كاظم فنجان الحمامي
نحن من أكثر شعوب الأرض حاجة لمن يواسينا. يتألم لآلامنا. يقف معنا في الشدائد. يهتم بشؤوننا. يتصدى لمشاكلنا المستعصية، ، يشفق علينا، يرأف بنا، يتعاطف معنا. يذود عنا، يسعى لتحسين ظروفنا، فمن غير المعقول أن يكون مصيرنا بيد أناس لا يكترثون لأمرنا، ولا يعبؤون بما آلت إليه أحوالنا المزرية. فمنذ ما يزيد على ربع قرن والعراق ساحة مفتوحة لكل أنواع الحروب والكوارث، ومنذ سنوات ونحن نرزح تحت وطأة الحمم البركانية المتفجرة بالويلات والمصائب. مدننا منكوبة، وثرواتنا منهوبة، وقلوبنا مرعوبة، وحقوقنا مسلوبة. فهل من العدل والانصاف أن ينشغل قادتنا بأمورهم الشخصية، وينصرفوا لشؤونهم الذاتية، ويهتموا برغباتهم الترفيهية، ومكاسبهم النفعية، في الوقت الذي نتعرض فيه لأبشع أنواع الركلات والصفعات، ونمر بأخطر الكبوات والعثرات، وفي الوقت الذي نفتقد فيه للأمن والأمان ؟، وهل من النخوة والمروءة أن يشدوا الرحال لأداء مناسك الحج والعمرة من دون أن يمنحهم الشعب شهادة براءة الذمة ؟.
لقد استقال رئيس الوزراء الكوري الجنوبي (شونغ هونغ وون) من منصبة بسبب سوء تعامل فرق الإنقاذ مع ضحايا سفينة غارقة، فاستقال مساء اليوم الذي غرقت فيه السفينة المقلوبة. وكانت المفاجأة عندما تقدم نحوه والد أحد الضحايا ليصفعه على وجهه، من دون أن يتفادى رئيس الوزراء تلك الصفعة المؤلمة، ثم انحنى رئيس الوزراء أمام الأب الغاضب، مبدياً استعداده لتلقي المزيد من الصفعات، ومعبراً عن حزنه ومواساته لأسر الضحايا والمفقودين.
وقبل أربعة أعوام كنا نتابع وقائع الكارثة، التي هددت حياة عمال منجم (سان خوسيه)، وكيف قطع الرئيس التشيلي (سبياستيان بانييرا) زيارته المتوقعة إلى الإكوادور، ليهرع مباشرة إلى موقع الحادث، ويخيم مع فرق الإنقاذ. لم يكن من السهل التعرف عليه وسط المسعفين، الذين توحدوا في ملابسهم وقلوبهم وألوانهم. لم يصطحب معه أفواج حمايته على طريقة جماعتنا، ولم يرتد الدروع الواقية، ولم يبرح مكانه. بل ظل مرابطا هناك حتى انفراج الأزمة وخروج المحتجزين سالمين من أعماق المنجم المنهار.
وقطع الرئيس الصيني (جنتاو) زيارته لإيطاليا، وعاد إلى العاصمة (بكين) بسبب الاضطرابات الأمنية في إقليم (شين جيانج)، وقطع رئيس الوزراء الماليزي (نجيب عبد الرزاق) زيارته لأمريكا، وعاد إلى بلاده لمتابعة الفيضانات التي اجتاحت، وقطع الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) زيارته لأثيوبيا، وعاد مسرعاً إلى القاهرة، ليتابع المستجدات الأمنية الطارئة في سيناء، وقطع الرئيس اللبناني زيارته للكويت وعاد إلى بلاده لمتابعة نتائج الانفجارات التي استهدفت السفارات الأجنبية. لكن قوافل رجال الدولة في العراق تنطلق دائماً بالاتجاه المعاكس، فهم على استعداد تام لمغادرة البلاد، والتوجه لأداء مناسك الحج حتى لو تقطعت أوصالنا بشظايا العبوات الناسفة، وحتى لو تدهورت الأمور وهبطت إلى الحضيض، ففي العراق لا يبكي علينا أحد، ولا يعبأ بنا أحد.
اللهم إني استودعك بلدي العراق، رجاله ونساءه وأطفاله، شيوخه وشبابه، اللهم إني استودعك ممتلكاته وثرواته وأرضه وحدوده وخيراته، اللهم إني استودعك أمنه وأمانه وضمان استقراره.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين