فيينا / السبت 15 . 06 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
شارك عشرات الآلاف من المتظاهرين في العاصمة باريس وكبرى المدن الفرنسية السبت في مسيرات ضد اليمين المتطرف الذي يتصدر نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية التي تنظم دورتها الأولى في 30 حزيران/يونيو ودورتها الثانية في 7 تموز/يوليو. وتأتي هذه المظاهرات بدعوة من النقابات العمالية واليسار الفرنسي الذي وحد صفوفه تحت راية “الجبهة الشعبية الجديدة” لمنع وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في فرنسا.
وسط إجراءات أمنية مشددة، خرجت في باريس وعدة مدن فرنسية السبت مظاهرات ضد اليمين المتطرف الذي يواصل حصد النقاط في استطلاعات الرأي قبل أقل من أسبوع من الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها الرئيس إيمانويل ماكرون بعد الفوز التاريخي الذي حققه حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف (أكثر من 31%) في الانتخابات الأوروبية التي جرت في التاسع من يونيو 2024.
وينتظر أيضا خروج حوالي مئتي تظاهرة في عطلة نهاية الأسبوع، قبل أسبوعين من موعد استحقاق تشريعي سيؤدي الى إعادة تشكيل المشهد السياسي الفرنسي في تطوّر ينطوي على فوضوية كبيرة.
ففي وقت تشير التوقعات إلى أن ائتلاف الأحزاب اليسارية الذي تشكل تحت تسمية “الجبهة الشعبية الجديدة” سيكون الخصم الأول لـ”التجمع الوطني”، الحزب اليميني المتطرف الذي كان الفائز الأكبر في الانتخابات الأوروبية في فرنسا ويتصدر نوايا الأصوات بفارق كبير عن المعسكر الرئاسي، نزل آلاف الأشخاص منذ مساء الجمعة إلى الشوارع في عدد من المدن في تظاهرات تخللتها في ليون (وسط شرق) أعمال عنف أوقعت أربعة جرحى ثلاثة منهم شرطيون، بحسب السلطات المحلية.
تعبئة نحو 21 ألف عنصر من الشرطة والدرك
وبدأت المظاهرات قبل ظهر السبت في بايون (جنوب غرب) وتولون (جنوب شرق) وفالانسيان (شمال) ومدن أخرى، فيما انطلقت المسيرة في باريس في الساعة 14,00 (12,00 ت غ)، على أن تجري المظاهرة في ليون، ثالث أكبر مدن فرنسا، الأحد.
وتوقع مصدر في الشرطة نزول 300 إلى 350 ألف متظاهر إلى الشوارع، بينهم 50 إلى 100 ألف في العاصمة. في المقابل، تمت تعبئة نحو 21 ألف عنصر من الشرطة والدرك.
وأعلنت ماريليز ليون رئيسة “الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل”، إحدى النقابات الخمس التي دعت إلى التعبئة، في تصريح لإذاعة فرانس إنتر “نعيش لحظة تاريخية” داعية إلى التظاهر ضد “برنامج اليمين المتطرف الذي يقضي على العمال والعاملات”.
وتمثل المظاهرات التي دعا إليها قادة اليسار منذ مساء الإثنين، مؤشرا إلى مدى شعبية “الجبهة الشعبية الجديدة”، الائتلاف الانتخابي الذي يضم الأحزاب اليسارية الكبرى وفي طليعتها “فرنسا الأبية” (يسار راديكالي) والحزب الاشتراكي، مرورا بأنصار حماية البيئة.
تحالفات وتصدعات حزبية
وبعدما كانت الوحدة بين هذه الأحزاب غير مطروحة قبل الأحد في ظل الخلافات الكبرى في مواقفها، أُعلن تشكيل الائتلاف هذا الأسبوع تحت برنامج مشترك.
غير أن تصدعات ظهرت ليل الجمعة في وحدة الصف هذه مع إعلان فرنسا الأبية ترشيح النائب المنتهية ولايته عن الشمال أدريان كاتنانس الذي واجه تنديدا بعدما حكم عليه لإدانته بأعمال عنف أسرية.
في المقابل، استبعد الحزب ترشيح بعض وجوهه التاريخية مثل دانيال سيمونيه وأليكسي كوربيار وراكيل غاريدو، فنددت الأولى بـ”حملة تطهير” فيما اتهم الثاني زعيم الحزب جان لوك ميلانشون بـ”تسوية حساباته”.
