السيمر / فيينا / الأربعاء 01 . 12 . 2021
د. لبيب قمحاوي / الاردن
الثمن المطلوب الآن من الأردنيين دفعه مقابل حزمة من الاصلاحات السياسية قد يكون باهظاً بكافة المقاييس . فمكاسب الاصلاح السياسي وهي غامضة ، منقوصة ، مشروطة ومجتزأة تعتمد على وعود فضفاضة تنطلق من جهات وأجهزة تتمتع بدرجة عالية من عدم المصداقية في نظر الشعب ، في حين أن الثمن الباهظ المطلوب من الشعب دفعه في المقابل هو حزمة من التعديلات الدستورية المانعة والقاطعة والتي تضرب في عمق روح دستور عام 1952 ونصوصه ، وتشكل انقلاباً على النظام السياسي كما ورد في ذلك الدستور.
إن إعطاء المزيد من السلطات للملك دون تطبيق مبدأ تلازم السلطة بالمسؤولية وبالتالي حق ممارسة المساءلة الدستوري ، يعني في الواقع أن الاردن يتجه نحو نظام حكم جديد يبتعد بشكل حثيث عن نظام الحكم
” النيابي لملكي ” ويتحول الى نظام الحكم “الملكي المطلق ” أو” الملكي الرئاسي ” الأمر الذي يتنافى وطبيعة وجوهر الدستور الأردني على الرغم من أي تعليلات أو أسباب موجبة يسوقها أساطين الحكم والدولة العميقة لتبرير مطالب التعديلات الدستورية الاخيرة ، والتي تتعارض حكماً وبشكل فاضح مع روح الدستور ونصوصه خصوصاً فيما يتعلق بولاية الحكومة واستقلال القضاء والدور الرقابي لمجلس النواب.
لا يمكن تفسير التعديلات الدستورية المقترحة والمرافقة لحزمة الاصلاح السياسي إلا بكونها الهدف الحقيقي وراء عملية الاصلاح برمتها والتي يتم استعمالها عذراً لفتح الباب أمام تلك التعديلات الدستورية المنشودة. وقد تكون أيضاً ضربة استباقية من الدولة العميقة تعكس عدم ثقة بالاصلاح السياسي تخوفاً من مخرجاته ورغبة واضحة في سحب الصلاحيات الهامة من المؤسسات الدستورية ووضعها في يد الملك سلفاً و تحسباً لاحتمال أن تؤدي الاصلاحات السياسية المنشودة الى حكومة برلمانية حقيقية خارج نطاق نفوذ دائرة المخابرات العامة أو الدولة العميقة . وهكذا عندما يتم سحب الدماء من شرايين الحكومة سلفاً فلا أهمية لكيفية تشكيلها أو من يقودها .
إن الإلغاء العملي للولاية الدستورية للحكومة كسلطة تنفيذية سوف يصبح، بموجب التعديلات الدستورية المقترحة ، أمراً محتوماً وسوف تصبح الحكومة بالتالي لا تعني شيئاً بعد ان كانت تعني كل شئ ، وسوف يصبح من الاجدى الغاء منصب رئيس الحكومة والاكتفاء بوزراء بإعتبارهم مسؤولين تنفيذيين وليس صانعي سياسات ، وذلك عوضاً عن الاستمرار في دفع رواتب لرؤساء حكومات ووزراء لا يملكوا من أمرهم شيئاً ، مما سوف يوفر على الخزينة ملايين الدنانير من الكلفة المباشرة وغير المباشرة. هذا بالاضافة الى وضع حد للتضارب في السلطات وحسم هذا الموضوع بلا مواربة .
لم يكتفي النظام بربط الاصلاح السياسي بتعديلات دستورية جائرة ، ولكنه استدعى شياطين الظلام للإلتفاف على ما هو قائم من مكتسبات للمجتمع المدني ، وبدأ في ارسال الاشارات الى ضرورة الالتزام بالقوانين الجديدة بأثر رجعي ومنها الاحزاب السياسية المرخصة والعاملة. وحتى تكتمل حلقة الظلم الذي أصبح يميز علاقة الأردنيين بحكوماتهم ، فإن بدعة سن قوانين جديدة بأثر رجعي لا تراها إلا في بلد مثل الاردن لا تحترم فيه حكوماتها القوانين التي تسنها ، ولا تحترم بالمقدار نفسه مواطنيها المجبرون على ابتلاع ذلك الظلم المرّْ.
لا أحد يفرض قوانين جديدة بأثر رجعي إلا الأردن وهو بذلك أصبح بيئة طاردة للإستقرار القانوني والاستثمار المحلي والخارجي . والمحاولات المحزنة للكثير من المسؤولين الأردنيين لتبرير ذلك الاجراء الذي يتنافى وحق المواطن القانوني من خلال التدثر بعباءة ممارسة الحق السيادي هو أمر يدعو الى الشفقة والحزن على ما آلت اليه الأمور في الأردن والتفسيرات الخاطئة التي يعطيها بعض المسؤولين لتبرير مخالفة الحكم للقوانين السائدة والضوابط الدستورية التي تحمي مؤسسات الدولة وحقوق المواطن الأردني .
بالاضافة الى كل ذلك ، فإن التعديلات الدستورية المقترحة تدعو الى خلق ” مجلس الأمن الوطني ” كسلطة جديدة أعلى من الحكومة ومجلس النواب ومرجعيتها الوحيدة هي الملك الذي يرأس المجلس المذكور . وقرارات المجلس المذكور هي فوق قرارات الحكومة ويستطيع المجلس المذكور تجميد أو تعديل أو إلغاء أي قرار تتخذه الحكومة ، كما انه في نفس الوقت لا يخضع لرقابة أو موافقة أو محاسبة مجلس النواب عن أي من قراراته وأعماله . باختصار، الأردن في طريقه لأن يصبح دولة أمنية ذات نظام سلطوي دكتاتوري . وهذا قد يشكل مدخلاً للمضي قدماً في تبني الفلسفة الابراهيمية ومشاريعها المشتركة مع اسرائيل دون الحاجة لعبور المسار الدستوري أو الحكومي أو البرلماني لإقرارها .
المشكلة اذاً لا تكمن في الشعب أو في مؤسسات المجتمع المدني بل هي مشكلة النظام السياسي و ما آل إليه الوضع الآن . اصلاح النظام السياسي هي أولوية على أية مطالب اصلاحية أخرى . العودة الى دستور 1952 قد تشكل قاعد الأساس في مطالب اصلاح النظام السياسي . واذا لم ينصلح الحال من فوق فإن الحال لن ينصلح على الاطلاق .
*مفكر عربي
1/12/2021