السيمر / فيينا / الأثنين 13 . 03 . 2023
د.ماجد احمد الزاملي
لقد أصبحت مشكلة الشرعية السياسية هي مشكلة الحكم المركزية في الوطن العربي ، وغيابها وضعفها يفسران الطبيعة المتقلبة للسياسات العربية، والطابع التسلطي والقهري لأغلب السلطات العربية الراهنة، فانعدام الاستقرار والفاعلية والفساد والقمع هي عناصر مقلقة في السياسة العربية اليوم، وما ذلك إلا نتيجة لضآلة الشرعية للحكام والبنى السياسية والأيديولوجية السائدة. والنجاح الحقيقي للأنظمة السياسية هو إخفاء الحقد الشعبي وتأجيل الانفجار، بتحكمها بوسائل الإعلام الداخلية، ورقابتها الصارمة على إمكانيات الإعلام الخارجي في رصد الأحداث، والتفوق الهائل المتراكم في عمل أجهزة المخابرات العسكرية والأمنية والسياسية، وتحديثها المستمر بالتقنية والتدريب والإغداق الأدبي والمالي. إن السلطة في الوضع العربي الراهن هي (حاضنة) الدولة، وليس العكس أو كما يجب أن يكون، لذلك فإن القضاء على (الحاضنة) يتضمن تهديد وليدها بالخطر وربما بالموت، ولعل الإحساس الغريزي أو العفوي لدى عامة المجتمعات العربية بهذا الواقع الخطر، وهذه المفارقة المرة، هو من ضمن الأسباب التي تساعد الأنظمة السياسية العربية الحالية على الاستمرار في مواقع السلطة؛ السلطة التي تتماهى مع الدولة ومع الكيان العام للوطن، بحيث إنها لو انهارت انهار معها هذا الكيان (الدولة). وتنص سائر الدساتير العربية على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، لكن الممارسة تكشف في أحيان كثيرة عن فجوة بينها وبين النصوص القانونية، من خلال احتكار أقليات سياسية أو حزبية أو سلالية للسلطة وممارسة التمييز ضد بعض الفئات الاجتماعية والأقليات، كما يحدث في أحيان كثيرة أن تأتي القوانين الأخرى مُقيِّدة لما أباحه الدستور. وعادة ما تميز الدساتير العربية بين الحريات العامة، مثل حرية الاعتقاد والعمل والتنقل والملكية، التي تبدي تلك الدساتير إزاءها درجات مختلفة من التسامح والمرونة، والحريات ذات الطابع السياسي، كحرية التنظيم والإضراب والرأي والتعبير، والتي غالبا ما تُحاط بالقيود، وهناك دساتير تكفل هاتين الحريتين معا لكنها تقصرهما على الالتزام بإيديولوجية الدولة، فيما لم تتضمن بعضها أية إشارة لهاتين الحريتين.
إن للثقافة السياسية ، تأثير كبير على النظام السياسي بوجه خاص والحياة السياسية بوجه عام، إذ تنفع الأفراد والجماعات، أما باتجاه الانخراط بالنظام السياسي، أو باتجاه اللامبالاة السلبية السياسية, وحسب التقديرفإن التوافق بين الثقافة السياسية والبنية السياسية، ضروريا لتأمين إستمرار النظام السياسي، فإذا حصل التفاوت بينهما يتلكأ النظام ويتعرض حينئذ للزوال، ومع ذلك لا يكون التوافق کاملا على الدوام لعدم إمتلاك الثقافة السياسية التجانس الكامل، لأنّ الثقافة القديمة لا تُقوَّض كلياً ولا تستبدل إستبدالاً كاملاً بثقافة جديدة. إن المتتبع لمختلف المخاضات التي تعيشها بلدان الثورات في خضم تبلور سلوكيات وممارسات خارجة عن سياقات التدبير الديمقراطي لمرحلة ما بعد الثورة، يلحظ تبلور حالة من الغليان والتدافعات والتناحرات القائمة بين مختلف الفرقاء السياسيين والتي امتدت في المجتمع، والتي تتجاوز حدود المعقول والحكمة والفطنة، فما هو أكيد أن جُلَّ هذه الصراعات والاختلافات التي تعبِّر عن حالات التعصب الأيديولوجي وأيضًا الديني، وبشكل لا حدود له، يشكِّل عاملًا مغذيًا لانتصار قوى الدولة العميقة المضادة للثورة.
