السيمر / فيينا / الاربعاء 27 . 05 . 2020
بهيه حلاوي* / لبنان
لم تقف مروحة التكهنات حول شخصية المغرد السعودي (كما يزعم) الأشهر “مجتهد” عند نسبه إلى أحد أفراد العائلة المالكة، بل ذهب البعض إلى القول بأن الجهة التي تتستّر وراء الحساب ليست شخصاً إنما أجهزة تابعة لدولة ما.
حساب مجهول الهوية، انضم إلى “تويتر” عام 2011 ولديه أيضاً حساب على تلغرام. يتابعه أكثر من مليوني شخص وهو متخصص بنشر تسريبات تتعلق بالعائلة المالكة السعودية ودوائر السلطة حتى أن البعض يعتبره “أسانج السعودية”.
يشكل “مجتهد” ظاهرة في العالم العربي، وهو محط أنظار ومتابعة دقيقة من المؤسسات الإعلامية والصحافيين والناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، وسرعان ما تتحوّل تغريداته إلى مادة إخبارية وعناوين للنقاش.
العامل الأساسي في قوة هذا الحساب هو الدقة والالتزام التي يحاول أن يروّجها عن نفسه، فهو يعد بنشر المعلومات ويلتزم بالتوقيت.
يُلاحظ في الحساب بعده الإسلامي ويتجلى ذلك في اختيار الاسم (مجتهد)، كما يدلّ اعتماده اللغة العربية على أنه مهتم بالجمهور العربي، فلو أراد الشهرة فقط لكان استخدم اللغة الإنكليزية للوصول إلى جمهور أوسع.
منذ أيام تخطى “مجتهد” موضوع السعودية ونشر سلسلة تغريدات لافتة حول تونس سرعان ما فعلت فعلها واخترقت الحلبة السياسية الداخلية في هذا البلد وفرضت نفسها على المشهد الإعلامي. آلاف التعليقات وإعادات التغريد من متابعي “مجتهد” في كافة دول العالم كانت كفيلة بنشر المعلومات وتداولها.
بالنسبة إلى التونسيين، أغلب المتفاعلين صدّقوا المعطيات المنشورة وشكروا “مجتهد” عليها، حتى أن البعض تحدث عن تفاصيل ومواد رصدوها ولاحظوها وهي تصب في إحدى مراحل الخطة التي تحدثت عنها المعلومات.
عدد من المتفاعلين العرب خاطبوا من سمّوهم بعقلاء تونس، ودعوهم إلى إسقاط هذا المخطط. كذلك لوحظ تفاعل العديد من المصريين الذين اعتبروا أن ما هو مخطط لتونس شبيه بما حصل في مصر وكذلك في ليبيا واليمن.
شخص أم جهة أمنية؟
تساؤلات كثيرة دارت منذ ظهور حساب “مجتهد” حول هويته ومن يقف وراءه؛ ذهب البعض للقول إنه أحد أفراد العائلة المالكة، مستدلّين على ذلك بالمعلومات الحساسة والسرّية التي يدلي بها والمحاطة بأسوار من الكتمان، فيما وجّه آخرون أصابع الاتهام إلى الدكتور سعد الفقيه، المعارض السعودي المقيم في بريطانيا، مؤسس “الحركة الإسلامية للإصلاح”، وهذا الاتهام بالذات دأبت عليه مجموعات تدور في فلك السعودية ومنها حسابات تابعة لما بات يُعرف بـ”الذباب الإلكتروني”. لكن ليس هؤلاء وحدهم من اتهم الفقيه بأنه “مجتهد” المتخفي وراء اسم مستعار، بل امتدّ الأمر إلى بعض المعارضين للحكم السعودي ومنهم الدكتور محمد المسعري، المعارض السعودي المقيم في لندن هو الآخر، والذي قال علانية خلال مقابلات إعلامية وعبر “تويتر” بإن “مجتهد” ما هو إلا الفقيه.
مروحة التكهنات لم تقف عند هذا الحد حيث ذهب آخرون إلى الاجتهاد بأن الجهة التي تتستّر وراء الحساب ليست شخصاً إنما أجهزة تابعة لدولة ما، ولم يتوان عدد من هؤلاء عن اتهام قطر أو شخص مقرّب منها، حتى أن البعض سأل عن موقف لندن من الموضوع.