وأعربت رئيسة أنصار البيئة مارين توندولييه عن “صدمتها الكبرى” لهذا “التطهير” داخل فرنسا الأبية، ودعت صباح السبت هيئات حزبها للاجتماع، داعية الجبهة الشعبية الجديدة إلى دعم المرشحين الذين استبعدهم حزب اليسار الراديكالي.
من جانبه، اعتبر رئيس الحزب الاشتراكي أوليفييه فور “طرد” نواب فرنسا الأبية “المتمردين” بمثابة “فضيحة”.
وكان ماكرون انتقد مساء الجمعة الخلافات الداخلية في صفوف اليسار واصفا التكتل بأنه “استعراض غير مترابط إطلاقا”. واعتبر أن كل طرف “يفكر بصورة مناقضة” للآخر مضيفا “إننا عند المجانين، هذا ليس جديا”.
وتطرح الجبهة الشعبية الجديدة في برنامجها “قطيعة تامة مع سياسة إيمانويل ماكرون”، وفق ما أوضح منسق “فرنسا الأبية” مانويل بومبار، ولا سيما مع إلغاء إصلاح النظام التقاعدي، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 1600 يورو (مقابل 1383 يورو حاليا)، فضلا عن مكافحة معاداة السامية والتنديد بـ”مجازر حماس الإرهابية” في إسرائيل”، وهما موضوعان أثارا خلافات كبرى بين أحزاب اليسار خلال حملة انتخابات البرلمان الأوروبي.
“مهندسو الفوضى”
من جهته، علق رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا الجمعة “الجمهورية في خطر بوجه مهندسي الفوضى هؤلاء الذين يدعون إلى الانقسام”.
واعتبر بارديلا المرشح في سن 28 عاما لرئاسة الحكومة، أن “تشكيلين سياسيين” فقط يمكنهما “تشكيل حكومة”، وهما التجمع الوطني الذي يتصدر استطلاعات الرأي والائتلاف اليساري الجديد.
وندد بالمظاهرات المقررة مشددا على أنه “لا يمكن نقض الديموقراطية إلى حد رفض نتيجة صناديق الاقتراع”.
وتجري تظاهرات وتجمعات بصورة شبه يومية منذ الأحد في جميع أنحاء فرنسا.
وشهدت فرنسا قبل 22 عاما تعبئة جمعت حوالى مليون متظاهر في الأول من أيار/مايو 2002 احتجاجا في ذلك الوقت على مرور زعيم “الجبهة الشعبية” جان ماري لوبن، والد مارين لوبن التي خلفته على رأس الحركة اليمينية المتطرفة وأعادت تسميتها “التجمع الوطني”، إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
أما اليوم، فما يدفع المعارضين للنزول إلى الشارع هو “صدمة الانتخابات الأوروبية” التي حصل فيها اليمين المتطرف في فرنسا على 37,8% من الأصوات بصورة إجمالية، و”وصول التجمع الوطني إلى أبواب السلطة”.
وندد بارديلا الجمعة بالدعوات “البالغة الخطورة” إلى “العصيان”، مبديا في الوقت نفسه “تمسكه الشديد بحرية التعبير”.
وفي صفوف اليمين التقليدي، شهدت البلبلة التي تهز حزب الجمهوريين تقلبات جديدة مع إبطال محكمة باريس الجمعة قرار المكتب الوطني للحزب إقصاء رئيسه إريك سيوتي بعد دعوته لتشكيل تحالف مع التجمع الوطني، فيما أكد بارديلا أن حزبه سيقدم “مرشحا مشتركا” مع الحزب اليميني “في سبعين دائرة”.
ويتعين على الأحزاب وضع لوائح مرشحيها بحلول الأحد، تاريخ انتهاء المهلة لتقديم الترشيحات.
وفي مؤشر إلى الغموض الذي يلف نتائج هذه الانتخابات المبكرة، عرفت بورصة باريس أسوأ أسبوع لها منذ آذار/مارس 2022 مع تسجيل تراجع بلغ 6,23%، ما ألغى كل المكاسب التي حققتها هذا العام.
من جهتها، ومن دون الإشارة إلى فرنسا على وجه التحديد، قالت السبت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني التي استضافت بلادها قمة مجموعة السبع في اليومين الفائتين إنها تأمل أن تأخذ أوروبا في الاعتبار “الرسالة” التي وجّهتها الانتخابات الأوروبية، والتي تميزت بصعود اليمين المتطرف. وصرّحت الزعيمة اليمينية المتطرفة إن “المواطنين الأوروبيين يطالبون بالبراغماتية ونهج أقل أيديولوجية في مختلف القضايا الرئيسية”.
فرانس24/أ ف ب