لقد رافق التطور والتقدم الذي شهده العالم حدوث ازمات وصراعات كبيرة شملت جوانب مختلفة عديدة ولا يمكن الخروج منها إلاّ بالتنمية، وخصوصاً وإننا نعيش الآن في عالم العلم والمعرفة والفكر والانفتاح الذي يتطلب التفاعل مع معطيات المرحلة الراهنة ومواجهة تحدياتها، فلم يَعُد الصراع يتمثل في القوة العسكرية والسيطرة السياسية على الأراضي واحتلالها وإنما انتقل إلى كيفية استخدام المصادر الطبيعية بوسائل علمية ومخترعات تكنولوجية حديثة. بما إن عملية التنمية أساساً تستهدف تطوير القدرات البشرية وتعبئتها للتغلب على المشاكل والعقبات التي تحول دون الوصول إلى السعادة التي ينشدها، والتنمية كعملية غايتها الناس وأدواتها الناس لذا فالمشاركة العامة في تنفيذها من أهم الأسس للنجاح، اذن أساس النجاح أن يصبح لكل فرد دوراً في عملية التنمية، أن يكون واعياً بما يجري حوله ودوره في تطوير المجتمع وتنميته، وهذه أمور تحتاج إلى توعية وتثقيف متصلين. وتحتاج إلى تعليم وتدريب مستمرين، ومن هنا تبرز أهمية الإعلام في المجتمع وكيفية استخدام وسائله المختلفة بهدف تعبئة الجماهير ذات المصلحة في التغيير والتنمية، وحل المشكلات التي تعترضها عن طريق تقوية وتدعيم وسائل الإعلام المختلفة. فالمجتمع بحاجة إلى إعلام يواكب خططه الإنمائية ويعمل على خلق المشاركة من جانب أفرادها في عملية التنمية، فهو السبيل لنشر المعرفة بخطط السلطة السياسية. وهو الذي يُوفر الرغبة في التغيير و ينمِّي اهتمام الناس بتغيير مجتمعهم. أن الإعلام التنموي هو احد فروع الاعلام المتخصص ويهدف إلى الإسراع في تحول مجتمع ما من حالة الفقر إلى حالة ديناميكية من النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وذلك عن طريق وسائل الاتصال المختلفة عن طريق التخطيط والتنسيق الجيد، وكذلك عمليات التثقيف والتعليم واكتساب المهارات والرغبة في التحديث وايجاد الاستراتيجيات والموارد المتاحة من أجل تحقيق التنمية عبر الرسائل الإعلامية التي تدعو إلي ذلك.
لم تعد التنمية تقتصر على البعد الاقتصادي فقط. بل أضحت أوسع وأشمل من ذلك بكثير. ويوجد شبه إجماع في شأن الإعلام التنموي على تحديد مفهوم التنمية بمفهومهـا الشـامل. وتُعـد التنمية عملية ديناميكية، شاملة، ومعقدة، وعميقة، وواعية، ومقصودة، ومدروسة. تـتم بالإنسـان ومن أجل الإنسان. وتهدف إلى إحداث تحولات واسعة وشاملة وعميقة في المجتمع. وفـي مختلـف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية. وهذا ما يؤكد أنها عملية مرتبطة بـالظروف الخاصة، والإمكانات والموارد المادية والبشرية، ومن ثَم لا يمكن استيرادها أو استعارتها جاهزة، بل هي مشروع يجب العمل عليه لإيجاده. وفي كتابه الجامعي (الإعلام والدعاية) يؤكد د. وجيه الشـيخ الأستاذ في كليه العلوم السياسية أن التنمية ليست عملية اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو تربوية منفردة بل هي مزيج من هذا كله، وربما تعدَّتها إلى جوانب أخرى غيرها. وهـي عمليـة إنسـانية هادفة، وواعية، ودائمة التغيير.
