلية وثقافة حقيقية في مواجهة ثقافة الإقصاء والتهميش المؤديتين إلى عدم الاهتمام بالامور العامة من قبل الافراد، وهو ما يفرض حاجة تثبيتها بكل المجتمعات من خلال تربية النشء على الديمقراطية على أسس التكوين والتأطير والتعبئة والانخراط، باعتبار أن قوة الديمقراطية تكمن في إرادة المواطنين للمساهمة في تدبير الحياة العامة، والمشاركة مع الاخرين في التدبير العمومي، واختيار ممثليهم، وتقييم أدائهم، بل ومحاسبتهم سواء خلال طول مسار الولاية وعلى الخصوص عند انتهائها، إما بتجديد الثقة فيهم أو اختيار ممثلين آخرين مكانهم. وهذا ما يصطلح عليه لدى بعض منظري الديمقراطية (بالذهنية الديمقراطية) المقترنة بالتكوين والممارسة السليمة. جاءت الدساتير والإعلانات الدستورية التي عرفتها أغلب الدول النامية في عصرنا الحاضر مشوبة بالكثير من أوجه النقص والإختزال والتضييق لمجالات التمتع بالحريات الأساسية والحقوق المدنية ، وقد تجلى ذلك فى إحالة العديد من النصوص المتصلة بها الى المشرّع القانونى بدعوى تحديدها أوتنظيمها ، على الرغم من كونها حقوقا أصلية سامية لا يجوز رهنها بتوجهات السلطتين التشريعية والتنفيذية . كما تجلى ذلك أيضا فى تقييد هذه الحريات والحقوق بإشتراط توافقها مع عبارات من قبيل قيم المجتمع و المصلحة العامة و سلامة البناء الوطنى و الأمن القومى.. الخ ، دون تعريف أو تحديد للمقصود بتلك العبارات المطلقة التى استخدمت فى تبرير الإنتقاص من حرية الإنسان والإفتئات على حقوق المواطنة وفضلا عن ذلك ، فقد تخلّف المشرّع الدستورى عن مواكبة التطور المتلاحق للمبادىء والأحكام والمعايير الدولية المتصلة بحقوق الانسان وحرياته الأساسية ، كما تجاهل الكثير من إلتزامات الدولة بموجب المواثيق والعهود والإتفاقيات الدولية التى صادقت عليها فى هذا الشأن ، وذلك على الرغم من أن هذه الإلتزامات تعلو على ما عداها فى التشريعات الوطنية . وفى كل ذلك لم يجد هذا المنهج الإلتفافي حرجا فى القفز على ما ذهب إليه الفقه الدستورى من أن النصوص الدستورية لا تنشيء الحريات وإنما تكشف عنها فحسب ، وأن النص عليها فى الدستور يتوخى أن تكون فى منأى عن الإعتداء عليها من جانب أى من السلطات ، وأنها ليست فى حاجة الى صدور تشريع يضعها موضع التنفيذ ، وعلى نفس المنوال جرى تجاهل العديد من المبادىء والتوصيات التى أطلقتها هيئات سياسية ومدنية وقانونية عديدة فى مجال الإصلاح الدستورى والتشريعى للنصوص الدستورية المتصلة بالحريات . وهكذا تعزز الإعتقاد العام بأن النظم السياسية التى تتعاقبت على حكم البلدان العربية مثلا وجدت فى النصوص الدستورية المعيبة والمكبلة للحريات ولفرض وصايتها وتسلطها على حرية المجتمع وأفراده ؛ فأصبحت حرية الرأى والتعبير وتداول المعلومات والحق فى الإتصال والتجمع والتنظيم مكبلة ومقيدة ، واستنادا لها شُرّعت القوانين الإستثنائية سيئة السمعة التى لاحقت المعارضين والمدافعين عن الحرية. أن الأضرار التى ترتبت على تكريس هذه المنظومة التشريعية لم تتوقف عند استباحة الحريات الفردية التى تعد أصل الحريات جميعا ، أوانتهاك الحريات العامة والحقوق المجتمعية للمواطنين ، وقد تصيب كيان المجتمع كله بالجمود والإنكماش وتضعف قدرته على مواجهة مختلف أشكال الفساد والتسلط ، وعلى تجميع طاقاته وتوظيفها فى معارك البناء والتقدم . وقد شهدت عدة دول إنقلابات عسكرية وصراعات على السلطة عن غير الطريق الديمقراطي السلمي ، وظهرت فيها بشكل خاص قوى وجماعات داخلية وخارجية سمحت لنفسها باللجوء إلى القوة والى العنف الذي أهدر أرواح الآلاف وأستنزف الطاقات فإزدادت بذلك حالة حقوق الإنسان سوءاً, وفقد الفرد الطمأنينة والمجتمعات الإستقرار بل الرؤية والبوصلة مما أشاع المزيد من الإحباط والعزوف المتزايد عن المشاركة في الحياة العامة ودفع المواطنين للبحث عن حلول فردية أوالخنوع الى ما هو قائم أو الإغتراب وفقدان الهوية أو التطرف والغلو حتى أصبح الحال يوصف بالإنحطاط وبالزمن الرديء في وقت نحن بأمس الحاجة إلى نهضة وإصلاح شامل .

اترك تعليقاً