السيمر / فيينا / الأربعاء 01 . 12 . 2021
معمر حبار / الجزائر
العبرة الأولى: شرط خدمة العالم للمجتمع والدولة:
بعد أن استيقظت من قيلولتي ظهر اليوم، استمعت لسيّدنا عبد الباسط عبد الصمد، رحمة الله ورضوان الله عليه، وهو يرتّل آيات من سورة سيدنا “يوسف” عليه السّلام، بصوت تقشعرّ له الأبدان، ويهزّ الأركان، فكانت هذه الأسطر:
يرسل الملك مبعوثه الشخصي للسجين سيّدنا يوسف عليه السّلام، ويطلب منه المجئ إليه ليستفيد من خدماته التي لايستطيع أحد أن يقوم بها غيره. “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ”، .يوسف – الآية 50.
السجين سيّدنا يوسف عليه السّلام يردّ مبعوث الملك (أي يردّ الملك)، ويشترط عليه -وهو السجين- أن تعلن براءته، وتزال عنه التهمة التي اتّهم بها ظلما وعدوانا. “فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ”، يوسف – الآية 50.
أسرع الملك في تلبية طلب السجين، وكأنّه أمر من السجين إلى الملك. وعقد جلسة علانية لأجل إزالة التّهمة بشكل علني، وفي حضرة الملك، وبطلب من السجين، وبشهادة الذين اتّهموه.
حينها، قال السجين السّابق سيّدنا يوسف عليه السّلام للملك: الآن وقد أزيلت التهمة، أخبرك أيّها الملك أنّي حفيظ عليم، وبمقدوري أن أسيّر الأزمة الغذائية بأحسن ممّا لم تحلم به. “قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ”, يوسف – الآية 155.
كان الملك معجب من قبل بخدمات السجين المتمثّلة في تفسير الرؤيا ورؤيا الملك، أصبح الآن -وبعد إزالة التهمة- معجب بالسّجين السّابق الذي يملك فوق ذاك خدمات حفيظ عليم.
لم يطلب سيّدنا يوسف عليه السّلام إزالة التّهمة من السجينين اللّذين طلبا منه تفسير الرؤيا وهو في السجن، لأنّه في هذه الحالة تصرّف بصفة شخصية. بينما اشترط على الملك إزالة التّهمة لتقديم خدمة تفسير الرؤيا، لأنّه في هذه الحالة تصرّف بصفة رسمية، لأنّ الدولة وعلى لسان الملك وبطلب منه هي التي طلبت منه الخدمة، فكان لابدّ من فرض شرط إزالة التّهمة لخدمة الدولة، والدولة قادرة على ذلك، بينما السجينين عاجزين وغير قادرين.
كان سيّدنا يوسف عليه السّلام يملك من قبل خدمة حفيظ عليم، ولم يظهرها لمن معه، ولا للملك حين سعى إليه بنفسه يطلب خدماته، واكتفى بخدمة تفسير الرؤيا. وحين أزيلت عنه التّهمة عرض على الملك خدماته التي لم يعرضها من قبل وهي حسن تسيير الأزمة الغذائية الاقتصادية والمتمثّلة في حفيظ عليم.
يحتاج العالم لكي يبدع، ويخدم دولته أن تتقرّب إليه الدولة، وتطلب خدماته، وتزيل عنه التّهم التي ألحقت به.
لم يطلب سيّدنا يوسف عليه السّلام من الملك أمرا يخصّه، وهو السّجين المحتاج لكلّ شيء. وكان الملك المبهور بخدماته الأولى، ثمّ الثّانية مستعدّ أن يمنحه كنوز الأرض ويجعلها تحت قدمية، لكن سيّدنا يوسف عليه السّلام اكتفى بفرض شرط إزالة التهمة، بل لم يطلب إطلاق سراحه من السجن، وقد سعى إليه الملك يطلبه، ويقرّبه. مايدلّ على أنّ إزالة التّهمة ركن من أركان الإبداع، وضرورة من ضرورات خدمة العالم للمجتمع، والدولة.
سبق أن قلت في مقالات سابقة أنّ الأمان الذي منحه الملك لسيّدنا يوسف عليه السّلام هو سرّ إبداع سيّدنا يوسف عليه السّلام في الخدمة الأولى أي تفسير الرؤيا. “قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ”، يوسف – الآية 155. مايعني أنّ العالم يحتاج لأمان ليبدع ويخدم المجتمع، والدولة. واليوم أضيف: إزالة التّهمة عن سيّدنا يوسف عليه السّلام من طرف الملك، والمجتمع هي سرّ إبداع سيّدنا يوسف عليه السّلام في الخدمة الثّانية والمتمثّلة في خدمة حفيظ عليم. مايعني أنّ إزالة التّهمة ركن من أركان خدمة العالم للمجتمع والدولة.
الإبداع= الأمان والاستقرار + إزالة التّهمة.
العبرة الثّانية: ملوك تطلب السّجين وتترجاه:
صاحب الأسطر وهو يختم هذه الأسطر وقف على هذه العبرة:
سيّدنا يوسف عليه السّلام وهو متّجه للسجن، يطلب منه العزيز (وهو بمنزلة الملك)، أن يقدّم له خدمة عدم إفشاء السّر.
وهو في السجن يطلب منه الملك خدمة تفسير الرؤيا التي لايحسنها غيره، وقد فشل في أدائها المختصون المحترفون. ” يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا وَٱسْتَغْفِرِى لِذَنۢبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِـِٔينَ”، يوسف – الآية 29.
سجين، يترجاه ملك، ويتودّد إليه ملك آخر ويتقرّب إليه.
إنّ الله تعالى إذا أنعم على عبده: جعل الملوك تترجاه، وهو متّجه لقضبانها ويقبع في قضبانه. فيتحوّل السجين إلى ملك يعد الملك أن لايفشي له سرّا، ويشترط على الملك أن تعلن براءته أوّلا قبل الخروج من السجن.
الخميس 27 ربيع الثاني 1443هـ، الموافق لـ: 2 ديسمبر 2021
الشلف – الجزائر