وتكمن أهمية الإعلام التنموى فى الدفع قدمًا نحو الأمام لمسار التنمية وإنجازها بالشكل المطلوب، فإنجاز التنمية يفترض تعبئة الموارد الذاتية للمجتمع وفق استراتيجية واضحة ومدروسة لكيفية تحقيق التنمية وحصر أولوياتها من ناحية، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية من ناحية ثانية، وإنشاء وتحديث الأجهزة والمؤسسات التى تنهض بالدور الرئيسى فى تنفيذ الخطط والبرامج التنموية من ناحية ثالثة، وتحقيق قدر من العدالة فى توزيع أعباء التنمية وعوائدها من ناحية رابعة. ويلعب الإعلام دوراً كبيراً في توعية الجماهير في المجتمع بالمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية الآنية وتحليلها من حيث الأسباب والنتائج والقوى الكامنة وراءها والإسهام في حل هذه المشكلات، وتقديم رؤى حولها وطرحها على المسئولين في قطاعات المجتمع ومؤسساته المختلفة، والتصدي للظواهر الاجتماعية المنتشرة في مجتمعنا مثل تعاطي المخدرات بين الشباب، وبيان أثرها النفسية والاجتماعية والصحية وكذلك ظاهرة العنف، والإرهاب وغيره من المشكلات التي تهدد الاستقرار، وتنشر الخوف والقلق بين أفراد المجتمع.
أن الدور الإيجابي للإعلام يعني أن يكون من أسباب الحل، لا أن يكون جزءا من المشكلة، وأن يكون قادرا على إدارة الأزمات لا أن يصنعها ويعيش عليها، إعلام يجمع ولا يفرق، يبنى ولا يهدم، وأن تكون مصلحة الوطن فوق كل المصالح الفردية. ولا شك أن التنمية السياسية والتنمية الثقافية والاجتماعية تخلق تنمية اقتصادية ومن خلال دور الاعلام في التنمية السياسية والثقافية فإنه وبلا شك يصبح له دور التنمية الاقتصادية.
والمفهوم الحديث للتنمية هو العملية المخطط لها والمقصودة والتي تهدف إلى نقل المجتمع التقليدي إلى الحداثة من خلال إحداث تغيير متوازن في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية بكفاءة وعدالة. ويجب أن يتم التوازن بين مرتكزات التنمية على اعتبار أن التنمية لن تتحقق إذا تم إهمال احد مرتكزاتها. إن الآراء التي تناولت مفهوم التنمية السياسية تشترك في أنها تشير إلى عمليات النمو التاريخي والتحول في بنيـة الدولـة والنظام السياسي نحو التعددية السياسية والمشاركة وترسيخ مفاهيم السيادة والولاء للدولة القومية، مما يعني ازدياد التخصص في الأبنية السياسية وترسيخ الإطار المؤسسي للحكـم وتزايـد علمانيـة الثقافـة السياسية وصولاً إلـى الديمقراطيـة السياسيـة.
