أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / ” حياة الماعز “

” حياة الماعز “

فيينا / الثلاثاء 27. 08 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

نعيم عاتي الخفاجي 

تلعب الأفلام  السينمائية دور مهم في تعريف أبناء المجتمع الواحد والشعوب الأخرى في شرح واقع عاشته جماعة  سواء كان الواقع الذي عاشوه واقعا مريرا أو غير مرير، لإيصاله إلى عامة الناس للإطلاع عليه.

الشعوب الحية والمحترمة تقوم في دعم السينما، لأن الأعمال السينمائية  تمثل جسور لقاء بين الشعوب بعضها البعض الآخر، ولها دور مهم في عكس روح العصر، الأعمال السينماىية تلعب دورا مهما في نقد  التخلف، والعمل على تعليم الناس وتنبيههم، في تجنب عادات التخلف.

أجمل ماقيل عن السينما، أن عالم السينما، مثله مثل عالم الواقع، ليس بالضرورة رعبا وإثارة فقط.

تناقلت وسائل الإعلام المختلفة، الضجة المفتعلة التي آثارها الإعلام الخليجي، حول فيلم سينمائي هندي، شرح الطرق المبتذلة والقبيحة التي يتعرض لها العمال ومن كلا الجنسين القادمين للعمل في دول الخليج بشكل عام، والعاملين في المملكة السعودية بشكل خاص، حيث يتم استعباد العمال، بطرق تفتقر إلى أبسط مقومات الانسانية، عندما احتل صدام جرذ العوجة دولة الكويت، دول الخليج تستعمل أجهزة الحاسوب في النقاط الحدودية، في مركز كمرك السالمي الكويتي المقابل لكمرك الرقعي السعودي، شاهدت أكوام من أجهزة الحاسوب المحطمة، وشاهدت صور كثيرة إلى أشخاص بالآلاف، كل صورة تجد تحتها مكتوب ابعد من الكويت لأسباب أخلاقية، شاهدت صور فتيات من الهند وسريلانكا والفلبين وتايلند مكتوب ابعدت لممارستها الدعارة، حتى أجهزة استخبارات صدام البعثية قاموا في تجميع صور عراقيين، تم ابعادهم للسعودية، كان ضباط البعث، يفرزون اسماء العراقيين، ويقومون بنقل المعلومات وإرسالها إلى الأجهزة الاستخباراتية العراقبة، انا شخصيا قمت في تجميع اسماء الكثير من شباب عراقيين وقمت في اتلافها، حفاظا عليهم في أن تقع الأسماء بيد ضابط رفيق بعثي كانت سريته منتشرة في كمرك السالمي الكويتي.

خلال وجودي في المملكة العربية السعودية، تحدث لي بعض حرس السجن، قالوا نحن ندفع بالشهر إلى خدامة هندية أو تايلاندية مبلغ ٢٠٠ دولار وتعمل لنا كل شيء، ونمارس معها الجنس، في كل وقت نحن نريده.

قضية استغلال العمال الهنود بالسعودية، واضطهادهم، وممارسة الجنس مع الفتيات والغلمان، متفشية بدول الخليج، والجميع يعرف نظام الكفيل السيء الصيت، يلزمون كل عامل أجنبي من الدول الفقيرة وجود كفيل سعودي، يعطوه نصف المبلغ المخصص لهم، كل شهر الكفيل يصله نصف مرتب العامل الذي كفله، مقابل توقيع السعودي الكفيل، أبناء المغتربين العرب والمسلمين الذين يحملون جناس اوروبية، تجد راتب الدكتور الهندي بدول الخليج لايتجاوز ٥٠٠ دولار، بينما راتب الدكتور الذي يحمل جنسية اوروبية يحصل على ٥٠٠٠ دولار امريكي، يعني أكثر من الطبيب الهندي بعشرة أضعاف، ولايخضع المهندس والطبيب والموظف الذي يحمل جنسية أوروبية إلى نظام الكفيل.

