السيمر / فيينا / السبت 28 . 01 . 2023
أثار نشر مقطع فيديو يظهر اعتداء رجال شرطة على أمريكي أسود قبل وفاته احتجاجات في الولايات المتحدة، وسط تجدد الجدل حول عنف الشرطة. وقارن كثيرون وفاة تايري نيكولز بمقتل جورج فلويد في 2020.
نشرت سلطات مدينة ممفيس الأمريكية الجمعة (27 كانون الثاني/يناير 2023) مقطع فيديو مؤلمًا يظهر رجال شرطة ينهالون ضربًا على رجل أسود في التاسعة والعشرين أفضى إلى وفاته، ما أثار احتجاجات محدودة في عدد من المدن الأمريكية تنديدًا بسلوك الشرطة، دون أن تتطور إلى اضطرابات كان يخشاها المسؤولون.
ويُظهر مقطع فيديو طويل التُقط بكاميرات الشرطة وكاميرا لمراقبة الشوارع عناصر الشرطة يعتقلون نيكولز ويحاولون تثبيته باستخدام صاعق ثم مطاردته بعد محاولته الفرار منهم. وتظهر مشاهد لاحقة من الفيديو الذي يمتد قرابة الساعة وتُسمع في أجزاء منه أصوات، نيكولز وهو يبكي وينادي والدته ويئن بينما كان الشرطيون ينهالون عليه لكمًا وركلًا.
وخلال مؤتمر صحافي في وقت سابق الجمعة، دعت والدة الضحية روفون ويلز إلى التزام الهدوء، لكنها توجهت إلى رجال الشرطة الذين ضربوا ابنها “حتى الموت” على حد تعبيرها، بالقول “لقد تسببتم بالعار لعائلاتكم بفعلتكم هذه”.
وتحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن مع والدة نيكولز التي قال إنها “من الواضح أنها تعاني ألمًا شديدًا”، وأثنى على “شجاعة الأسرة وعزيمتها” و”مناشدتها القوية” للحفاظ على سلمية الاحتجاجات.
مظاهرات في عدة مدن
ونيكولز أب لطفل عمره أربعة أعوام، وكان يعمل لدى شركة فيديكس. وكان يحب التزحلق على ألواح الركمجة والتقاط الصور، وكان على ذراعه وشم يحمل اسم والدته. وقالت ويلز في المؤتمر الصحفي: “قلبي يعتصر ألمًا … أن تعرف أم أن ابنها كان يناديها في وقت الحاجة ولم أكن بجانبه”، وأضافت: “ابني كان طيب القلب … كان صالحًا. لا يوجد إنسان كامل لكنه كان قريبًا من ذلك”.
وخرجت احتجاجات في ممفيس وواشنطن ونيويورك وفيلادلفيا وأتلانتا ومدن أخرى مساء الجمعة وإن بقيت محدودة وسلمية إلى حد كبير. في وسط مدينة ممفيس، تجمع حوالى 50 متظاهرًا في حديقة عامة وأغلقوا لاحقًا طريقًا رئيسيًا وساروا هاتفين “لا عدالة، لا سلام” و”قولوا اسمه: تايري نيكولز”.
وقال البيت الأبيض إن كبار موظفيه عرضوا على رؤساء بلديات أكثر من 12 مدينة، من بينها أتلانتا وشيكاغو وفيلادلفيا تقديم مساعدة فدرالية في حال خروج تظاهرات. وقارنت قائدة شرطة ممفيس سيريلين ديفيس الفيديو بمشاهد ضرب رودني كينغ عام 1991 والتي أعقبتها أيام من أعمال شغب خلفت عشرات القتلى.
