السيمر / فيينا / الاثنين 06 . 07 . 2020
زيد شحاثة
لم يتوقع أكثرنا تشاؤما ما مر به العراق بعد عام 2003.. فكلنا كان يحلم بما يمكن أن تحققه أحزاب المعارضة التي شبعنا منها مشاريع وخططا لما بعد صدام والبعث.. لكن ما حصدناه كان خيبات ظن كبيرة, رغم أن هذا لا ينفي وجود إنجازات هنا وهناك, وتقدم وضعنا من حيث الحرية الشخصية وذهاب حكم وتسلط صدام والبعثيين إلى غير رجعة, وتحسن الوضع المادي لمعظم العاملين كموظفين حكوميين.
هذا الفشل النسبي الواضح, ورغم أنه كان نتاجا لعوامل خارجية كبيرة وكثيرة, لكن العوامل الداخلية والذاتية كانت هي الحاسمة في تثبيت هذا الفشل, وتضييع كل النجاحات النسبية المتحققة.. فتنافس رفاق سلاح الأمس كان بلا حدود ولا شرف, وكان هدفه الأوحد تسقيط الخصوم في عيون الناس طمعا بأصواتهم, بحثا عن مناصب ومغانم فحسب, وكانت النتيجة الواضحة, هو سقوطهم جميعا في فخ الحكم وضعفهم أمام العوامل الخارجية, فأصبحوا أدوات طيعة وسهلة بيد المؤثرين الإقليمين, وهم أرتضوا لأنفسهم ذلك حفاضا على مكانتهم وكراسيهم ومنافع التي أكتسبوها فقط.. وفقط؟!
رغم التحول الإيجابي الضئيل في الوضع السياسي, فأنتقلنا من تحالفات طائفية بحته دفاعا عن المكون لتحالفات عابرة مختلطة, وتراجع النفس الطائفي خصوصا بعد عام 2014, لكن هذا لم يكن كافيا فأنهارت تلك التحالفات, وعدنا لنفس تقسيماتنا المكوناتية والطائفية بتأثيرات خارجية وداخلية.. فالواقع يقول أننا مرتبطون بملفات إقليمية وربما دولية, ولم نستطع بعد أن نتخلص من واقع أننا لا زالنا ورقة تفاوضية على طاولة اللاعبين الكبار, أقليميين كانوا أو دوليين.
مرد هذا ربما يعود لضعفنا الداخلي وتشتت أهدافنا, وضياع وعينا المجتمعي العام وسهولة التلاعب بأفكارنا وتوجهاتنا, فيتم “إصطناع” رأينا العام وتوجيهه بكل سهولة ويسر, من خلال قنوات إعلامية وبضع مئات من صفحات ممولة على التواصل الإجتماعي.. بل وصار شبابنا أدوات للقتل والتخريب دون علم أو وعي منهم, وصارت طاقاتهم تسخر للغضب والعنف والتجهيل الذاتي, بدل أن توجه لمحاربة الفساد وتعزيز الدولة وسيادة القانون وترسيخ النظام الديمقراطي..
ما يزيد الأمر سوءا وتعقيدا, قيام بعض التيارات والأحزاب السياسية الحاكمة بركوب موجة الشارع وتحريكه “بحجة المطالب الشعبية” لإسقاط خصومها سياسيا, طلبا للمناصب الظلية ” وكيل وزير فأدنى” وترسيخا لدولة عميقة جديدة, تزيل دولة الحزب الحاكم السابق.. فبدأت حتى الإحتجاجات الشعبية تفقد بريقها وصارت تشهد إنقسامات بين شباب مندفعين لكنهم يبحثون عن حقوق مسلوبة, و”قياديات وتنسيقيات” نالت ولازالت تبحث عن مغانم ومناصب تنالها..
سعي تلك التيارات السياسية والأحزاب لتلك المناصب الصغيرة دليل راسخ على علمها وبشكل أكيد, على أنها لن تحقق في أي إنتخابات مقبلة, مقاعدها التي أتاحت لها أن تكون الكتلة الأكبر أو التي تليها حتى بل ولا حتى نصف مقاعدها ربما!
الأخبار التي وردت هذه الأيام عن تحرك لكتل صغيرة لتشكيل تحالف كما يصفوه بأنه “خمسيني” في إشارة لعدد نوابه, ويهدف لمعادلة التوزان السياسي للشيعة وممثليهم, ربما هو لن يخرج عن إطار اللعبة السياسية القائمة.. لكن ومع قصر الزمن المتبقي لحكومة السيد الكاظمي, وإنتهاء عملية توزيع الحصص الوزارية وقرب موعد الإنتخابات, فربما يكون لهؤلاء “الصغار عدديا” موقف في إيقاف أو تحجيم تلاعب الحمقى والمتهورين بالِشأن العراقي.. وفي تحقيق هدف تأسيسي مهم للمرحلة القادمة وهو إجراء إنتخابات عادلة بالقدر الممكن, فحالم من يريد إنتخابات نزيهة تماما والعدالة المعقولة تكفينا جدا!
الإنتخابات القادمة وشكل من سيكون الفائز الأكبر فيها وتوجهاته ومشروعه, هما من سيشكلان ملامح العراق ما بعد الفوضى الحالية التي نعيشها, ورجاله هم سيكتبون تاريخ إستعادة الدولة صورتها وميرتها على السكة الصحيحة.. أو يسجلون إنهيارها النهائي.