أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / جهل ومقدس

جهل ومقدس

السيمر / فيينا / الجمعة 16 . 12 . 2022

نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي 

لايخفى على أي متابع سواء كان قارئ أو باحث، عندما يقع نظره على كتاب يحمل عنوان الجهل  المقدس، يكون العنوان  جذاب يجذب غالبية الناس لمعرفة محتوى الكتاب، كاتب فرنسي ألف كتاب الجهل المقدس، اسم الكاتب هو أوليفييه روا، الكاتب الفرنسي باحث  متخصصٌ في الشؤون الإسلامية، وقد ترجم  الكتابَ إلى العربية من قبل مترجم لبناني صالح الأشمر، الكاتب ركز على نقطة جدا مهمة وهي غسيل الأدمغة، عبر تمرير الخطاب الديني مباشرة للناس، وهذا الأسلوب لغسل الأدمغة موجود بشكل كبير وواضح في غالبية الدول العربية والإسلامية.

بحقبة نظام البعث، ركز الإعلام البعثي الطائفي على غسيل ادمغة الأطفال والشباب والرجال والنساء من خلال أتحادات النساء للترويج لثقافة الكراهية والبغضاء ضد مكونات عراقية مهمة تشكل العمود الفقري للنسبج المجتمعي  الشعبي العراقي، تبدأ عملية غسل الادمغة من المدرسة ومن الإذاعة والتلفزيون والصحف ومن خلال خطيب صلاة الجمعة الذي كان يمجد في أساليب الطاغية الهالك صدام الجرذ والذي مرت يوم امس ذكرى اصطياده من قبل القوات الامريكية ومجاميع عراقية في عرينه حفرة الجرذان بالقرب من قرية العوجة مسقط رأسه، صدام الجرذ خصص وزارة الثقافة والاعلام للترويج لثقافة البعث، مضاف لذلك الفروع والمقرات الحزبية في المحافظات والفروع والاقضية والنواحي والاحياء الشعبية والقرى، صدام الجرذ اتبع ارذل الطرق الطائفية والشوفينية في التعامل مع ابناء الشعب وبشكل خاص مع الشيعة والأكراد، عمل حملة إيمانية بعد أحداث انتفاضة آذار عام ١٩٩١، طبيعة المواطن العادي متعطش لمعرفة الدين لذلك كانت الأرض خصبة في الترويج لثقافة البعث عبر الدين، لكن حركة الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر رضوان الله عليه قلبت المخطط الذي اراده البعثيين وأصبح لدى الشيعة وعي إسلامي معارض لنظام صدام الجرذ الهالك، كانت النتيجة استشهاد الشهيد الصدر ونجليه رضوان الله وسلامه عليهم، لكن ثقافة البعث بقيت في الحملة الايمانية للترويج للفكر التكفيري الوهابي وتم كسب أعداد من الشيعة ليصبحوا وهابية وتم دعمهم بالمال والامكانيات لكن بسقوط الصنم سقط مشروع البعثيين بشكل سريع وعاد الكثير من المغرر بهم واعلنوا برائتهم من الوهابية والتكفير وهرب عدد منهم إلى خارج العراق، وايضا بعضهم راجع أفكاره وترك الوهابية وعاد إلى وضعه الطبيعي السابق لكن هذه المرة متسلح في المعرفة والإيمان.

الدولة السعودية عائلة حاكمة ومؤسسة دينية عمل الجميع على نشر الفكر الوهابي الديني المتطرف، من المدرسة والاذاعة والتلفزيون وخطباء المساجد، ومعهم مجاميع الشرطة الدينية التي تسمى بالمطاوعة، ربما الان تم تغير اسم الشرطة الدينية إلى مؤسسة مدنية للتغطية على اجرامهم وخداع العالم أن هناك إصلاح ديني بالسعودية، الإصلاح الحقيقي يبدأ من المدرسة والمؤسسة الدينية وليس في إقامة المهرجانات الداعرة وشرب الخمور وتنظيم حفلات تجمع الجنسين، وسائل إعلام الدولة السعودية عمل على تثقيف الشعب السعودي وكل شعوب العالم عن طريق مؤسسات الإغاثة أو رابطة العالم الإسلامي على نشر أفكار ابن تيمية التكفيرية، غالبية الناس لا يمتلكون ثقافة عالية لذلك غالبية الناس يرغبون  في  الوصول إلى معرفة الدين والعقيدة من دون تعمق، بل على ظواهر الأشياء.

