السيمر / فيينا / الخميس 01 . 09 . 2022 —— تُرى هل إقتنعتْ الولايات المُتحدة بنتائج سياساتها الطائشة في العراق؟ هل آمنتْ بخطايا الفوضى الخلّاقة التي جاءتْ بها؟ هل إستسلمتْ أو حتى تُفكر بالإنسحاب وتعترف قريباً بفشلِها للديمقراطية التي كَسَتْ بها العراقيين؟ ها هو المعبد يوشِك أن ينهار فأين الخلاص وذلك الحلّ؟
أميركا التي كانت غالباً ما تستعمل القوة بلا حكمة أو حتى بغباءٍ مقصود أو غير ذلك لِتخسر في نهاية المطاف جولاتها كما حدث في كوريا الشمالية (1950-1953) وفيتنام (1964-1974) وأحداث العراق التي بدأت منذ عام 2003 ويبدو أن خواتيمها المأساوية قد بانتْ نهاياتها.
أميركا لا يَهمُها مَنْ وكيف يحكم، بل مصالحها التي تجمعها مع ذلك الطرف كما حدث مع حركة طالبان بعد عشرين عاماً من المواجهات المسلحة (2001-2021) لتنتهي بإتفاق يُنهي هذه العداوة والشروع من نقطة الإنطلاق لعقد هُدنة بين الطرفين تقضي بتسليم مقاليد الحكم لجماعة طالبان، فهل هناك من يُنكر ذلك التخبّط الأميركي والفوضى التي تصنعها أينما حَلّتْ.
لا يُستبعد أن تتجه السياسات الأميركية بنهاية المطاف في بلد غارق بالتِيه والفوضى مثل العراق إلى إنتهاج سياسة مُشابهة وسيناريو مماثل لما حدث في أفغانستان بتسليم مقاليد الحُكم لوجوه جديدة قد تتعامل معها الإدارة الأميركية بمُعطيات الواقع الذي يتطلبه المشهد السياسي في العراق.
حديث السفير الأميركي السابق زلماي خليل زاده قد يكون مفتاحاً للأبواب المُغلقة التي تختبئ ورائها مُتغيرات الرؤى الأميركية للنظام السياسي في العراق. ففي الجلسة الإفتتاحية لـ”منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط” الذي نظمته الجامعة الأميركية في محافظة دهوك في إقليم كردستان في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2021 إذ هو في بهو الجامعة ليلتقي بأحد الزعامات الشيعية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي المُشاركة في المؤتمر (نتحفظ عن ذِكر الأسم لإعتبارات سياسية) حيث قال له خليل زاده: “مازال التاريخ قريباً، وأنا شخصياً الذي قررت بعد مؤتمر لندن قبل تحريركم من صدام أن يكون الحُكم بيد الشيعة عندما إتّفقتْ كلمتي مع إستراتيجية الرئيس بوش في أن تكون بإتجاه واحد، وهكذا كان الحُكم لكم بموافقتنا وتحت أنظارنا”. ومع إن هذا الزعيم أقرّ فوراً بالجميل والعِرفان لهذا الفعل بقوله “لا ننسى جهودكم معنا” إلا أن خليل زاده قاطعه غاضباً “ليست جهودي وحدها وإنما هو قرار الولايات المُتحدة جميعها، ولا تنسوا الجيش الأميركي وكل القوات التي كانت تعمل بِمعيّتنا وتُعطي التضحيات في سبيل تثبيت حُكمكم الجديد بعد نظام صدام حسين. ولكن ما هي النتيجة أنتم تُكافئوننا بقصف سفارتنا في بغداد بالصواريخ وفيها القوات التي هي أساساً لحماية حُكمكم”.
كان جواب الزعيم (الشيعي) في تلك اللحظة مُرتبكاً ومُبرراً ذلك بوجود سلاح مُنفلت وميليشيات خارجة عن القانون، وعصابات مُنفلتة والجميع غير راضٍ عنهم ويحاول القبض عليهم وتقييد تصرفاتهم، إلا أن خليل زاده قاطعه غاضباً “هذا ليس صحيحاً وحقيقياً، والدليل على ذلك أنكم أصدرتم قراراً في مجلس النواب يقضي بالإنسحاب الأميركي من العراق والتأكيد على ضرورة برمجة هذا الانسحاب. لكن حسناً، أُريد منك توصيل رسالة للجميع قل لهم أن الأميركيين سينسحبون بالكامل وأنهم قادرون أن يُسلّموا الحُكم لِمن لا يُنكِر جميل من أحسن إليهم، وهذا ما سيحصل”. ثم غادر زلماي خليل زاده المكان تاركاً هذا الزعيم مذهولاً ومصدوماً بما سَمِع. تُرى هل أبلَغ ذلك المسؤول زُملائه من القادة الذين يجلس معهم على حوارات الطاولة المُستديرة رأي خليل زاده؟
ربما، بل من المؤكد أن التمعُن في حيثيات هذه المقابلة لا بد أن يستنتج خواتيم السياسة الأميركية في العراق التي قد بدأت على ما يبدو في أن تأخذ مُنحنى مُغاير للنظام السياسي في العراق وضرورة إيجاد بدائل تستوطن الفراغ السياسي البديل للحالي. لكن هل ستكون تلك البدائل شبيهة للنظام السياسي الموجود في طريقة الحُكم؟ إن كان كذلك فهو تكرار لإرتكاب الخطأ نفسه في تبديل فئة ووضعها مكان أخرى بنفس اللون والطعم والرائحة وهي من الخطايا التي قد لاتُغامر أميركا بفعلها هذا دون الرضوخ والإستسلام للإرادة الوطنية التي تنتصر في النهاية مُحققة إرادة الشعوب.
بعد أكثر من 19 عاماً لفشل السياسة الأميركية فشلاً ذريعاً وما أنتجتْ يداها في العراق من منظومة سياسية بائسة حولته من حال سيء إلى أسوء بفعل التخبط والفوضى وإدارة الحُكم إلى مَنْ هُم دون درجة الوطنية أو مَن بمرتبة العُملاء والمُرتزقة، قد يكون الوقت حان لتعترف هذه الإدارة بخسارتها ورسوبها في مادة الديمقراطية التي أرادتها ثوباً مُهلهلاً للعراقيين، وجاء الوقت الذي تعتذر منه عن أفعالها وذلك الضرر الذي تسببته لبلد كان آمناً مُطمئناً، لكنها السياسات الخاطئة التي تُسوّل لهم تدمير الشعوب والحضارات.
المصدر / ميدل ايست اونلاين