السيمر / فيينا / الثلاثاء 28 . 06 . 2022
د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين
لا أستنكف عن الاعتراف، ولا استعظم الاعتذار، ولا أصر على الخطأ، ولا أصم آذاني عن أصوات المحبين، ونصائح المخلصين، وحرص الصادقين، ولا أتكبر على تجارب السابقين، وحكمة الشيوخ والعارفين، ولا أشكك في نوايا العاملين، ولا أغمط دور المناضلين، ولا أنكر فضلهم، ولا أغمض عيني عن دورهم، ولا أضرب عرض الحائط بتضحياتهم.
ولا أتهم أحداً بما ليس فيه، ولا أُعينُ الشيطان على إخواني، ولا أرضى أن أكون فاحشاً لعاناً، ولا طارداً منفراً، ولا أصد ناصحاً ولا أرد معاتباً، ولا أقبل إلا أن أكون في مصاف دعاة الوحدة، المؤمنين بها والعاملين لها، والساعين بكل السبل لتحقيقها، فهي السبيل الأول لتحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات، وبدونها سنبقى هملاً ضعافاً، يستأسد علينا البغاث، ويستنوق علينا الحملان، ويستفرد بنا العدو كيف يشاء ووقتما يريد.
ما قصدتُ بمقالي المعنون “الصنمية القومية والخشبية الإسلامية”، أن أنعى الحوار القومي الإسلامي، وأن أنهي سنوات التقارب والحوار، وأن أعلن فشل التجربة وعقم المحاولة، فإن فهم البعض هذا من مقالي فقد أخطأَ ما قصدتُ، أو أخطأتُ ما عبرتُ، ولم أحسنُ العرضَ الذي أردتُ، وأسأتُ التعبير حيث أردتُ الإحسان.
فأنا من المنتسبين إلى المؤتمرين منذ تأسيسهما، ومن المؤمنين بأهدافهما والملتزمين بنظامهما، وأواظب على المشاركة في كل دورات الانعقاد ولا أغيب عنها، وأتحمل التكاليف وأصبر على المشاق، إيماناً مني بجدوى المؤتمرين، وسمو رسالتيهما، ونبل مقاصدهما، واعتقاداً مني بقدسية الفكرة التي لها يدعون، وعظم المسؤولية التي يحملون، والأمانة التي في سبيلها يضحون ويقدمون.
أما العنوان “الصنمية القومية والخشبية الإسلامية”، فربما كان قاسياً خشناً، صادماً عنيفاً، ولعله أبداً لا ينسجم مع المتن الذي تلا، والعرض الذي قدمتُ، وما كان قصدي منه أبداً وصف أتباع التيارين بالصنمية أو الخشبية وأنا منهم، وما كنتُ أنا أو غيري لنشارك في أعمال هذه المؤتمرات على مدى سنواتٍ طوالٍ، وربما الكثير من العناوين اللافتة للنظر لا تقود إلى حقيقة الخبر.
فأنا أرى أن غالبية المنتسبين إلى التيارين هم من دعاة الوحدة، المسكونين بحبها والعاملين بجدٍ لتحقيقها، ولا أتهم أحداً في نواياه، ولا أشق على قلبه غير ما أرى، وما أراه من جميع المؤتمرين في كل الدورات، وخلال كل الحوارات، تضحيةً من أجل الوحدة، وإخلاصاً في سبيل الحوار، وسعياً جاداً للتوافق واللقاء.
أشدتُ في مقالي كثيراً بالحوارات التي جرت في جلسات المؤتمر القومي العربي، وقد شدني إليها العناوين الهامة والهموم العامة، وجدية المداخلات ومسؤولية التعقيبات، وحرصُ الأعضاء على الحضور والمشاركة، والتفاعل الموضوعي في الآراء المختلفة والأفكار المتعددة.
كما سعدتُ شخصياً بانتخاب الأستاذ حمدين صباحي، الذي أكُنُ له كل التقديرِ والاحترام، ولا أشكُ في قدراته ولا أتهمه في نواياه، وقد عبرَ أجمل تعبير في كلمته الأولى عن آماله وتطلعاته التي أشترك فيها معه، وأتمنى أن أساهم في تحقيقها، وأن يكون لي دور في الوصول إليها.
