السيمر / فيينا / الجمعة 03 . 12 . 2021
حيدر حسين سويري
رسالة الى أولياء الأمور من معلم لا يعرف التعب والملل: أنا معلم ترسلون لي أبناءكم كل يوم، وهم أمانة في عنقي، أمام الله وأمامكم، لكنكم بدأتم بتخويني! فأخذتم تحاسبونني وتطلبون مني: ألا اضرب ولا اصرخ ولا أُخرج تلميذاً من الصف.
بالرغم من ذلك أنا حريص على أن يكتبوا وأن يفهموا وأن يناقشوا ويحللوا، وأن يفهموا الدرس ويحضروا في بيوتهم، فأرى الواحد منهم أستاذاً، حين أشرح الدرس، كأنني أرى داخل صفي أربعين او خمسين أستاذاً، لا أربعين أو خمسين طالباً…
أراقب دفاترهم وحقائبهم وأفض الخلافات، وأنهي النزاع بين المتخاصمين، يقع على عاتقي نصرة المظلوم الضعيف على الظالم القوي، ويقع على عاتقي إرجاع الحاجات المسلوبة إلى أهلها، وعلى عاتقي إنهاء الشغب لأفهمهم الدرس، وعلى عاتقي فرض النظام والهدوء، وعلى عاتقي العدل في الجلوس الأول فالأول، وضعيف البصر على الصحيح، وهزيل الجسم على البدين، وعلى عاتقي الملاحظة حول الهندام وحول الحلاقة وحول الأظفار، وربط قيطان الحذاء لهم، وأصنف في دفتري الأولاد، فأعرف اليتيم والكريم والسقيم واللئيم، والعامل والخامل والهامل، والمجد والكسول، وليسوا سواء فأعطي كل ذي حق حقه، وعلى عاتقي تهوية الصف والحفاظ على نظافته وأناقته، مع أنه ليس أنيقا ولو حاولت، ونتخيله كذلك…
أنا أستاذ، وهؤلاء تلاميذي الأربعون (أو الضعف كما في مدرسة كاتب السطور) من أربعين عائلة قدموا وثمة فوج ثان وثالث… هناك مزيج من حالات الناس وظروفهم وأحوالهم يقدمون إليَّ من كل مكان، وأنا غاية في ضبط النفس تحضيراً وحرصاً واهتماماً وهنداماً وابتسامةً، عسى أن أعطي كل تلميذٍ مسألته.
والآن لي أن أسأل: هل تملكون ما يملك المعلم المربي الأستاذ من حلم وعلم وسماحة وطيبة؟ يأتينا أبناؤكم (بالرغم من تفشي الوباء) فنحضنهم، ويُخلون بالواجب فننصحهم، ونحن سعداء بعودة الدوام الحضوري… فالمعلم هو الممرض الذي يسعف ويبلل المنديل لتخفيف حمى تلميذ، ويسكت رعاف ذاك أو زكام الاخر، وفي الوقت نفسه يتناول قرص صداع رأس، ليستطيع إكمال الحصة التالية.
أشم رائحة كبدي تحترق، حين أوزع النقاط، فأنهزم أمام ذوي العلامات الضعيفة، وأجعل نفسي محل اتهام، فلعلني كنت السبب…
اليوم أبناؤكم عادوا الى الدوام الحضوري، نعطيهم الدروس ونتمنى أن نوصل إليهم فهمها، وحرصنا وابتسامتنا، واللطف منا، ونسجل لأجلهم الحصص في المدرسة وعبر صفحات المواقع ليتعلموا… أعرف أنكم لم تصبروا عليهم وهم فلذات أكبادكم! ضايقوكم في البيوت، وتمنيتم لو أن المدارس لم توصد أبوابها؛ أعرف أنكم لا تملكون برامج بيت ولا طرق علاج ظاهرة، بسبب حجر صحي كان مفروضاً علينا…
بقي شيء…
ارفعوا القبعة للأستاذ وبادلوه التحية، واعترفوا له أنه الإنسان وأن له عليكم حقاً لن تؤدوه أبداً، فالمعلم هو الشخص الوحيد الذي يقاسمك تربية أبنائك، فلا ترض له بالإساءة، سواء منك او من ابنك، علم ولدك بان المعلم هو الاب الحق، لأنه يخرجه من الظلام الى النور… والسلام.