السينما الهندية متألقة بكل شيء، لكن تأخرت السينما الهندية عقود كثيرة من الزمان بعدم تمثيل فيلم سينمائي يشرح معاناة العمال الهنود بالسعودية ودول الخليج، قبل أيام أثير موضوع قيام السينما الهندية في عمل فيلم بالغة الهندية، اسم الفيلم أدوجيفيثام،   باللغة المالايالامية الهندية، يصور محنة فقراء الهند الذين يسعون لطلب الرزق في الشرق الأوسط، وقد حاز اهتمام حشود من المشاهدين في دور السينما

كلمة أدوجيفيثام  تعني (حياة الماعز)، وهو اسم مقتبس من الكتاب المالايالامي الأكثر مبيعاً الذي طبع عام 2008، وبيع في الاسواق، الفيلم الحالي،  من بطولة بريثفيراج سوكوماران الذي يلعب دور (نجيب)، المهاجر الهندي إلى السعودية، الذي اختُطِف واستُعبِد ليعمل راعياً للغنم في الصحراء.

القصة مستوحاة من محنة حقيقية لرجل يحمل نفس الاسم، اختُطف في البلاد في التسعينيات، وتمكن من الفرار بعد عامين.

وقد أصبحت الرواية المثيرة حجر الزاوية الثقافي في ولاية كيرالا جنوبي الهند التي تتحدث اللغة الماليالامية، حيث صدرت منها الطبعة الـ 250 هذا العام، وحازت إشادة واسعة النطاق، كما أثارت نقاشاً حول قسوة حياة المهاجرين في الخليج.

وبلغ من نجاح الفيلم الذي تبلغ مدته ثلاث ساعات، أن الفيلم،  حقق في الأسبوع الأول من طرحه أكثر من 870 مليون روبية (أي ما يعادل 8.23 مليون جنيه إسترليني، أو 10.4 مليون دولار) في جميع أنحاء العالم.

حسب رأيي الشخصي، الفيلم عمل بطولي شجاع، طال انتظاره، الفيلم هو عمل جهادي ونضالي، لمواجهة  أساليب  وحشية قاسية تطال ملايين المواطنيين الهنود.

في الفيلم، يظهر (نجيب) معزولاً عن العالم، وحيداً مع سيده وحيواناته، يكتوي بالحرارة الشديدة في صحراء قاسية، على بعد أميال من أقرب طريق، دون أن يتمكن من الوصول إلى هاتف أو ورقة أو قلم للكتابة، ودونما صديق، يشرب الماء من نفس الحوض الذي تشرب منه حيواناته.

يتوسل نجيب في مشهد مؤثر يمزق القلب، والدموع تنهمر على وجهه وهو يحكي كيف باع كل شيء وغادر عائلته، كل ذلك سعياً وراء وظيفة موعودة، لكن كلماته باللغة المالايالامية لم تجد صدى لدى رئيسه الذي لا يتحدث سوى العربية.

وفي محادثة على موقع يوتيوب، قال نجيب، البطل الحقيقي للكتاب والفيلم، إنه لا يستطيع العودة أبداً إلى الأماكن الموصوفة في الرواية.

وهناك الكثير من الكتابات التي توضح ظروف العمل القاسي والتعامل بإستعلاء مع العمال الهنود  في دول الخليج، بل ينسبون إلى العمال الهنود تورطهم في تهريب المخدرات التي ينفذها مستأجرين سعوديين وخليجيين للعمال الهنود، وللأسف يتم قطع رقابهم بالسيوف بكذبة كبرى التورط في تهريب وبيع المخدرات، حماية حقوق العمال الهنود بالخليج واجب إنساني وأخلاقي تتحمله الأمة الهندية، قبل ثلاثين سنة حدثت مشكلة، سفارة اوروبية رفضت اعطاء تأشيرات لطلاب هنود، باليوم التالي السفارات الهندية رفضوا اعطاء فيز لأبناء تلك الدولة الأوروبية الراغبين بزيارة الهند، حتى احد الأشخاص نقل لنا كلام السفير الهندي قال له نعاملهم مثل مايعاملون مواطنينا.

يوجد أكثر من عشرين مليون هندي يعملون في دول الخليج، والكثير منهم ولدوا في دول الخليج، ويفترض يتم منحهم جناسي دول الخليج، لايعقل شخص يولد بدول الخليج، ووالديه يعملون بدول الخليج أكثر من خمسين سنة، ويتم معاملتهم معاملة قاسية، غالبية  العمال الهنود بدول الخليج،  من أسر فقيرة قدمت للخليج للعمل، هؤلاء ضحايا إلى  نظام الكفالة، الذي يفرض عليهم دفع أكثر من نصف مرتباتهم للكفيل، هذا الكفيل الظالم مهمته السيطرة التامة عليهم، يحصي انفاسهم، لم يسلم من شره استغلال فتياتهم جنسياً.

