فيينا / الأحد 09 . 06 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
جاء في کتاب الحج في الشريعة الإسلامية الغراء للشيخ جعفر السبحاني: ابتدأ الكتاب بهذه الآية المباركة “فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” (التوبة 122) حيث يقول الشيخ السبحاني: هذه خلاصة ما ألقيته على جمّ غفير من فضلاء الحوزة العلمية حول مسائل الحجّ، راجيا منه سبحانه أن ينتفع به روّاد العلم، و يكون لي ذخرا في الآخرة.
يقول الشيخ جعفر السبحاني في كتابه: قال جابر رضي اللّه عنه: لسنا ننوي إلّا الحجّ لسنا نعرف العمرة. حتّى إذا أتينا البيت معه استلم الرّكن فرمل ثلاثا و مشى أربعا، ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: “وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى” (البقرة 125)، فجعل المقام بينه و بين البيت فكان أبي يقول: (و لا أعلمه ذكره إلّا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقرأ في الرّكعتين قل هو اللّه أحد، و قل يا أيّها الكافرون، ثمّ رجع إلى الرّكن فاستلمه، ثمّ خرج من الباب إلى الصّفا، فلمّا دنا من الصّفا قرأ: “إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ” (البقرة 158) أبدأ بما بدأ اللّه به، فبدأ بالصّفا فرقي عليه حتّى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحّد اللّه و كبّره
وعن رسالة السيد البروجردي الى ملك المملكة العربية السعودية يقول الشيخ السبحاني في كتابه: أرسلت حديثا طويلا في صفة حجّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، رواها مسلم في صحيحه و أبو داود في سننه، و يستفاد منه أكثر أحكام الحجّ إن لم يكن كلّها، و أسأل اللّه عزّ شأنه أن يؤلف بين قلوب المسلمين، و يجعلهم يدا واحدة على من سواهم، و يوجههم إلى أن يعملوا بقول اللّه تعالى: “وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِيعاً وَ لٰا تَفَرَّقُوا” (ال عمران 103)، و أن يجتنبوا التدابر و التباغض و اتباع الشهوات الموجبة لافتراق الكلمة، و أن يلتزموا بقول اللّه: “يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَتَبَيَّنُوا وَ لٰا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقىٰ إِلَيْكُمُ السَّلٰامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا” (النساء 94). و السلام عليكم و رحمة اللّه. و تتميّز مسائل الحجّ عن مسائل سائر الأبواب انّ الخلاف فيها بين الفريقين قليل، و المشتركات فيها كثيرة، و لعلّ من علله رجوع أكثر الناس في مسائله في أيّام الخلفاء إلى أئمّة أهل البيت: خصوصا الإمام الصادق عليه السلام كما مرّ.
وعن علاقة الحج بالإيمان ووجوبه يقول الشيخ جعفر السبحاني: لحجّ من أركان الدين عدّ المصنّف الحجّ من أركان الإيمان، وهو رهن توضيح، فإن أراد بها ما يدخل به الإنسان في حظيرة الإسلام فالحجّ ليس منه، إذ يكفي في انخراط الإنسان في عداد المسلمين الشهادتان مقرونتين بالشهادة للمعاد، و قد كان النبي يقبل إسلام من يشهد توحيده سبحانه و رسالته صلى الله عليه وآله وسلم، و بما أنّ العقيدة باللّه سبحانه لا تعدّ دينا ما لم يشهد بالحساب و الكتاب و الحشر و النشر، أضيف إلى الشهادتين، الشهادة بالمعاد، و لذلك نرى أنّه سبحانه يعطف الإيمان باليوم الآخر على الإيمان باللّه سبحانه و يقول: “مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ” (البقرة 62). الحجّ واجب عيني على المستطيع و يدلّ على وجوب الحجّ مضافا إلى كونه من ضروريات الفقه، بل الدين قوله سبحانه: “وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا” (ال عمران 97) حيث جعل الحجّ في ذمّة الناس و هو آية الوجوب العيني كقوله: عليه الصلاة، عليه الصوم. إنّه سبحانه وصف منكر الوجوب بالكفر و قال: “وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ” (ال عمران 97)، و فسّره الطبرسي بإنكار وجوبه. أنّ الكفر في الآية فسّر بترك الحجّ، في رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام بعد قراءة الآية قال: هو لمن كان عنده مال، إلى أن قال: و عن قول اللّه عزّ و جلّ “وَ مَنْ كَفَرَ” يعني من ترك. و بما أنّ ترك الحجّ عصيانا لا يوجب الكفر اتفاقا، فلا بدّ من تفسير الكفر في الآية بكفر النعمة في مقابل كفر الملّة، قال سبحانه: “إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً” (الانسان 3) فشكر النعمة عبارة عن صرفها في محلّها و كفرها عبارة عن خلافه، فعلى ذلك فالمراد من كفر بالنعمة مع الاستطاعة المالية و البدنية، و لم يحجّ فلا يضرّ اللّه شيئا فإنّ اللّه غني عن العالمين. و ربما يستدلّ على كفر الجاحد بما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام، و ذلك قوله تعالى: “وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ” (ال عمران 97)، قال: قلت: فمن لم يحجّ منّا فقد كفر؟ قال: (لا، و لكن من قال: ليس هذا هكذا فقد كفر). فإنّ قوله: (ليس هذا هكذا) أي: ليس الحجّ واجبا. يلاحظ عليه: أنّ الحديث غريب حيث أوجب الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام، و هو ما لم يذهب إليه أحد إلّا الصدوق كما سيأتي، مضافا إلى احتمال أنّ قوله: (ليس هذا هكذا) هو إنكار كون القرآن وحيا سماويّا و انّ النبي رسول مبعوث من اللّه سبحانه. هذا كلّه حول الجاحد.
وعن علاقة النسيء بالحج يقول الشيخ السبحاني في كتابه: حمله المحقّق الخوئي على ما في تقريراته من أنّها ناظرة إلى ما كان يصنعه أهل الجاهلية من عدم الإتيان بالحجّ في بعض السنين لتداخل بعض السنين في بعض بالحساب الشمسي، فإنّ العرب كانت لا تحجّ في بعض الأعوام، و كانوا يعدون الأشهر بالحساب الشمسي، و منه قوله تعالى: “إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيٰادَةٌ فِي الْكُفْر” (التوبة 37) و ربما لا تقع مناسك الحجّ في شهر ذي الحجّة فأنزل اللّه الآية ردّا عليهم. فالمقصود أنّ كلّ سنة قمرية لها حجّ و لا يجوز خلوّها عن الحجّ، لا أنّه يجب الحجّ على كلّ أحد في كلّ سنة. إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حجّة الوداع شارك في مراسم الحجّ شخصيا و قام بتعليم الناس مناسك الحجّ، فجعل الشهر الحرام في مكانه الأصلي و لم يتغير بعده إلى عصر الصادق حتّى يركّز الإمام على خلافه، و قال صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته: (أيّها الناس “إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيٰادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عٰاماً لِيُوٰاطِؤُا عِدَّةَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ فَيُحِلُّوا مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ و يحرّموا ما أحلّ اللّه” (التوبة 37) و إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السماوات و الأرض، و إنّ عدّة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متوالية (ذو القعدة، و ذو الحجّة، و شهر المحرم، و رجب)).