السيمر / فيينا / الأربعاء 02 . 02 . 2022
رضوان ناصر العسكري
ابرل كلاسبي (April Glaspie) السفيرة الامريكية لدى العراق عندما التقت بصدام حسين في 25 تموز 1990، افهمته انها ومن تمثله تشجعه ضمنياً على تنفيذ تهديداته للكويت، وقالت (ان حكومة بلادها ليس لها رأي في الخلافات العربية العربية) فكانت تلك الخطوة بداية المشروع الامريكي لهدم العراق, والقضاء على قوته العسكرية والاقتصادية التي اصبحت تهدد امن اسرائيل.
امريكا قادرة على اسقاط حكومة صدام في تسعينيات القرن الماضي، لكنها تأنت كثيراً وخططت لعشرات السنين قادمة، لتغذية الاحتقان بين الشعب والحكومة، وكسب وده، فلو دخلت في حينها لواجهة الشعب بكل ضراوة، وهذا سيعيق مشروعها في العراق، وكانت اول خطوة لها منع المعارضة العراقية بقيادة السيد (محمد باقر الحكيم) من دخول البلاد باي شكل من الاشكال، وبعثت رسالة مفادها (اننا سنبيد اي قوة عسكرية تدخل العراق لدعم الثورة)، فهم يعلمون جيداً اكثر من غيرهم حجم الحكيم, ومساحة نفوذه، ومقبوليته شعبياً, ونفوذ كلمته بشكل كبير بين اوساط المعارضة في الداخل والخارج، لمًا يملكه من ارث ديني ومرجعي على صعيد الساحة الدينية والسياسية.
من اجل نجاح امريكا في كسب ود الشعب العراقي، عليها ان تصنع فجوة كبيرة بين الشعب والحكومة، فعملت على تجويعه، بفرض الحصار الاقتصادي عليه، والسماح لصدام بإبادة المعارضة الداخلية الثائرة ضد نظامه، وتضييق الخناق على المعارضة الخارجية من الدخول، وبذلك تجعل الشعب بين سندان الحكومة ومطرقة الحصار ليقبل باي طريقة يزاح بها صدام وحزبه الفاشي، هذا من ناحية.
اما الناحية الثانية هو ايجاد بدائل او رديف، موازي للمعارضة السياسية والعسكرية التي يقودها السيد الحكيم وصناعة واجهات جديدة مدعومة من قبلها وتسويقها اعلامياً ودولياً، وعمل مؤتمرات لها في الخارج، وجلب الانظار الدولية باتجاهها.
مع هذا لم تكن حساباتهم بالدقة المتناهية، بعد مشاهدتهم الترحيب الكبير للشعب العراقي، بالسيد الحكيم، وخروج الناس لاستقباله على طول الطريق الذي سلكه اثناء عودته للعراق، بالإضافة الى خطابه المستمر منذ دخوله وحتى استشهاده عن كيفية اخراج الاحتلال بكافة السبل المتاحة امام الشعب, والدعوة الى تشكيل حكومة وطنية تجمع كافة الاطراف والقوميات, وكتابة الدستور بأيادي عراقية بعيداً عن تدخل الاحتلال، والدعوة الى توحيد الصف العراقي, وحساب مساحة وحجم كل المكونات, ولم يتحدث باي بصورة توحي للهيمنة الفردية او الفئوية على القرار السياسي, او الحكم من طرف واحد، تلك التصرفات السياسية الحكيمة, ومقبوليته الكبيرة بين ابناء الشعب اثارة حفيظة الاحتلال، ودفعتهم الى تصفيته جسدياً، وازاحته عن المشهد السياسي العراقي، وبذلك يمكنهم اضعاف القرار السياسي الشيعي، وتشتيت شملهم, بعد ازاحة الهرم السياسي الاعلى، وصاحب كلمة الفصل النافذة، وبهذا يكون القرار السياسي الشيعي ضعيف ومتذبذب لعدم وجود رأس هرم للقرار السياسي.
لم يكتفوا بذلك بل عمدوا الى وتوجيه الاعلام الداخلي للنيل من المرحوم السيد (عبد العزيز الحكيم) الذي كان يمثله سياسياً، واصبح صمام الامان للشيعة، وبث الدعايات المغرضة ضده، وتحريك جماهير احزاب معينة تجهل العمل السياسي، وليس لها معرفة كافية في الطريقة الاعلامية التي يدير بها الاحتلال عمله داخلياً وخارجياً، كما عملت على صناعة واجهات سياسية شيعية جديدة، وزجها الى المشهد السياسي، فكلما ازدادت اعداد الاحزاب السياسية الشيعية وتنوع نفوذها تدب الصراعات فيما بينهم، وبذلك ضعف القرار السياسي الشيعي، وبدل من بحثها عن المصلحة العامة للبلاد يكون الصراع من اجل المصالح الحزبية والفئوية الخاصة، وهذا ما يزيد التناحر والتشتت، حينها ستكون البدائل للساسة الشيعة جاهزة، وخاضعة للإرادات الاستخباراتية الخارجية، وبالنهاية سيعلن عن وفاة المشروع السياسي الشيعي في العراق.
كان مقتل السيد محمد باقر الحكيم هو بداية لقتل العراق, ومشروع لترهيب الساسة, واخضاعهم للقرار الخارجي, او على اقل تقدير عدم وقوفهم بوجه المشاريع الخارجية، ومن ثم قبولهم بواقع الحال، وخضوعهم لحكم صبيان وجهلة السياسة, وحديثي العمل السياسي، وبهذا لم ينتجوا مشروعاً حقيقياً لبناء الدولة.