لا يستطيع أحد أن يجادل في أن التنمية الاقتصادية أساسية لكل دول العالم على السواء، خاصة منها الدول النامية التي تتخبط تحت ظل الفقر مما جعل التطور الاقتصادي يشغل مكان الصدارة في تخطيطها، حيث تدرك أن عليها أن تدفع برامج التطوير الاقتصادي دفعة قوية فهي بحاجة الى الاسراع بالتاريخ عن طريق قفزة واسعة ترتكز التطور الاقتصادي تتخطى فيها مراحل التطور الذي استغرق سنوات طويلة في الغرب يسهم الإعلام التنموي في الحكم الرشيد والشفافية وعمل الأسواق والاقتصاد، كما يسهم بإحداث تغيرات مفيدة في سلوكيات الأفراد والجماعات والمنظمات، بشرط أن يمارَس هذا الإعلام في بيئة إعلامية تعددية تسودها حرية تداول المعلومات والآراء والاستقلالية، كي لا يتحول إلى أداة دعائية حكومية أو مصلحية. وهناك خطاً فاصلاً بين أن تلقي وسائل الإعلام الضوء على المشكلات التي تواجه المجتمع من منطلق وطني، وبين تقديمها لجذب انتباه وإثارة الجمهور، وهو ما يجب الانتباه إليه، إذ أنه من الأدوار المهمة للرسالة الإعلامية، إلقاء الضوء كذلك على كل فكرة إيجابية وتقديم النماذج التي حققت نجاحات في مختلف المجالات لكي يقتدي بها الغير.
إشكالية الشرعية في الثقافة السياسية العربية
وقد تكون أزمة الشرعية في أساسها مشكلة دستورية ومؤسسية، وتبلغ ذروتها عندما يرفض الناس تقبّل المؤسسات الرسمية، وهو ما قد يكون أكثر وضوحاً في دول العالم الثالث، وذلك من أن المؤسسات السياسية في دول العالم الثالث تفتقر إلى الشرعية عندما تكون امتدادً للمؤسسات التي كانت قائمة في عصر الاستعمار، كما أن المؤسسات الشرعية قد تفقد شرعيتها عندما تقع في أيدٍ فاسدة، أو عندما تواصل إصدار مخرجات سياسية غير مقبولة شعبياً، أو عندما تكون غير قادرة على مواجهة المطالب والتكيّف مع الظروف المتغيرة . لقد قامت أغلب السلطات والأنظمة السياسية العربية على أساس تعسفي، وهي تمارس العنف في السياسة والاجتماع، وهي تفتقد الشرعية التاريخية، وشرعية الإنجاز، ولا يبرر وجودها سوى تأمين مصالح أصحاب السلطة وشركائها المنتفعين بها، وكانت محاولات إصلاح الأنظمة السياسية العربية بشرعية قائمة على الانقلابات العسكرية والثورات مزيدا من السقوط في الاستبداد والتخلف السياسي والتنموي، ومن ثم فإن التفكير في العنف لتغيير الوضع القائم هو تفكير يجب استبعاده للخروج بدرس مفيد من حقبة الانقلابات والثورات وويلاتها التي جرتها على الوطن العربي، وهذا ما ظهر بالفعل في بعض بلدانه، فقد عجزت جميع الفئات المتصارعة عن حسم الموقف، وانتهى الحال إلى كارثة تعصف بالأوطان والناس والموارد والمستقبل والتاريخ.
وهذا المفهوم للشرعية يتقابل مع مفهوم البيعة في التراث العربي الإسلامي، فالبيعة، كما يقول ابن خلدون (هي العهد على الطاعة كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وبأمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد). ومع أن هذه الأنظمة كانت في فترة ما قادرة على استيعاب بعض صور المعارضة، إلاّ أنها ضاقت في السنوات الأخيرة، حتى بتقبل المعارضة الصورية، وأصبحت ظاهرة استمرار النظام الحاكم مصاحبا للتفرد في القيادة والفكر والإيديولوجيا، وأكثر من ذلك تجسيد ظاهرة أبوية الحكام. أما على مستوى الوضع الدستوري، فعلى الرغم من أن كل الدساتير العربية تظهر حالة من التوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، إلاّ أن واقع الحال يوضح سيطرة السلطة التنفيذية التي هي في الأساس سلطة الحاكم أو رئيس الدولة وامتداداته على السلطة التشريعية. إن مسألة الحكم المركزية في العالم العربي هي مسألة الشرعية السياسية. فالنقص الحاصل في هذا العنصر السياسي الذي لا غنى عنه، هو السبب الأكبر للطبيعة المتقلِّبة للسياسة العربية وللسمة الاستبدادية وغير المستقرة للحكومات العربية القائمة”(1).