بغض النظر عن صاحب الحساب، ثمة أسئلة حاضرة وملحّة لدى أي باحث على هذا الصعيد، منها قدرة “مجتهد” في الحصول على البيانات والمعلومات المتعلقة بما يجري خلف كواليس القصور الملكية السعودية، وهي قدرة تتعدى إمكانات أي رجل بمفرده. والملاحظ هنا أن “مجتهد” نفسه لا ينكر ذلك بل يتحدث في كثير من الأحيان عن “مصادر” تزوده بالمعلومات.
تنبأ “مجتهد” بكثير من الأحداث وأثبتت الأيام صحّتها لاحقاً، ومن أبرز هذه التنبؤات توقعه إزاحة محمد بن نايف عن ولاية العهد لصالح محمد بن سلمان.
تقنياً نجح “مجتهد” في الحفاظ على سرية هويته، كذلك في حجب المعلومات التي قد تدل على صاحب الحساب، إن لجهة الموقع الجغرافي أو التنبؤ بالإحداثيات وإلى ما هنالك. لم ينجح في حماية حسابه من الاختراق دائماً لكنه تمكن من السيطرة عليه، ما يدلّ على متابعة وإلمام، وحتى على نفوذ في مكان ما.
في إحدى مقابلاته التي أجراها عبر التراسل الالكتروني يقول “مجتهد” إن آل سعود يعاملون البلاد على أنها ممتلكاتهم. البلد وموارده وهويته وتاريخه وثقافته كلها ملك لهم. إنهم غير مهتمين برفاهية البلد. هم مهتمون بسلطتهم وامتيازهم. هذا هو السبب في أن جميع موارد البلاد في خدمتهم. هذا هو السبب في أن البلاد تعاني من الفقر والبطالة والجريمة والتفكك الاجتماعي على الرغم من مواردها الهائلة”. يلخص هذا الجواب قضية “مجتهد”.
إعلام بديل
يعتمد عدد كبير من متابعي الأخبار اليوم على منصات التواصل الاجتماعي لإشباع حاجاتهم، وما وجود حساب متخصص يتمتع بمصداقية عالية إلا تأكيد جديد على حاجة المستخدمين إلى إعلام ومنصات متخصصة تقدم المعلومات بدقة وسرعة وشفافية.
هو تأكيد إضافي أيضاً على استبدال الناس أدواتهم واستغنائهم عن المنصات التقليدية كالتلفاز والصحيفة نتيجة خضوع عدد كبير من هذه الوسائل الإعلامية إلى أجندات خارجية تمنع نشر المعطيات بشكل شفاف. هذا تعزيز وتكريس عملي ونموذجي لصحافة الجمهور التي يمكن لأي شخص مهتم بالحقيقة ونقل الواقع أن ينشرها من دون قيود.
تتخذ هذه الحسابات أهميتها وتنجح في بناء حيز لها والحصول على متابعين انطلاقاً من خصوصية البيئة الإعلامية للجهات المستهدفة. في حالتنا هذه نجد أن الإعلام في السعودية مسيطر عليه بالكامل من قبل السلطة، في ظل غياب المعطيات الموضوعية والشفافة التي تسمح بتجاوز التعتيم الإعلامي الذي دأبت السلطات السعودية تاريخياً على إرسائه. في هذه الحالة يصبح “كل محجوب مرغوب” بحيث تثير أخبار السعودية عادة اهتمام المتابعين من كل أنحاء العالم، لا في السعودية فقط، انطلاقاً من غريزة الفضول والتلصص على ما يدور خلف أسوار القصور، نظراً إلى صورة السعودية في المخيال العام الغربي.
تبرز الحاجة إلى إعلام بديل حتى داخل الأنظمة الديموقراطية، وما ظاهرة “ويكليكس” إلا واحدة من تعبيراتها، فكيف الحال في الأنظمة غير الديموقراطية؟ هنا تبرز الحاجة إلى تسريبات وإعلام بديل بغية كسر زيف الصورة التي يحاول الإعلام التقليدي المسيطر عليه تقديمها للعالم. كما أن ضعف المشاركة السياسية والحرمان من المشاركة في عملية صنع القرار وغياب النقاش الحر، يعزّز الحاجة إلى وجود حسابات بأسماء مُستعارة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويشكّل حساباً مثل “مجتهد” متنفساً لهؤلاء الشباب، سواء في التعبير عن آرائهم أو فهم حقيقة الأحداث.
* مديرة “الميادين أونلاين”
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصر