السيمر / فيينا / الاثنين 17 . 10 . 2022
د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين
سئل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عما سيفعله بعد انتهاء فترة حكمه كرئيسٍ للولايات المتحدة الأمريكية، فأجاب وهو يظن أنه سينتخب للولاية الرئاسية الثانية، وسليتف حوله المواطنون الأمريكيون، ولم يكن لغرورٍ فيه وغطرسةٍ في نفسه يتوقع الهزيمة والفشل، أو تلك النهاية المخزية التي وصل إليها، بل كان يظن أنه الرئيس الأمريكي الأقوى والأكثر شعبية في تاريخ الولايات المتحدة، وأنه جعل أمريكا أكثر قوةً وعظمةً مما كانت عليه، فكانت إجابته التي ظن البعض أنها مزحة عابرة أو نكتة خفيفة، أنه سيترشح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، وسينتخبه الإسرائيليون إيماناً منهم أنه الأقوى بينهم والأفضل فيهم، والأكثر حرصاً على كيانهم، وعملاً لمشروعهم، وإخلاصاً لمعتقداتهم.
لا يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان يمزح ويسخر، أو يحلم ويهرطق، بل كان جاداً في تصريحه، ومقتنعاً بما يقوله، وواثقاً أنه سينال ما يريد إن عزم على الترشح وخوض غمار الانتخابات الإسرائيلية، فقد قدم للكيان الصهيوني ما لم يقدمه أي رئيسٍ أمريكيٍ سابق، وتعهد لهم بأكثر مما يتوقعون ويأملون، وظن أنهم سيحفظون وده، وسيوفون له بعهده، وسيكافئونه على ما قدم وأعطى، وسيقفون إلى جانبه عندما يحتاج إليهم أو يستصرخهم.
كأنه لا يعلم أن “اليهود” هم أكثر من ينكر العشير ويكفر بالمعروف، وينسى الفضل ولا يعترف بأهله، والمشهور عنهم أنهم ينقلبون على حلفائهم، ويغدرون بأصدقائهم، ولا يوفون عهودهم، ولا يحفظون كلمتهم، ويخونون أقرب الناس إليهم وأكثرهم خدمةً لهم وصدقاً معهم، وأن مصالحهم مقدمة على المبادئ، ومنافعهم تسبق القيم والمثل، وأنهم الذين قتلوا أنبياءهم وتخلوا عن رسلهم، لن يصعب عليهم الانقلاب على من أسدى إليهم معروفاً، والتخلي عمن ضحى من أجلهم.
اليوم وقبل أيامٍ قليلة على الانتخابات النصفية التشريعية الأمريكية، وقبل سنتين من الانتخابات الرئاسية، التي ستجري في منتصف العام 2024، يعلو صوت الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي سيترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وسيدعم مرشحيه في الانتخابات النصفية، بغضب ضد اليهود الأمريكيين، متهماً إياهم بعدم الولاء له، وعدم تقدير جهوده، وأنهم لا يدعمون حملته الانتخابية، ولن يصوتوا له في الانتخابات الرئاسية، رغم أنهم يعلمون حجم الخدمات التي قدمها للكيان، وبالمقابل فقد وصف اليهود في “الكيان الصهيوني” أنهم أكثر صدقية معه ووفاءً له، شأنهم شأن المسيحيين الانجليين الذين يرونه المنقذ والمخلص.
يبدو أن يهود الولايات المتحدة الذين لا يقلون عنصريةً وصهيونيةً عن ترامب، ولا عن أي يهوديٍ آخر يعيش غاصباً مستوطناً في فلسطين المحتلة، لم تعجبهم تصريحات ترامب، ولم يرق لهم نقده وتوجيه الاتهامات لهم، فدعوه إلى الصمت والكف عن مثل هذه التصريحات، ورأوا أن أفعاله تتناقض مع القيم الصهيونية، التي تدعو إلى خدمة “إسرائيل” بصمت، وإلى التضحية في سبيلها بلا مقابل، بيد أنه يصخب بأعماله، ويجاهر بإنجازاته، ويستفز الجميع بخدماته، وينتظر من “اليهود الصهاينة” بدلاً لجهوده، وثمناً لمواقفه.
يحاول ترامب استفزاز كل الأطراف لتعمل في حملته الانتخابية، وتقوم على خدمة برنامجه والدفع به إلى سدة الرئاسة الأمريكية من جديد، فهو يمتدح يهود “إسرائيل” وينفخ فيهم ويغريهم، ويظن أنهم يحبونه ويوالونه ويقدرون جهوده، كما يمدح المسيحيين الإنجيليين ويحرضهم على دعمه وتأييده، ويرى أنهم الأكثر صدقاً ووفاءً مع “إسرائيل”، لكنه ينتقد يهود أمريكا ويقسو عليهم، ويتهمهم بالخيانة وازدواجية الولاء، بينما تتطلع عيونه إليهم، ويتوقع أن تصب أصواتهم في صناديقه الانتخابية، فلا ينتخبون غيره، ولا يدعمون حملة من ينافسه.
ليس من المستبعد أبداً أن ينجح ترامب في العودة إلى سدة الرئاسة الأمريكية من جديد، وقد يفرح اليهود بعودته، وقد يسعد الإسرائيليون بانتصاره، وقد يمهد الإنجيليون لانتخابه، وقد يكون سبباً في العلو الإسرائيلي الأخير وفسادهم الأكبر، ولكنه سيكون حتماً علو السقوط، وزهو الموت وعتبة النهاية، فما بعد هذا العلو ليس إلا عباداً لله وجنداً للحق، يجوسون خلال الديار ويتبرون ما علوا تتبيراً، يحررون الأرض ويطهرون المقدسات، ويدخلون المسجد الأقصى، ويعيدون مجد الأمة.
بيروت في 17/10/2022