قد لا أكون أنصفتُ المؤتمر القومي الإسلامي في مقالي، أو تحاملتُ عليه أكثر مما ينبغي، وقسوتُ في العرض أو أسرفتُ في الوصف، لكنني أبداً لا أنعيه ولا أعلن وفاته، ولا أقبل أن أصفه بالفشل، أو أن أتهمه بانتهاء الدور، والعجز عن المواصلة، بل ما زال في يقيني رائداً وقادراً، وعليه التعويل وفيه الأمل.
المؤتمر القومي الإسلامي ما زال قادراً على مواصلة المهمة التي انبرى إليها، وهو يستطيع ببعض الصبر والكثير من الجهد أن يحقق الكثير من الأهداف المرجوة، وهذا إيماني به حقيقةً، وأملي ألا يتعب أبناؤه، وألا يمل أتباعه، وألا يستسلموا للظروف الصعبة والمنحنيات القاسية، فهي محطاتٌ عابرة في تاريخ الأمة، وسرعان ما تزول العقبات وتنقشع الغيوم عن شمسٍ مشرقةٍ وسماءٍ صافيةٍ.
إلا أنني شكوتُ من ضعف المشاركة فيه، لجهة الأوراق المقدمة والأبحاث المعدة، وعدد المشاركين وتنوعهم، حيث كان الأمل أن تكون المشاركة أكبر والتمثيل من التيارين أوسع، إلا أن تسليطي الضوء على هذا الجانب لا يعني أبداً انكفاء البعض وانقلابهم على المهمة، وكفرهم بالرسالة، ويأسهم من إمكانية الوصول إلى نقاط التلاقي ومحطات الوفاق بين الطرفين.
أزعمُ صادقاً أن جميع الذين ساهموا في أعمال المؤتمرين من التيارين، الذين تحملوا أعباء السفر ومشاق الطريق، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة والتحديات الصحية التي لم تنتهِ، يؤمنون جميعاً بقدسية رسالتهم، ويدركون صعوبة المهمة، ويلمسون العقبات ويعرفون العراقيل التي تعترضهم، ويدركون أن أعداء الأمة يتربصون بهم ويريدون إفشالهم، ويعملون على زرع المزيد من الفتن بينهم، ذلك أن وحدة الأمة تضرهم، واجتماع كلمتها تضعفهم وتفشل مشاريعهم.
مقالي الذي أعتذر فيه لكل قارئٍ رأى فيه إساءة، ولكل عضوٍ في المؤتمر رأى فيه تجاوزاً أو افتئاتاً، أؤكد أنني قصدتُ به ولا زلتُ تحريضَ الأمة على الوحدة، ودفعَها إلى الحوار، وتنبيهَهَا إلى أنه ليس أمامها من سبيلٍ غير الحوار والتفاهم، والتعايش والقبول بالتنوع الذي يغني، والتعدد الذي يقوي، وليس فيما أوردتُ من عرضٍ وبيانٍ، اتهامٌ أو تجريدٌ، أو انتقاصٌ من قدرهم أو إساءة إلى مقامهم، ولا أقصد أبداً انعدام الفرصة، وضياع الفكرة، وموت التجربة، وإعلان نهاية حزينة وأليمة لمساعي الحوار التي امتدت لعقودٍ وما زالت.
وهنا أتوجه بالشكر والتقدير الكبير، لرواد المشروعين القومي العربي والقومي الإسلامي، وفي المقدمة منهم الأساتذة الكبار منير شفيق ومعن بشور وخالد السفياني، الذين راعهم ما كتبتُ، وأحزنهم ما عرضتُ، ورأوا فيما قدمتُ مخالفةً للحقيقة، وصورةً مغلوطة للواقع الذي كان.
فلهم أقدم أسمى آيات الشكر والتقدير لحرصهم وغيرتهم، ولغضبهم وعتابهم، وخوفهم وقلقهم، وهم الذين أفنوا عمرهم يدعون إلى الوحدة، ويُبَصِرون الأمة، وينيرون لها دروبها المعتمة، ويحذرونها من دهاليزها الخطرة، فلهم الشكر والتقدير، ومن القراء الكرام وأعضاء المؤتمرين معاً كل الاعتذار، من أخٍ محبٍ لهم، صادقٍ معهم، رفيقٍ بهم ،شريكٍ لهم.
*مفكر عربي من فلسطين المحتلة
بيروت في 28/6/2022