وقالت ديفيس: “كنت في أجهزة تطبيق القانون أثناء حادثة رودني كينغ، وهذا يشبه كثيرًا ذلك النوع من السلوك”، مضيفة: “بل أقول إنه نفس السلوك، إن لم يكن أسوأ”. وكانت والدة نيكولز قد اتهمت الشرطة بمحاولة إخفاء ضرب ابنها بعد أن جاؤوا إلى منزلها لإبلاغها بأنه أوقف بسبب القيادة تحت تأثير الكحول وبأنهم اضطروا لاستخدام رذاذ الفلفل والصاعق بعد مقاومته تكبيلهم له.
“جورج فلويد” جديد؟
وقارن كثيرون وفاة الشاب بمقتل جورج فلويد في أيار/مايو 2020، الأمريكي الأسود الذي قضى اختناقًا تحت ركبة شرطي أبيض في مينيابوليس. وأثار فيديو مقتل فلويد موجة من الاحتجاجات العنيفة في أنحاء البلاد وخارجها، وأعاد إطلاق الجدل بشأن العنصرية وسلوك الشرطة الوحشي في الولايات المتحدة. وأدين الشرطي ديريك شوفين بالقتل في قضية غير مسبوقة، بعد أن ضغط بركبته على رقبة فلويد لنحو عشر دقائق.
وبعد عامين من مقتل فلويد، بلغ عدد الذين قتلوا في احتكاك مع الشرطة مستوى قياسيًا هو الأعلى منذ عشر سنوات وصل إلى 1186 قتيلًا خلال العام 2022، وفق ما أورد موقع “مابينغ بوليس فايلنس” (مسح عنف الشرطة)، وبينهم 26% من السود في حين أنّهم لا يمثّلون سوى 13% من مجموع السكان.
ويرى الناشطون أن المشكلة تكمن في الصلاحيات الواسعة الممنوحة للشرطة الأمريكية لتوقيف أشخاص حتى في قضايا مخالفات صغرى. ورأت كاثي سينباك مديرة الفرع المحلي للاتحاد الأمريكي للحقوق المدنية أنه “يجب أن نتوقف عن الاعتماد على الشرطة لمعالجة المشكلات المرتبطة بالفقر أو سوء الاستثمار في بعض الأحياء”، مضيفة أن “هذا يقود إلى أعمال أكثر تواترًا وغير مفيدة وعدوانية”. وبحسب أرقام منظمة هيومن رايتس ووتش، قتلت الشرطة الأميركية حوالى 600 شخص في عمليات تدقيق مروري منذ 2017.“خوف كبرنا عليه ونعيش معه”!
وفي حديقة عامة في ممفيس حيث كان يقيم نيكولز، وضعت أزهار وأضيئت شموع قرب لافتات كتب عليها “العدالة لتايري”. وقال روبرت والترز (67 عامًا) الذي جاء في زيارة إلى المدينة مع زوجته إنهما سيعودان إلى منزلهما في فرجينيا تجنبًا لاندلاع أعمال عنف. وأضاف لفرانس برس: “أنا مواطن أسود في أمريكا وهذا الخوف شيء كبرنا عليه ونعيش معه” في إشارة إلى عنف الشرطة.
وأوقف الشرطيون الخمسة المتورطون في ضرب نيكولز الخميس بعد تحقيق داخلي سريع توصل إلى أنهم استخدموا القوة المفرطة ولم يقدموا المساعدة. وإضافة إلى تهمة القتل من الدرجة الثانية، يُتهم عناصر الشرطة بالاعتداء المشدد والخطف المشدد.
وأطلق سراح أربعة منهم بكفالة، على ما ذكرت وسائل إعلام أمريكية نقلًا عن وثائق قضائية. وحقيقة أن الشرطيين من السود “تؤلم”، وفق والترز.
وقال: “قد تعتقد أن هؤلاء الأشخاص، يجب أن يعرفوا (أكثر من غيرهم)، لكن الأمر يظهر أن أي شخص يمكن أن يقع في الفخ”، وأضاف: “أريد فحسب أن يحافظ الناس على الهدوء وألا يتسببوا بأضرار أو أذى”.
م.ع.ح/ع.أ.ج (أ ف ب)