لذلك انتهج الوهابيين أسلوب نشر الوهابية في الدول العربية والافريقية والاسلامية الفقيرة من خلال المال وتدريس عشرات آلاف الطلاب في الجامعات الدينية السعودية واعادتهم إلى بلدانهم أئمة مساجد مع دعم مادي مفتوح تدعمه المؤسسات الاغاثية أو رابطة العالم الاسلامي أو من خلال المؤسسات الخيرية التي تجمع أموال الزكاة والتبرع في بناء المساجد من قبل مواطنين في دول الخليج الغنية البترولية، تم تقديس الحركة الوهابية من خلال تقديس الخطاب الإسلامي الوهابي، انتهى وقت قال الله عز وجل، وجاء دور ووقت قال شيخ الإسلام ابن تيمية، تم تقديس فتاوى ابن تيمية وابن عبدالوهاب وأصبح زمن قداسة الجهالة، الإسلام كدين حرم قتل النفس البشرية البرئة لكن ابن تيمية جعل قتل النفس البشرية من أعظم الأعمال المستحبة التي تعطي القاتل أفضل المرتبات بالجنة والزواج من الحور العين، تم تخدير العقول البشرية الساذجة في اسم قداسة فتاوى ابن تيمية وابن عبدالوهاب، بل هناك آلاف البسطاء من الأشخاص تورطوا بسفك دماء الناس بدون علم ومعرفة ودخلوا ضمن دائرة   الشرك دون أن يعلمون،  وكم من الناس تم قتلهم بالمفخخات والاحزمة الناسفة والعبوات والسبايا، كل هؤلاء الضحيا كان سببها الجهالة المقدسة التي غيبت العقل وحجبت ثقافة التنور والوسطية،  قتل الملايين بسبب فتاوى مصدر هذه الفتاوى  من مصادر الجهالة والقداسة المزيفة والمجرمة، مارايناه من جرائم ذبح وقتل طالت ملايين العراقيين والسوريين كانت اجتهادات أفراد درسوا الفكر الوهابي وهذه الفتاوى مشتقة من فتاوى ابن تيمية والتي أصبحت دستور وعقيدة الذباحين وفي اسم الدين والسلف الصالح المقدس للاسف، بينما صحابة السلف هم بشر بغالبيتهم عاديين قتل بعضهم البعض الاخر، ومنهم من عصى رسول الله ص ورفض أوامر النبي ص ولنا بواقع رزية الخميس والتي ذكرتها كل كتب صحاح السنة قبل الشيعة، هناك من نجى من عمليات القتل بالعراق أما عن طريق ينكر مذهبه ويدعي انه سني المذهب، أو عن طريق الصدفة يبقى حي بعض الضحايا من خلال حمايته من بعض العوائل السنية الشريفة، كل أقوال الناجين أن قرارات القتل تصدر من شيخ المجموعة الارهابية، جيراني عاىلة من البصرة وقعوا في يد تنظيم القاعدة عان ٢٠٠٥ بالرمادي بطريقهم إلى سوريا،  بعد الحديث معهم قالوا لهم ننتظر رأي الأمير حولكم، صدفة مرت دورية امريكية احد ابناء العائلة تكلم مع الجندي الأمريكي بالغة الانكيليزية وتم انقاذهم، قناة العراقية نشرت اعترافات أمراء من شيوخ المجاميع الارهابية، هؤلاء هم من يصدرون أوامر القتل، بل حتى الظواهري  بخطاب بثته قناة الجزيرة طلب من الزرقاوي الهالك بعد استهداف التجمعات المدنية لكن كلام الظواهري لاقيمة له أمام تابعه وتلميذه احمد الخلايله المكنى بالزرقاوي، في الجزائر وحدها، سقط بسبب جرائم التكفيريين الوهابيين في  الحرب الأهلية أكثر من ٢٥٠ ألف ضحية، وفي العراق أكثر من مليون، وفي سوريا، واليمن، وليبيا، والسودان، ومصر، وفي أفغانستان وباكستان ونيجيريا والنيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو و و عشرات الدول الأخرى التي طالها إرهاب المجاميع الوهابية التكفيرية.

يقول الكاتب الفرنسي صاحب كتاب الجهالة المقدسة، 

لا يوجد شيء أكثر فتكاً بالمجتمعات من الجهالة الجهل المقدس، نعم كلامه جدا صحيح، الجهل المقدس قنبلة دمار شامل موقوته تفجر حال وقوع اضطرابات أو مشاكل داخل المجتمع الواحد.

الجهل موجود في كل المجتمعات وخاصة الشرق اوسطية لذلك لايخلو اي حزب سياسي من وجود انتهازيين ووصوليين سواء كانت أحزاب دينية أو يسارية أو قومية، الأرضية والبيئة المجتمعية في الدول العربية أرض خصبة لحمل معاول الهدم والخراب والدمار بظل وجود صراعات قومية ومذهبية مستدامة، في الدول الدكتاتورية العربية لا يمكن لآلية الحكم أن تعمل وتبسط نفوذها وسلطتها بدون دعم ثقافة حزب مثل البعث الساقط مع فكر ديني ساند له، لأن طبيعة الناس مع التدين، لولا المؤسسة الدينية الوهابية بالسعودية لسقط النظام، هناك حقيقة علينا أن نعترف بها أن الصراع بين الحق والباطل، والشر والإيمان، ومابين التطرف والاعتدال   سيظل قائمًا ما بَقِيَت السموات والأرض، لا تهدأ مَعاركه، ولا تنتهي حوادثه، لكن مهما بلغت قوةُ الباطل وصَولته، ومهما كانت دولته وكثرته، فإن العاقبة ستكون بلا شك حسب رأي المؤمنين تكون العاقبة الجيدة  لأولياء الله المتَّقين، بكل الأحوال لايمكن قهر واذلال الشعوب ولابد أن تنهض مهما تم تخدير الشعوب في اسم جهالة القداسة.

 لننظر للوضع العراقي صرفت مئات مليارات الدولارات وشاركت فيالق اعلامية وبدعم مخابراتي إقليمي ودولي لكن النتيجة لاشيء، نعم  دعاة الباطل، من الكذابين والمفترين ليس لهم إلا الحُجَج الواهية التي تركِّز على الكذب والخداع. 

في الختام نضع قول إلى المفكر المصري سامح عسكر والذي كان إسلامي إخواني متوهب وترك الوهابية وأصبح ليبرالي، (‏معلومة، أن فتاوى السلفيين منحازة لعقيدتهم ورموزهم وشيوخهم حتى لو خالفت الإسلام أو مذهب السنة لتعصبهم الشديد، كمثال تحريم ابن عثيمين وصف (حجة الإسلام) والسبب إطلاقه على الشيخ أبو حامد الغزالي الصوفي، بينما أجاز وصف (شيخ الإسلام) لأنه لقب مشهور للأب الروحي له ابن تيمية الحراني).

15/12/2022

اترك تعليقاً