نظام الكفالة بدول الخليج هو استمرار إلى الرق والعبودية، الذي كان مطبق بالجزيرة العربية بالجاهلية وفي عهد الاسلام، في بيع أصحاب البشرة السوداء، لذلك نظام الكفيل هدفه استعباد العمال الهنود وليس العمل على  تنظيم للعمل.
حال وصول الخادم أو الخادمة الهندية إلى السعودية، اول شيء يأخذونه من العمال هو جواز السفر، بحيث اخذ جواز السفر يعني ممنوع على العامل الهندي  العودة لبلاده، ويصبح العمال الهنود أسرى للأسف. 

يقول (نجيب) الحقيقي، لقد غادرت ولاية  [كيرالا] في عام 1991 مُحملاً بالكثير من الأحلام،  لكن التجارب التي مررت بها هناك، والسيد الرهيب والحياة بين الماعز، أفقدتني إحساسي بذاتي، وفقدت عقلي.

قصة الفيلم مستوحاة، من قصة نشرت  بكتاب صدر  عام 2008، هذا الكتاب انتشر بشكل سريع، حتى عندما قام  المخرج السينمائي (بليسي) في عمل الفيلم ووزع الأدوار، اختار الممثل  (سوكوماران) بطل الفيلم، بطل الفيلم كان قارئ القصة ويعرف التفاصيل، من خلال شرائه للكتاب من دور النشر، وحسب قول الممثل سوكو ماران إلى محطة بي سي، عندما تحدث معي المخرج في لعب دور بطل الفيلم، اني   كانت أعرف القصة من خلال  الكتاب الذي طبع ونشر عام 2008، يقول كنت أعرف كل أحداث القصة، وأضاف بطل الفيلم بالقول، من السمات البارزة لهذه القصة هو امتزاج الهويات بين الإنسان والحيوان، فهذا الرجل يفقد هويته ببطء كإنسان، ويصبح واحداً من تلك الحيوانات.

في الفيلم، يتوقف (نجيب) تدريجياً عن التحدث باللغة المالايالامية، ومن وقت لآخر، يُصدر أصواتاً من حلقه شبيهة بأصوات الحيوانات التي يعتني بها.

وبين الحين والآخر، يغطس في جرة من مخلل المانجو، الذي أحضره معه من بلاده ليذوق طعم الراحة قليلا.

تجارب بائسة عاشها العمال القادمون من دول جنوب شرق آسيا بدول الخليج.

الفيلم حقق أكبر إقبال جماهيري على مشاهدته، وأظهرت قنوات على موقع يوتيوب أشخاص كثيرون  يغادرون السينما في حالة من البكاء، ووصف كثيرون التجربة بأنها عاطفية غير عادية.

وقالت إحدى النساء، أعرف القصة جيداً، لكني شعرت أنه لم يفترض أن أشاهد الفيلم، لقد كان الأمر مؤلماً.

فيلم حياة الماعز،  جسد معاناة الهنود في دول الخليج

 فيلم استوحى قصته،  من معانات حقيقة يعانيها  وعاناها العمال  المهاجرون بالسعودية من بطش الكفيل،
هذا الفيلم حسب أقوال من شاهدوا الفيلم،  كان كارثة إنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، هذا الأسلوب الدنيء في التعامل مع العمال فاق القصص التي تحدثت عن الاضطهاد  في القرون الوسطى.

الهند اليوم ليس هند الماضي، من يشترون بترول الخليج هم الصين والهند، وانتهى وقت العربدة السعودية على الهند، هند اليوم أسياد على دول الخليج والعرب، الهند بطريقها لتصبح قوة اقتصادية عالمية، معظم شركات الغرب وبسبب الخلاف مع الصين، اتجهوا نحو الهند، مصائب قوم عند قوم فوائد، الساسة الهنود أكثر تشدد من الصينيين، لذلك سوف تصبح الهند قوة اقتصادية وعسكرية مؤثرة على الصعيد العالمي.

كاتب وصحفي عراقي مستقل.

25/8/2024

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك ..

اترك تعليقاً