وبرغم غياب التوافق الكامل بين الثقافة السياسية والبنية السياسية، يستمر التوافق بينهما على أي مستوى كتعبير عن التكامل بين أبناء المجتمع المختلفة لكل نمط من الثقافة السياسية ما يقابله من البنى السياسية. فالمطلوب من كل القوى السياسية والمجتمعية الانخراط الإيجابي في إنجاح الاستحقاق الديمقراطي بغضِّ النظر عن هويتها الأيديولوجية والسياسية، على أساس أن تتشكَّل أرضية للحوار الجاد والتفاهم والتوافق على مجموعة من المنطلقات والبناءات والمرجعيات والمبادئ التي من شأنها أن تؤسس لعملية الانتقال الديمقراطي في سياق تحصين مطالب ومكاسب الثورات، التي شكَّل الشباب قوتها وجوهرها. والوعي السياسي هو إدراك الفرد لواقع مجتمعه ومحيطه الإقليمي والدولي، ومعرفة طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحيط به، ومعرفة مشكلات العصر المختلفة، وكذلك معرفة القوى الفاعلة والمؤثرة في صناعة القرار وطنيًّا وعالميًّا. والوعي السياسي هو طريق الفرد لمعرفة حقوقه وواجباته في كل الأنظمة الديمقراطية أو الشمولية. والمجتمعات التي تنوي التحول من النظام الديكتاتوري إلى النظام الديمقراطي بحاجة إلى منظومة من المعارف السياسية التي تتضمن قيمًا واتجاهات سياسية مختلفة، يستطيع من خلالها الفرد التعرف على الظروف والمشاكل التي تحيط به محليًّا وعالميًّا. إنَّ التحديات التي يتعرض لها الوطن العربي اليوم باتت أكبر من أن يُغض الطرف عنها، فالمشروع الأميركي الإمبريالي بصيغة احتلالية قد بات داخل الوطن العربي، لا على حدوده أو يهدده، بل احتل جزءا منه ويمهد لمتابعة المسير في ذلك. وأصبح موضوع السلام مع الكيان الإسرائيلي مرتبطا بمشيئة هذا الكيان وبشروطه، وعلت أصوات تحاول عدم إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى موطنهم والتغاضي عن موضوع القدس بالتطرق فقط إلى ” القدس الشرقية “. في حين باتت الهوية القومية العربية بل والوطنية مهددة بالزوال في مشروعات إقليمية تجعل أولوية لدول الجوار بما فيها وأولها الكيان الإسرائيلي. في حين ارتهنتت الثروات العربية في مجملها للقوى الغربية الاستعمارية وبات معظم أبناء الوطن العربي مهددون بالفقر خلال سنوات قليلة، وهو ما قوَّض أيضا أي مشروع تنموي يمكن أن يظهر على المستوى المنظور. إضافة إلى تشظي المجتمعات العربية إلى عشائرية وطائفية وإقليمية تزيد من تهديد الهوية العربية الواحدة. عدا عن تعاظم خطر بعض الأقليات العرقية الانفصالية في الوطن العربي التي بدأت تشكل كيانات قد تكون نواة انفصال عن دولها. عدا عما يعانيه الوطن العربي من حركات تكفيرية تستخدم الإسلام كغطاء لعملياتها الإرهابية. جميع هذه التحديات وسواها، تُشَكل فيما تشكله تحدياً قوياً أما شرعية كل نظام عربي، حيث يقع على عاتقه مواجهتها جميعا في آن واحد، فإن بقيت الأنظمة العربية على أساليبها التقليدية في تغييب الشعوب وقمعها وامتطاء الركب الأميركي فهذا قد يعني زوال الأنظمة والأوطان وتشرد الشعوب وضياعها في جملة هذه المخاطر والتحديات.
———————————–
1- د. خميس والي، إشكالية الشرعية في الأنظمة السياسية العربية: مع إشارة إلى تجربة الجزائر (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه 44، الطبعة الأولى، شباط 2003).